Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول (سبتمبر) 2009

كان بالأمس فتىً نابضاً بحيويةٍ طاغية، سريعاً في حركته، رشيقاً في مشيته، يرقص فيعبثُ بأوتار قلوب مشاهديه، ليصبحوا من الهواة وأشدِّ المعجبين. وبالأمس أيضاً كان فتىً حالماً، مندفعاً، وسيماً، وداكنَ البشرة. ولكن مع توالي السنين باتَ شخصاً آليّا، يمشي ببطءٍ ويبتسم بحذرٍ، وهو محاطٌ بمظلَّة تحمي جلده المبيَّض من أشعة الشمس، وكمَّامة تمنعُه من تنفُّس الهواء الطبيعي الذي ربَّما يحمل إليه بكتيريا أو فيروس غيرِ محبب. كان في الأساس الدينامو المحرِّك، فتحوَّل مع الأيام إلى تمثالٍ من الشمع الأبيض والملوَّن بالمساحيق والأصباغ. كان ولداً طبيعياً، لكن آلَ به المطاف ليصبحَ رجلاً يفتعل الغرائبَ ويدمنُ المخدِّرات، ويعيش في بلاد النوادر والعجائب التي أحاطَ بها نفسَهُ وصغارَه. عاش طفولته بينَ أهلِه وأشقائه وشقيقاته الثمانية، إلى أن دفعت به الشهرة والنجومية إلى عزلةٍ تامة عاش فيها وراءَ الجدران العالية والحواجز المصطنعة والأسوار التي لا يمكن أن يخترقها إنسان. والآن مات "ملك الپوپ" والراقص على القمر بين نجوم السماء الفضيَّة وتراب الأرض على الرغم من ظنون محبّيه ومعجبيه من الملايين بأنه "إله لا يموت".


