Voice of Preaching the Gospel

vopg

أذار (مارس) 2009

الطاعة من أهم الخطوات العملية في حياة الإيمان. بدونها لا يختبر الإنسان المعنى الحقيقي لإيمانه ولا يدرك شيئاً من أبعاده. والطاعة ليست عبارة عن مواقف تنشأ نتيجة لنوبات عاطفية منفردة يضعف أثرها بعد ذلك، بل هي مسيرة حياة مكتملة ثابتة الهدف باتجاه محدد ذي غاية أكيدة. وهي إن صحّ التعبير "سياسة حياتية" لا تغيّرها الأوقات أو الظروف، ولا تأثيرات المحيط، ولا صعوبة الطريق. ومن المؤسف أن كثيرين يتوقّف إيمانهم عند حاجز الطاعة فيستصعبون الطريق وينكصون عائدين إلى الوراء.


مكتوب عن أبينا إبراهيم: "بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا" (عبرانيين 8:11).
ومكتوب أيضاً: "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ. قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ" (عبرانيين 17:11-18).
فالطاعة تتطلب السيطرة على رغبات النفس، والتغلّب على مشاعرها، وعدم إيثار مصلحة الذات أو منافعها، ولا مقدار الخسارة التي تتعرّض لها، وعدم النظر إلى إمكانياتنا الشخصية لأن ما يطلبه الله منا يقدر أن يحقّقه فينا – هذا مع ثقتنا بأن كل ما يتضمنه قصد الله لحياتنا هو للخير. ونعرّج في هذا المجال إلى قول مبارك للرسول بولس موضّحاً بالروح مقاصد الله الصالحة قائلاً: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رومية 28:8).
فهو يعلن لنا بكل يقين أن مقاصد الله شاملة "كل الأشياء"؛ ما يبدو منها مشرقاً أو عاتماً، مسراً أو محزناً، مريحاً أو متعباً.
وهي عاملة وليست جامدة راكدة عديمة الجدوى ولا اعتباطية.
وهي منسجمة "معاً"، لأن مخطط الله لحياة كل مؤمن هو مخطط موحّد يدمج الألوان بعضها مع بعض فيجعلها لوحة فنية رائعة، وذلك رغم وجود بعض الألوان غير المحببة هنا أو هناك ولكنك إذ تنظر إليها ككل تدرك جمال الصورة. وكذلك فإن مقاصد الله خيّرة "للخير"، لأن الله نور وليس فيه ظلمة البتة، وهو "غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا"، لكنه يتعامل مع خليقته الضائعة بحب وحنان، فالشرطان اللازمان لذلك هما: أن نحب الله فعلاً، وأن نكون مدعوّين بحسب قصده. أي تكون دعوتنا سماوية في أصلها ومسلكها وأهدافها. فهناك من يسيرون بمقتضى دعوات زائفة مصدرها العالم، أو الشيطان، أو أهواء الجسد، فيقاومون الحق الإلهي بطرق ملتوية أو بدوافع شيطانية ماكرة.
ومجالات الطاعة في حياة المؤمن كثيرة يمكن أن نصنّفها ضمن الحزم التالية:
أولاً: الطاعة هي الاتباع
فالذين يتبعون بالحق يحفظون وصاياه، ويسيرون في خطاه، ويتوجّهون حسب مشيئته من أجل التشبّه به وإرضائه؛ ملتفتين إلى برّه، وقداسته، وصبره، ومحبته، ولطفه، وتواضعه، وأمانته، وذلك طاعة لوصيته التي قال فيها: "وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (متى 29:11). وقوله: "فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ" (متى 24:7). فالاستماع لكلمة الله مطلوب، ولكن غاية هذا المطلب هي ألا نكون سامعين فقط خادعين نفوسنا بل عاملين بالكلمة. فالطاعة الحقيقية هي في اتباع خطوات الرب، والفصل في هذا هو أن نسأل أنفسنا قبل كل تصرّف: هل كان يسوع يفعل هكذا؟
واتباع وصايا الرب ليس بحرفيتها فقط بل بروحانيتها أيضاً كي تبلغ الوصية كل مفعولها الذي قيلت من أجله في حياتنا.
ثانياً: الطاعة هي الانصياع
وهي بهذا المعنى طاعة مطلقة غير مبنية على الظروف والاحتمالات، وتتعارض مع النقاش والمقارنات. فإذا كان لا يحق للجندي أن يناقش أمر رئيسه الأرضي في الميدان، فكم بالحري الأوامر والنواهي المعطاة من الله ذي السلطان العظيم؟
