أذار (مارس) 2009
مع أن كل المؤمنين، أو على الأقل معظمهم، يعرفون أن الكنيسة هي جسد المسيح، إلا أنه من النافع أن نتتبّع الخطوات التي أدت إلى الإعلان عن هذه الحقيقة الثمينة. أولاً نقول أن الكنيسة لم تكن موجودة ولا معروفة في العهد القديم، بل كانت "السِّرّ الْمَكْتُوم مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ" (أفسس 9:3)، فلم يكن معروفاً قبلاً أنه سيأتي وقت فيه يعلن الله "أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ" (عدد 6).
جاء المسيح طبقاً للنبوات مولوداً من العذراء، مولوداً في بيت لحم (متى 1و2)، شهد له الآب قائلاً: "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متى 17:3)، انتصر على الشيطان في التجربة في البرية (متى 4)، علّم تعاليم لم يعلّم أحد مثلها في موعظته على الجبل (متى 5-7)، وصنع معجزات كثيرة (متى 8-9)، ثم أرسل تلاميذه ليكرزوا بين خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 10). كما نادى يوحنا المعمدان للشعب شاهداً للمسيح قائلاً في يوحنا 34:1 "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ" ولكنهم وضعوا يوحنا في السجن (متى 11). وأخيراً اتهموا المسيح بأنه يعمل معجزاته بقوة شيطانية (متى 12). وكانت هذه نقطة تحوّل في تعامله مع اليهود كشعب، إذ علّم تلاميذه بأمثال وقال عن اليهود غير المؤمنين أنهم "مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ" (متى 13:13). وأخيراً قتلوا يوحنا المعمدان (متى14). وفي (متى 15) قال المسيح لتلاميذه: "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ" (عدد 14). أما في متى 16 فنتعلّم شيئاً جديداً، وهو أن المسيح سوف يبني كنيسته على صخرة الإيمان به كالمسيح ابن الله الحي. فإلى ذلك الوقت لم تكن الكنيسة قد تأسست، لأن كلمة "أبني" في عدد 18 هي في اللغة الأصلية في صيغة المستقبل. "مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ" (متى 21:16).
ولما قام المسيح من بين الأموات أظهر نفسه لتلاميذه مراراً وأوصاهم أن يمكثوا في أورشليم إلى أن يحلّ الروح القدس عليهم ويكونون له شهوداً "فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أعمال 4:1-8).
لاحظ أنه لما أرسل تلاميذه في متى 10 قال لهم أن لا يذهبوا إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، وأما بعد موته وقيامته ومجيء الروح القدس - إذ رفضته الأمة - فقد أمر تلاميذه أن يذهبوا إلى أقصى العالم. وجاء الروح القدس في أعمال 2 فتأسست الكنيسة، وهذا واضح من أعمال 47:2 إذ يقول: "وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ". فالكنيسة الحقيقية تشمل كل المخلصين بالإيمان بيسوع المسيح منذ يوم الخمسين وإلى أن يأخذها المسيح لتكون معه، وذلك بغض النظر عن خلفياتهم، يهوداً كانوا أم أمميين.
