Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الأول (أكتوبر) 2009

وقع نظري على عنوان كتاب لفت انتباهي يقول: "كتابٌ لا يُقهر". تناولت الكتاب وقلَّبته بين يديَّ ولاحظت صورة للمؤلف: "ملاك لوقا" على الغلاف الأخير، وتحت الصورة كانت الكلمات التالية:


من حينٍ إلى آخر تتعرّض حقائقنا الإيمانية للنيل منها من جهات شتَّى، وَرَدُّنا الحاسم على ذلك يكمن في المقولة التالية: "صعبٌ عليك أن ترفس مناخس".
و ”المناخس“، قارئي العزيز، جمع ”منخس“، وهو عبارة عن قطعة صلبة من خشبٍ أو حديد بطول وحجم نصف قلم الرصاص، لها رأس مدبَّب حادّ يدمي من يتعرّض له، يربطه الفلاح عادةً بحلس الحمار على ظهر الدابة ينخسها به بخفَّة كلما لزم لتُسْرع في الجري. فالعبارة "صعب عليك أن ترفس مناخس"، قالها المسيح لشاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة محذراً إياه، لأن من يرفس المناخس يؤذي نفسه ويدمي جسده. والقصة الكاملة بكل تفاصيلها مدوّنة في  سفر أعمال الرسل الأصحاح التاسع، أترك للقارئ أن يطَّلع عليها بنفسه لو رغب  ليتعرَّف على المناسبة التي قيلت فيها...  إنما ما يهمّنا هنا هو قول المؤلف في وجه من يشكك في عقائدنا وفي كتابنا المقدس هو: "صعب عليك أن ترفس مناخس". فللمنخس شوكة تُدْمي من يتعرَّض لها، فلن ينجح في ما يسعى إليه !
فكتابنا المقدس كان وما زال يتعرّض لمثل هذه الهجمات الشرسة، إلا أنه يتحدَّى مقاوميه ويسحق الهجمة تلو الأخرى، لأنه يقف على صخرةٍ أزلية ومن استند عليها لا يخيب.
ويقول المؤلف: نحن قبلنا الكتاب المقدس وآمنا به عن قناعةٍ وليس عن قهر،  فهو كتابٌ عجيبٌ، عريضٌ، ومتسعٌ كاتّساع العالم، وهو عميقٌ يصل إلى أعماق الأزل ومبادئ الخليقة... ومرتفعٌ إلى فوق حيث تخفي السماءُ أسرارها وراء السحب الزرقاء.
ثمّ يقول مخاطباً القارئ:
إذا وجَدَ الكتاب المقدس طريقه إلى  يديك، اعلم أنه كتابٌ لا يُقهر.
لا أقصد بهذا أن أقوم بالدعاية للكاتب،  كنت أتمنى أن أعرفه لأشدّ على يديه  وأُبدي له تقديري وأثنّي على ما أشار إليه في دفاعه عن صحة وسلامة الكتاب المقدس.
وها هو الكتاب المقدس اليوم بين أيدي  شعوب الدنيا كلها، ومنذ ألفي عام يخاطبهم بلغاتهم المتعددة. وفي ترجماته لكل لغات  العالم بقيت لغته سهلة طَيِّعة فلم تُفْقِده  الترجمة شيئاً من طلاوته أو رونقه أو  جمال بيانه لأنَّ مَنْ أوحى به خطّط له أن  يكون بهذا الوضوح وجمال التعبير لكل أمم وشعوب الأرض.
الكتاب المقدس هذَّب شعوباً كانت قابعة في أحضان الوثنية وردّها إلى وحدانية الله قبل الإسلام بقرونٍ عديدة، وهي اليوم في الطليعة بين شعوب العالم تقدُّماً وحضارة، والكتاب المقدس هو صاحب الفضل في إنارة دروبهم، وتصحيح اعوجاجهم، فَطَبَعَ حضاراتهم بخاتم التَّميُّز... فأينما وُجد الكتاب المقدس وُجد معه أُناسٌ متميزون، محبون، متسامحون، أمناء، صادقون، إنسانيون، والناس من حولهم يُدركون ذلك ويقرّون به، فطيب الشجرة يُعرَفُ من ثمرها.