أبونا إبراهيم مثلاً، لم يناقش الله حينما أمره بأن يقدم ابنه إسحق ذبيحة، ولم يلجأ إلى العقل والمنطق فيشكك في حقيقة مقصد الله الذي كان قد وعده قائلاً: "إنه بإسحق يُدعى لك نسل". وكان من الممكن أن يقول في نفسه: إن هذا منافٍ للعقل والمنطق، لكنه لم يفعل. ولم يساوم مع الله لعله يقبل منه أن يقدِّم شيئاً آخر..! ونرى أن هذا النوع من الطاعة مفقود اليوم بشكل شبه تام لأننا ما نبرح نُدخل العقل، والمنطق، والمشاعر، والرغبات، والأهداف الخاصة، وحتى التقاليد، والعادات، والغيرة من الآخرين، كحواجز تمنع من الطاعة المطلقة!
ولنتأمل في الكثير من الأوامر الحرفية التي وردت في كلمة الله كالوصايا الإلهية بدءاً بالوصايا العشر، وغيرها في العهد القديم، وصولاً إلى تعاليم الرب يسوع، وانتهاء إلى تحذيرات الرسل والتلاميذ؛ وجميع هذه واجبة الطاعة كأوامر إلهية وردت على ألسنة الأنبياء والقديسين إضافة لكلام الرب نفسه. ولكننا نرى الكثير من هذه وقد أُخضعت لتصنيفات واستحسانات بشرية. وهناك وصايا لها مغزى روحي أُهملت نصاً وروحاً كقول الرب في سفر التثنية "لاَ يَكُنْ مَتَاعُ رَجُل عَلَى امْرَأَةٍ، وَلاَ يَلْبَسْ رَجُلٌ ثَوْبَ امْرَأَةٍ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ذلِكَ مَكْرُوهٌ لَدَى الرَّبِّ إِلهِكَ" (تثنية 5:22).
وكقول الرسول بولس: "وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا" (1كورنثوس5:11).
وقوله: "لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ" (1تيموثاوس 11:2-12). ونحن نرى المرأة حاسرة الرأس، تلبس ألبسة الرجل، وهي تصعد على منبر الوعظ!
3- الطاعة هي الامتناع
وأعني بذلك امتناع المؤمن من ذاته عن ممارسة ما ليس ممنوعاً بوصية أو بأي أمر إلهي؛ بل هو في ظاهره مشروع نصاً ومعنى. ولكنه يفعل ذلك برغبة في رضى الله وتحقيق مشيئته إذ يخشى أن يكون في فعله ذلك الأمر معثرة لآخرين. كقول الرسول بولس: "إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي" (1كورنثوس 13:8). وقوله: "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي" (1كورنثوس 23:10). إن هذا النوع من الطاعة يتجاوز الوصية الحرفية ولا يقف عند حدودها.
الطاعة والطواعية
إن كلمة طاعة مشتقة من الطوعية، وهي كون الشيء ليّناً. وهي بهذا المعنى ليست إلزاماً قسرياً تحت الترهيب، بل هي مسلك حياة للمؤمن الذي يخاف الله ويحبه من كل قلبه ليس خوفاً من عقاب، ولا طمعاً في ثواب.. وكما أنه يوجد تديُّن ظاهري شكلي يأتي عن طريق الوراثة أو التقليد، فإنه توجد طاعة ظاهرية يفرضها ذلك التديُّن وتصبح من مستلزماته. فنحن نقرأ ما تكلم به الرب يسوع عن الكتبة والفريسيين الذين حافظوا على الشكليات والمواسم والطقوس فتمسّكوا بحرفية الناموس ولكنهم ابتعدوا عن روحانيته فنطق عليهم بالويلات في متى 23، وعلّم الشعب قائلاً: "فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ" (متى 3:23). فإن طاعة هؤلاء كانت مرفوضة في نظر الرب لأنها كانت ظاهرية فقط، وكانت أهدافها جسدية نفسية منفعية، وأغراضها ذاتية لتحقيق ذواتهم وتكريس كبريائهم.
وبالمقابل فإن هنالك تديُّن نابع من القلب المطهَّر بالنعمة، مدفوع بالمحبة الكاملة للرب، والهدف الموحّد الذي هو رفع اسمه عالياً وتعظيم مجده. وهذه الطاعة لا تستهدف التظاهر والتشاوف، بل تتم أعمالها في الخفاء كما أوصى الرب في موعظته على الجبل. وتتم أعمالها بكل تواضع ومحبة "وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً" (متى 3:6-4)، ومثلها كثير. وقد بيّن الرسول بطرس مفهوم الطاعة الحقة في قوله: "كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (1بطرس 14:1-16). ويقول الرسول بولس: "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ" (رومية 1:12).
وبالاختصار، فإن الطاعة المقبولة من الرب هي التي مصدرها القلب المشبع بالنعمة، الذي يندفع بكل مشاعره لعمل ما يسرّ الله، ويحقّق مشيئته الصالحة في العالم بكل حب وثقة، مع الاستعداد الكامل لتحمّل التعب، والألم، والحرمان، والخسارة، والانكسار لغاية واحدة هي تمجيد الرب ورفع اسمه عالياً.