هذه الكنيسة الحقيقية تُشَبَّه في العهد الجديد بثلاثة تشبيهات:
أولاً، بأنها جسدٌ رأسه المسيح
ثانياً، بأنها بناء هو بيت الله وهيكل الروح القدس
ثالثاً، بأنها عروس المسيح
والآن سنتكلم عن الكنيسة كجسد المسيح، وهاك بعض الآيات التي تشير إليها:
رومية 4:12-5 "فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ". أي لا بدّ من التعاون بين أعضاء الجسد لفائدة الجسد كله. فمثلاً، إذا أردت أن أشرب كأس ماء بارد، تقوم العين بدورها لأرى مكان الكأس والماء، والأرجل تحملني إلى هناك، واليدان لتناول الكأس وصبّ الماء فيه، والفم لأشرب الماء. لا يمكن للأرجل أن تقوم بعمل اليدين، ولا الفم بعمل العينين. وهذا موضّح أكثر فيما يلي:
1كورنثوس 12:12 "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا". لماذا لم يقل ”كذلك الكنيسة“؟ الجواب هو أن المسيح والكنيسة واحد، هو الرأس وهي الجسد. كذلك لما ظهر يسوع لشاول الطرسوسي في طريقه إلى دمشق، لم يقل له لماذا تضطهد الكنيسة، بل قال له: “لماذا تضطهدني” (أعمال 4:9). بذلك تعلّم الرسول بولس منذ بدء خدمته أن الكنيسة هي جسد المسيح، ولذلك استخدمه الروح القدس لتوضيح هذه الحقيقة المجيدة مراراً في رسائله، ولا سيما في هذا الفصل (1كورنثوس12)، إذ قال أيضاً: "فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ. أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟... وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ... لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ"
(1كورنثوس 14:12-15 و18 و25-26). يا لها من كلمات نافعة نحتاج إليها جداً!
يختتم الروح القدس هذا الفصل بالقول: "وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ"، وهو المحبة.
المحبة التي لا تسقط أبداً.
المحبة التي إزاءها يتضاءل كل مجهود بشري، وتتضاءل قيمة العلم الذي ينفخ بينما المحبة تبني. ومتى وُجدت المحبة لن يكون هناك انشقاق في الجسد ولا افتخار باطل.
n أفسس 1. كان الرسول بولس يصلي من أجل المؤمنين في أفسس لكي يعلن لهم الله العمل العظيم "الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (20:1-23). لاحظ أنه أخضع كل شيء تحت قدميه كما قال المسيح: " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ"، وأما بالنسبة للكنيسة فهو رأسها. ولا بد للرأس من جسد، وهذا معنى قوله عن الكنيسة أنها ملؤه، مع أنه هو في ذاته يملأ الكل وفي الكل.
n أفسس 1:4-16 "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ... وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ... كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً... بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ".
تعليق:
المسيح وحده هو الرأس، فيجب أن نطيعه.
نحن أعضاء بعضنا لبعض، فيجب أن نحب بعضنا بعضاً، ولا يكون هناك انشقاق أو حسد أو غيرة، بل تعاون ومحبة وعناية متبادلة، فنتمم إرادة ذاك الذي أحبنا ومات لأجلنا، وقام من بين الأموات، وهو الآن رأسنا، ونحن جسده، آمين.
مع أن كل المؤمنين، أو على الأقل معظمهم، يعرفون أن الكنيسة هي جسد المسيح، إلا أنه من النافع أن نتتبّع الخطوات التي أدت إلى الإعلان عن هذه الحقيقة الثمينة. أولاً نقول أن الكنيسة لم تكن موجودة ولا معروفة في العهد القديم، بل كانت "السِّرّ الْمَكْتُوم مُنْذُ الدُّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ" (أفسس 9:3)، فلم يكن معروفاً قبلاً أنه سيأتي وقت فيه يعلن الله "أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ" (عدد 6).