نعم، هناك وإلى جانب الطريق إلى بيته في إنسينو كاليفورنيا، تجمَّع آلافُ الناس لأيامٍ معدودة حتى موعد جنازته غير المسبوقة، ولا إلى رؤساء أميركا، وهناك أيضاً بثُّوا شجونهم، وذرفوا دموعهم وغنُّوا وصلُّوا وهتفوا ورقصوا رقصته الشهيرة على القمر. فالشهرة أعمَتْ عيونهم، ونسوا أنَّه إنسان يأكل وينام ويغضب ويشتهي ويمرض ويموت أيضاً. ظنُّوه كلَّ ذلك إلا الموت. ووضعه آخرون في جنة الخُلد فكتبوا: جاكو في حديقة الخالدين. وعلى الرغم من الصفات التي منحها إيَّاه معجبوه ومحبُّوه، والسجايا التي مدحوه بها من رأفةٍ على المريض، وحنانٍ إزاءَ الشريد، ودخولِه كتاب غينيس الشهير لكثرة ما أعطى من مالٍ للفقراء والمعوزين، إلا أنَّه مات، تاركاً كل هذه الهالات التي أحاطه به الناس والكبارُ من جماعة هوليوود. نعم، مات مديوناً، ووحيداً، ومريضاً وسجيناً ومستعبداً للمهدئات علَّه ينتشي، وللأقراص المنوِّمة لتخفف عنه ضغوطات حياته ونجوميته الفنية. لكنَّ هذه عينَها هي التي أوقعته في شراكها، وسرعان ما أسقطته صريعاً في  مخالبها، وهكذا أوقفت ضربات قلبه إلى الأبد.
وعاد "جاكو" مرة أخرى بمماته ليذكِّر الناس جميعاً بأنَّ الحياة قصيرةٌ قصيرة، وإنما هي نفخةٌ سرعان ما تتلاشى. وعلى خطى الكثيرين والكثيرات من أهل الفن والمشاهير، سار مايكل جاكسون متتبِّعاً أثرَهم ومنضماً إلى نهايتهم المفجعة،  ومفاجئاً جمهوره الذي تركه يائساً ومكتئباً دون كلمةِ تلميحٍ أو تصريحٍ عن وضعه الجريح، ودونَ كلمة وداع تليقُ بمقامه كملك الپوپ المحبوب والمعبود. واعتلى نعش ملك الپوپ المذهّب المسرحَ للمرة الأخيرة في الحفل التأبيني الشهير إحياءً لذكراه. وشارك كبارُ نجوم الفن في الولايات المتحدة وضيوفٌ من حول العالم فيه. وقُرأتْ رسائلُ من حول العالم قدّمت فيها التعازي لأهل الراحل. كما أنشدت المغنية ماريا كيري رائعةَ جاكسون ”سأكون I’ll be there“ هناك وهي تكاد تجهش بالبكاء. وتبعتها الممثلة كوين لطيفة بقراءة شعرٍ كتبته الشاعرة السمراء المعروفة الدكتورة مايا أنجيلو بعنوان: كان معنا وبيننا  “We had him”. وتكلم عن حياته مشجعوه في عالم الفن، ومرافقوه في درب الغناء، كما حكى أحدُ رجال الدين عن حياته وكيف أنه تبع أحلامَه وحقَّق نجاحاً باهراً، ووصل وارتقى إلى أعلى السلَّم. وقال أيضاًً إنه تخطَّى حواجز اللون، وبمواهبه وأدائه المميَّز استطاع أن يفوز على مشكِّكيه ومنافسيه كافة. وفي آخر الحفل التأبيني قدَّمت عضوةُ الكونغرس عن ولاية تكساس تقديراً باسمه وأدَّت لنعشِه التحية. ونطق معلِّقو التلفاز قائلين بأنَّ جاكسون كان ثالثَ ثلاثة هم أهمُّ الأشخاص المعروفين في العالم، بعدَ الملكة أليزابيث وبابا الفاتيكان. وودَّعته ابنتُه الصغيرة بكلمات الحب والتفدير مع دموع الحزن والأسى.
وهكذا مات ملك وترك جمهوره ومعجبيه، ومرافقيه وحاشيته، وخدمه وحشمه، وكذا أولاده أقرب المقربين إليه. مات وهو يحضّر نفسه لإقامة سلسلة من الحفلات الموسيقية ينهي فيها حياته على المسرح والتي تَقرَّر أن تبدأ في لندن في تموز. مات وهو يستعد ويُجري التمرينات لهذه الحفلات التي بيعتْ جميعُ تذاكرها خلالَ ساعات فقط في شهر مارس. وكان جاكسون يأمل أن تُنعش جولتُه البريطانية ميزانيتَه وتؤمِّن حياته بعد اعتزاله. لكنَّ الرياح تجري بما لا تشتهي السفنُ فسقط ملك الپوپ وكان سقوطه عظيماً.
لكم يذكرني هذا الحدَثُ بمثَلٍ قدَّمه الرب يسوع المسيح في الإنجيل بحسب لوقا والفصل الثاني عشر فقال:
"إِنْسَانٌ غَنِيٌّ أَخْصَبَتْ كُورَتُهُ، فَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ قَائِلاً: مَاذَا أَعْمَلُ، لأَنْ لَيْسَ لِي مَوْضِعٌ أَجْمَعُ فِيهِ أَثْمَارِي؟ وَقَالَ: أَعْمَلُ هذَا: أَهْدِمُ مَخَازِنِي وَأَبْنِي أَعْظَمَ، وَأَجْمَعُ هُنَاكَ جَمِيعَ غَّلاَتِي وَخَيْرَاتِي، وَأَقُولُ لِنَفْسِي: يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ، مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي! فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ هكَذَا الَّذِي يَكْنِزُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ هُوَ غَنِيًّا ِللهِ".
ظنَّ ملكُ الپوپ، وكذا مثلُه الكثيرون، أنَّ الهدف الأول في الحياة هو أن يؤمِّن عيشه ليحيا حياةً رغيدة. وظن جاكسون بأنَّ حفلاته البريطانية هذه ستسدِّد ديونه ولسوف تؤمِّن له معيشته وأولاده بعد تفرُّغه من الفن والغناء نهائياً. لكنَّ صوتَ الله الذي لا يعلم أحدٌ موعده، ناداه في تلك الليلة وهو يحسبُ حساباته، قائلاً له:
”في هذه الليلة تُطلب نفسك منك...“
كنَزَ لنفسه، وعلى الرغم من الديون التي كان يعيش تحت وطأتها، إلا أنه كان يفكر أبداً في حلول تُخرجُه من أزماته العديدة وتؤمِّن لنفسه عيشاً رغيداً ويقيم  لنفسه اسماً عظيماً. لكنَّ الله وصفه بالغبي إذ قال له: ”يا غبي. هذه الليلة تُطلب نفسك منك“.
فهل نضيِّع حياتنا في سبيل تحقيقِ ذاتنا؟ أم نضيِّع حياتنا لكي نجدَها في الله خالقنا، وفي يسوع المسيح مخلصنا وفادينا؟ الذي وحده يمنح حياتنا معنىً ومغزىً؟
أجل، هناك خسارةٌ وربحٌ،  وربح وخسارة. فأيَّ الاثنين نختار؟ أن نخسر نفوسنا لكي نربَحها أمام عرش الله؟ أم نربحُ نفوسنا هنا لكي نخسرها هناك؟ وشتَّان ما بين الاثنين!!!
قال الرب يسوع المسيح: ”إن من أراد أن يخلّص نفسه يهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي يجدُها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه“.
فهل نتعلّم الدرس الأهم في الحياة؟ فنصيبُ الهدف ونحصل على الحياة والحياة الأفضل؟ ولا يكون الموت هو النهاية، بل يصبح البداية لحياة سعيدة في دار النعيم.
فلمنْ تعيش يا قارئي العزيز؟ لأجل ذاتك؟ ونفسك؟ من أجل تخليد اسمك على هذه الأرض الزائلة؟ أم من أجل مالك ومقتنياتك؟ احذر عزيزي لئلا تصيرَ تمثالاً من الشمع جامداً أجوف، وخالياً من الحياة!

المجموعة: 200909

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

709 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578252