 

الطاعة من أهم الخطوات العملية في حياة الإيمان. بدونها لا يختبر الإنسان المعنى الحقيقي لإيمانه ولا يدرك شيئاً من أبعاده. والطاعة ليست عبارة عن مواقف تنشأ نتيجة لنوبات عاطفية منفردة يضعف أثرها بعد ذلك، بل هي مسيرة حياة مكتملة ثابتة الهدف باتجاه محدد ذي غاية أكيدة. وهي إن صحّ التعبير "سياسة حياتية" لا تغيّرها الأوقات أو الظروف، ولا تأثيرات المحيط، ولا صعوبة الطريق. ومن المؤسف أن كثيرين يتوقّف إيمانهم عند حاجز الطاعة فيستصعبون الطريق وينكصون عائدين إلى الوراء.

مكتوب عن أبينا إبراهيم: "بِالإِيمَانِ إِبْرَاهِيمُ لَمَّا دُعِيَ أَطَاعَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي كَانَ عَتِيدًا أَنْ يَأْخُذَهُ مِيرَاثًا" (عبرانيين 8:11).

ومكتوب أيضاً: "بِالإِيمَانِ قَدَّمَ إِبْرَاهِيمُ إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ. قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ الَّذِي قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ" (عبرانيين 17:11-18).

فالطاعة تتطلب السيطرة على رغبات النفس، والتغلّب على مشاعرها، وعدم إيثار مصلحة الذات أو منافعها، ولا مقدار الخسارة التي تتعرّض لها، وعدم النظر إلى إمكانياتنا الشخصية لأن ما يطلبه الله منا يقدر أن يحقّقه فينا – هذا مع ثقتنا بأن كل ما يتضمنه قصد الله لحياتنا هو للخير. ونعرّج في هذا المجال إلى قول مبارك للرسول بولس موضّحاً بالروح مقاصد الله الصالحة قائلاً: "وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَعْمَلُ مَعًا لِلْخَيْرِ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ، الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ حَسَبَ قَصْدِهِ" (رومية 28:8).

فهو يعلن لنا بكل يقين أن مقاصد الله شاملة "كل الأشياء"؛ ما يبدو منها مشرقاً أو عاتماً، مسراً أو محزناً، مريحاً أو متعباً.

وهي عاملة وليست جامدة راكدة عديمة الجدوى ولا اعتباطية.