جاء المسيح طبقاً للنبوات مولوداً من العذراء، مولوداً في بيت لحم (متى 1و2)، شهد له الآب قائلاً: "هذَا هُوَ ابْني الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متى 17:3)، انتصر على الشيطان في التجربة في البرية (متى 4)، علّم تعاليم لم يعلّم أحد مثلها في موعظته على الجبل (متى 5-7)، وصنع معجزات كثيرة (متى 8-9)، ثم أرسل تلاميذه ليكرزوا بين خراف بيت إسرائيل الضالة (متى 10). كما نادى يوحنا المعمدان للشعب شاهداً للمسيح قائلاً في يوحنا 34:1 "وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ" ولكنهم وضعوا يوحنا في السجن (متى 11). وأخيراً اتهموا المسيح بأنه يعمل معجزاته بقوة شيطانية (متى 12). وكانت هذه نقطة تحوّل في تعامله مع اليهود كشعب، إذ علّم تلاميذه بأمثال وقال عن اليهود غير المؤمنين أنهم "مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَسْمَعُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ" (متى 13:13). وأخيراً قتلوا يوحنا المعمدان (متى14). وفي (متى 15) قال المسيح لتلاميذه: "اُتْرُكُوهُمْ. هُمْ عُمْيَانٌ قَادَةُ عُمْيَانٍ" (عدد 14). أما في متى 16 فنتعلّم شيئاً جديداً، وهو أن المسيح سوف يبني كنيسته على صخرة الإيمان به كالمسيح ابن الله الحي. فإلى ذلك الوقت لم تكن الكنيسة قد تأسست، لأن كلمة "أبني" في عدد 18 هي في اللغة الأصلية في صيغة المستقبل. "مِنْ ذلِكَ الْوَقْتِ ابْتَدَأَ يَسُوعُ يُظْهِرُ لِتَلاَمِيذِهِ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيرًا مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ" (متى 21:16).
ولما قام المسيح من بين الأموات أظهر نفسه لتلاميذه مراراً وأوصاهم أن يمكثوا في أورشليم إلى أن يحلّ الروح القدس عليهم ويكونون له شهوداً "فِي أُورُشَلِيمَ وَفِي كُلِّ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ وَإِلَى أَقْصَى الأَرْضِ" (أعمال 4:1-8).
لاحظ أنه لما أرسل تلاميذه في متى 10 قال لهم أن لا يذهبوا إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة، وأما بعد موته وقيامته ومجيء الروح القدس - إذ رفضته الأمة - فقد أمر تلاميذه أن يذهبوا إلى أقصى العالم. وجاء الروح القدس في أعمال 2 فتأسست الكنيسة، وهذا واضح من أعمال 47:2 إذ يقول: "وَكَانَ الرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى الْكَنِيسَةِ الَّذِينَ يَخْلُصُونَ". فالكنيسة الحقيقية تشمل كل المخلصين بالإيمان بيسوع المسيح منذ يوم الخمسين وإلى أن يأخذها المسيح لتكون معه، وذلك بغض النظر عن خلفياتهم، يهوداً كانوا أم أمميين.
هذه الكنيسة الحقيقية تُشَبَّه في العهد الجديد بثلاثة تشبيهات:
أولاً، بأنها جسدٌ رأسه المسيح
ثانياً، بأنها بناء هو بيت الله وهيكل الروح القدس
ثالثاً، بأنها عروس المسيح
والآن سنتكلم عن الكنيسة كجسد المسيح، وهاك بعض الآيات التي تشير إليها:
رومية 4:12-5 "فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ". أي لا بدّ من التعاون بين أعضاء الجسد لفائدة الجسد كله. فمثلاً، إذا أردت أن أشرب كأس ماء بارد، تقوم العين بدورها لأرى مكان الكأس والماء، والأرجل تحملني إلى هناك، واليدان لتناول الكأس وصبّ الماء فيه، والفم لأشرب الماء. لا يمكن للأرجل أن تقوم بعمل اليدين، ولا الفم بعمل العينين. وهذا موضّح أكثر فيما يلي:
1كورنثوس 12:12 "لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْجَسَدَ هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا". لماذا لم يقل ”كذلك الكنيسة“؟ الجواب هو أن المسيح والكنيسة واحد، هو الرأس وهي الجسد. كذلك لما ظهر يسوع لشاول الطرسوسي في طريقه إلى دمشق، لم يقل له لماذا تضطهد الكنيسة، بل قال له: “لماذا تضطهدني” (أعمال 4:9). بذلك تعلّم الرسول بولس منذ بدء خدمته أن الكنيسة هي جسد المسيح، ولذلك استخدمه الروح القدس لتوضيح هذه الحقيقة المجيدة مراراً في رسائله، ولا سيما في هذا الفصل (1كورنثوس12)، إذ قال أيضاً: "فَإِنَّ الْجَسَدَ أَيْضًا لَيْسَ عُضْوًا وَاحِدًا بَلْ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ. إِنْ قَالَتِ الرِّجْلُ: لأَنِّي لَسْتُ يَدًا، لَسْتُ مِنَ الْجَسَدِ. أَفَلَمْ تَكُنْ لِذلِكَ مِنَ الْجَسَدِ؟... وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ... لِكَيْ لاَ يَكُونَ انْشِقَاقٌ فِي الْجَسَدِ، بَلْ تَهْتَمُّ الأَعْضَاءُ اهْتِمَامًا وَاحِدًا بَعْضُهَا لِبَعْضٍ. فَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يَتَأَلَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَتَأَلَّمُ مَعَهُ. وَإِنْ كَانَ عُضْوٌ وَاحِدٌ يُكَرَّمُ، فَجَمِيعُ الأَعْضَاءِ تَفْرَحُ مَعَهُ"
(1كورنثوس 14:12-15 و18 و25-26). يا لها من كلمات نافعة نحتاج إليها جداً!