وهنا لا بدَّ من القول أن الشعوب التي ما زالت تتجاهل هذا الكنز الثمين المتمثّل بالكتاب المقدس، أو تغافلته أو استهانت به، أو منعته عن ديارها عانت وتعاني من خللٍ  وأوجاعٍ وعللٍ اجتماعية لا لزوم لذكرها  والبحث في تفاصيلها، فالوقائع على الأرض تشهد بهذا.
التقاني شاب في ساحة الجامعة، ونسخةً من الإنجيل بين يديَّ، فاستأذن القراءة فيه واستجبت لطلبه، وبعد دقائق نظر إليَّ وقال: هل هذا هو الإنجيل المحرّف؟ فضحكت لسخافة السؤال، فبعض البلية ما يُضحِك.  ثم تمالكت نفسي وتجاوزت الصَّدْمة،
وقلت له: ما رأيك أن نجلس حول تلك الطاولة لنتحاور حول ما طرحت؟
وجلسنا فسألته: في أي سنة من الدراسة الجامعية أنت؟
قال: في الثالثة.
قلت: وما هو تخصُّصك؟
قال: الفلسفة.
قلت: ما هو برهانك حول تحريف الإنجيل؟
فصمت قليلاً ثمّ هزّ رأسه وقال: لا أعرف.
قلت: هل قرأت القرآن؟
قال: نعم.
قلت: هل وجدت فيه نصّاً تُسمعني إياه يقول بأن الإنجيل محرّف؟
قال: لا أعتقد.
قلت: على ماذا بنيت المصطلح الذي طرحته بأن الإنجيل محرّف؟
فزاغت عينا الشاب يُمنةً ويُسْرةً، وبدت الحيرة عليه وصمت.
ثم عدت فقلت: أنت شاب جامعي... وما شاء الله! وتدرس الفلسفة والمنطق والأصول، فكيف تتبنّى فكرة تحكم بها على كتابٍ سماوي هو كتاب وحي من عند الله بأنه محرّف ولا تملك الدليل، فتبني معتقدك على قولٍ طائش تسمعه من الناس وتبني عليه رأياً تُجاهر به؟!
ولمّا لم يُجب... قلت: هذا كتاب يقدّسه زملاء لك من حولك ومواطنون من أهل بلدك، فكيف تتجرّأ فتتّهمه بالتحريف بهذه البساطة ولا تستند على علم؟ هل تقبل أن يُقال هذا في كتابك؟
أوَ ليس في هذا تحقير لأقدس مقدسات الآخرين؟!
ولما أحسَّ الشاب بالحرج تمتم معتذراً بكلماتٍ مبهمة وانسلَّ بإحساس من الخيبة.
فقلت في نفسي: مجتمعاتنا ما زالت بحاجة إلى نضجٍ وتفهّمٍ للأسلوب العلمي في البحث والتنقيب للوصول إلى الحقائق، لا مجرّد أن نقرأ كتباً ونحمل شهاداتٍ نعلّقها على جدران البيت أو المكتب، دليلاً على ما درسناه ونتركها هناك ونعيش في فراغ...
ومن جهة أخرى فنحن بعد بحاجة لتفهّم الآخر بوعيٍ وأدبٍ دون استعلاء...
فما جرى مع هذا الشاب لا ينفي أنَّ في مجتمعاتنا، والحمد لله، الكثير من العناصر الطيبة الواعية من مسلمين ومسيحيين الذين يعيشون مستوىً رفيعاً من الأدب واللياقة وأُخوَّة المواطنة واحترام الآخر والتعامل بالحسنى.
ونحن بهذا لا نخطّئ دين أحد، إنما نشير إلى هزالة الادّعاء الذي لا تقرّه كتب السماء، ولا يستند إلى علمٍ أو شاهد حق... لماذا لا ينفتح الفرد منا على الآخر أياً كان الآخر في آرائه ومعتقداته؟ لماذا يستصعب الواحد أن يَتَقَبَّلَ بأنَّ الآخر لديه من المبادئ السامية ما يجعله يعتز بها، وبرهان مصداقيتها على أقل تقدير يتَّضحُ في حُسْنِ مسلكه، وفي انفتاحه، وأدبه، وطيب معشره؟

المجموعة: 200910

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

101 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10472117