وهي منسجمة "معاً"، لأن مخطط الله لحياة كل مؤمن هو مخطط موحّد يدمج الألوان بعضها مع بعض فيجعلها لوحة فنية رائعة، وذلك رغم وجود بعض الألوان غير المحببة هنا أو هناك ولكنك إذ تنظر إليها ككل تدرك جمال الصورة. وكذلك فإن مقاصد الله خيّرة "للخير"، لأن الله نور وليس فيه ظلمة البتة، وهو "غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا"، لكنه يتعامل مع خليقته الضائعة بحب وحنان، فالشرطان اللازمان لذلك هما: أن نحب الله فعلاً، وأن نكون مدعوّين بحسب قصده. أي تكون دعوتنا سماوية في أصلها ومسلكها وأهدافها. فهناك من يسيرون بمقتضى دعوات زائفة مصدرها العالم، أو الشيطان، أو أهواء الجسد، فيقاومون الحق الإلهي بطرق ملتوية أو بدوافع شيطانية ماكرة.

ومجالات الطاعة في حياة المؤمن كثيرة يمكن أن نصنّفها ضمن الحزم التالية:

أولاً: الطاعة هي الاتباع

فالذين يتبعون بالحق يحفظون وصاياه، ويسيرون في خطاه، ويتوجّهون حسب مشيئته من أجل التشبّه به وإرضائه؛ ملتفتين إلى برّه، وقداسته، وصبره، ومحبته، ولطفه، وتواضعه، وأمانته، وذلك طاعة لوصيته التي قال فيها: "وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (متى 29:11). وقوله: "فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ" (متى 24:7). فالاستماع لكلمة الله مطلوب، ولكن غاية هذا المطلب هي ألا نكون سامعين فقط خادعين نفوسنا بل عاملين بالكلمة. فالطاعة الحقيقية هي في اتباع خطوات الرب، والفصل في هذا هو أن نسأل أنفسنا قبل كل تصرّف: هل كان يسوع يفعل هكذا؟

واتباع وصايا الرب ليس بحرفيتها فقط بل بروحانيتها أيضاً كي تبلغ الوصية كل مفعولها الذي قيلت من أجله في حياتنا.

ثانياً: الطاعة هي الانصياع

وهي بهذا المعنى طاعة مطلقة غير مبنية على الظروف والاحتمالات، وتتعارض مع النقاش والمقارنات. فإذا كان لا يحق للجندي أن يناقش أمر رئيسه الأرضي في الميدان، فكم بالحري الأوامر والنواهي المعطاة من الله ذي السلطان العظيم؟

أبونا إبراهيم مثلاً، لم يناقش الله حينما أمره بأن يقدم ابنه إسحق ذبيحة، ولم يلجأ إلى العقل والمنطق فيشكك في حقيقة مقصد الله الذي كان قد وعده قائلاً: "إنه بإسحق يُدعى لك نسل". وكان من الممكن أن يقول في نفسه: إن هذا منافٍ للعقل والمنطق، لكنه لم يفعل. ولم يساوم مع الله لعله يقبل منه أن يقدِّم شيئاً آخر..! ونرى أن هذا النوع من الطاعة مفقود اليوم بشكل شبه تام لأننا ما نبرح نُدخل العقل، والمنطق، والمشاعر، والرغبات، والأهداف الخاصة، وحتى التقاليد، والعادات، والغيرة من الآخرين، كحواجز تمنع من الطاعة المطلقة!

ولنتأمل في الكثير من الأوامر الحرفية التي وردت في كلمة الله كالوصايا الإلهية بدءاً بالوصايا العشر، وغيرها في العهد القديم، وصولاً إلى تعاليم الرب يسوع، وانتهاء إلى تحذيرات الرسل والتلاميذ؛ وجميع هذه واجبة الطاعة كأوامر إلهية وردت على ألسنة الأنبياء والقديسين إضافة لكلام الرب نفسه. ولكننا نرى الكثير من هذه وقد أُخضعت لتصنيفات واستحسانات بشرية. وهناك وصايا لها مغزى روحي أُهملت نصاً وروحاً كقول الرب في سفر التثنية "لاَ يَكُنْ مَتَاعُ رَجُل عَلَى امْرَأَةٍ، وَلاَ يَلْبَسْ رَجُلٌ ثَوْبَ امْرَأَةٍ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ ذلِكَ مَكْرُوهٌ لَدَى الرَّبِّ إِلهِكَ" (تثنية 5:22).