يختتم الروح القدس هذا الفصل بالقول: "وَأَيْضًا أُرِيكُمْ طَرِيقًا أَفْضَلَ"، وهو المحبة.
المحبة التي لا تسقط أبداً.
المحبة التي إزاءها يتضاءل كل مجهود بشري، وتتضاءل قيمة العلم الذي ينفخ بينما المحبة تبني. ومتى وُجدت المحبة لن يكون هناك انشقاق في الجسد ولا افتخار باطل.
n أفسس 1. كان الرسول بولس يصلي من أجل المؤمنين في أفسس لكي يعلن لهم الله العمل العظيم "الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا، وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ" (20:1-23). لاحظ أنه أخضع كل شيء تحت قدميه كما قال المسيح: " دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ"، وأما بالنسبة للكنيسة فهو رأسها. ولا بد للرأس من جسد، وهذا معنى قوله عن الكنيسة أنها ملؤه، مع أنه هو في ذاته يملأ الكل وفي الكل.
n أفسس 1:4-16 "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ، أَنَا الأَسِيرَ فِي الرَّبِّ: أَنْ تَسْلُكُوا كَمَا يَحِقُّ لِلدَّعْوَةِ الَّتِي دُعِيتُمْ بِهَا. بِكُلِّ تَوَاضُعٍ، وَوَدَاعَةٍ، وَبِطُولِ أَنَاةٍ، مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فِي الْمَحَبَّةِ. مُجْتَهِدِينَ أَنْ تَحْفَظُوا وَحْدَانِيَّةَ الرُّوحِ بِرِبَاطِ السَّلاَمِ. جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَرُوحٌ وَاحِدٌ، كَمَا دُعِيتُمْ أَيْضًا فِي رَجَاءِ دَعْوَتِكُمُ الْوَاحِدِ... وَهُوَ أَعْطَى الْبَعْضَ أَنْ يَكُونُوا رُسُلاً، وَالْبَعْضَ أَنْبِيَاءَ، وَالْبَعْضَ مُبَشِّرِينَ، وَالْبَعْضَ رُعَاةً وَمُعَلِّمِينَ، لأَجْلِ تَكْمِيلِ الْقِدِّيسِينَ لِعَمَلِ الْخِدْمَةِ، لِبُنْيَانِ جَسَدِ الْمَسِيحِ... كَيْ لاَ نَكُونَ فِي مَا بَعْدُ أَطْفَالاً... بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ".
تعليق:
المسيح وحده هو الرأس، فيجب أن نطيعه.
نحن أعضاء بعضنا لبعض، فيجب أن نحب بعضنا بعضاً، ولا يكون هناك انشقاق أو حسد أو غيرة، بل تعاون ومحبة وعناية متبادلة، فنتمم إرادة ذاك الذي أحبنا ومات لأجلنا، وقام من بين الأموات، وهو الآن رأسنا، ونحن جسده، آمين.