وكقول الرسول بولس: "وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا" (1كورنثوس5:11).

وقوله: "لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ" (1تيموثاوس 11:2-12). ونحن نرى المرأة حاسرة الرأس، تلبس ألبسة الرجل، وهي تصعد على منبر الوعظ!

3- الطاعة هي الامتناع

وأعني بذلك امتناع المؤمن من ذاته عن ممارسة ما ليس ممنوعاً بوصية أو بأي أمر إلهي؛ بل هو في ظاهره مشروع نصاً ومعنى. ولكنه يفعل ذلك برغبة في رضى الله وتحقيق مشيئته إذ يخشى أن يكون في فعله ذلك الأمر معثرة لآخرين. كقول الرسول بولس: "إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي" (1كورنثوس 13:8). وقوله: "كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوَافِقُ. كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي، وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تَبْنِي" (1كورنثوس 23:10). إن هذا النوع من الطاعة يتجاوز الوصية الحرفية ولا يقف عند حدودها.

الطاعة والطواعية

إن كلمة طاعة مشتقة من الطوعية، وهي كون الشيء ليّناً. وهي بهذا المعنى ليست إلزاماً قسرياً تحت الترهيب، بل هي مسلك حياة للمؤمن الذي يخاف الله ويحبه من كل قلبه ليس خوفاً من عقاب، ولا طمعاً في ثواب.. وكما أنه يوجد تديُّن ظاهري شكلي يأتي عن طريق الوراثة أو التقليد، فإنه توجد طاعة ظاهرية يفرضها ذلك التديُّن وتصبح من مستلزماته. فنحن نقرأ ما تكلم به الرب يسوع عن الكتبة والفريسيين الذين حافظوا على الشكليات والمواسم والطقوس فتمسّكوا بحرفية الناموس ولكنهم ابتعدوا عن روحانيته فنطق عليهم بالويلات في متى 23، وعلّم الشعب قائلاً: "فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ" (متى 3:23). فإن طاعة هؤلاء كانت مرفوضة في نظر الرب لأنها كانت ظاهرية فقط، وكانت أهدافها جسدية نفسية منفعية، وأغراضها ذاتية لتحقيق ذواتهم وتكريس كبريائهم.

وبالمقابل فإن هنالك تديُّن نابع من القلب المطهَّر بالنعمة، مدفوع بالمحبة الكاملة للرب، والهدف الموحّد الذي هو رفع اسمه عالياً وتعظيم مجده. وهذه الطاعة لا تستهدف التظاهر والتشاوف، بل تتم أعمالها في الخفاء كما أوصى الرب في موعظته على الجبل. وتتم أعمالها بكل تواضع ومحبة "وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً" (متى 3:6-4)، ومثلها كثير. وقد بيّن الرسول بطرس مفهوم الطاعة الحقة في قوله: "كَأَوْلاَدِ الطَّاعَةِ، لاَ تُشَاكِلُوا شَهَوَاتِكُمُ السَّابِقَةَ فِي جَهَالَتِكُمْ، بَلْ نَظِيرَ الْقُدُّوسِ الَّذِي دَعَاكُمْ، كُونُوا أَنْتُمْ أَيْضًا قِدِّيسِينَ فِي كُلِّ سِيرَةٍ. لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: كُونُوا قِدِّيسِينَ لأَنِّي أَنَا قُدُّوسٌ" (1بطرس 14:1-16). ويقول الرسول بولس: "فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ، عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ" (رومية 1:12).

وبالاختصار، فإن الطاعة المقبولة من الرب هي التي مصدرها القلب المشبع بالنعمة، الذي يندفع بكل مشاعره لعمل ما يسرّ الله، ويحقّق مشيئته الصالحة في العالم بكل حب وثقة، مع الاستعداد الكامل لتحمّل التعب، والألم، والحرمان، والخسارة، والانكسار لغاية واحدة هي تمجيد الرب ورفع اسمه عالياً.

المجموعة: 200903

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

167 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554245