أيلول (سبتمبر) 2009
"لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاَمًا بَلْ سَيْفًا" (متى 34:10).
قد يغضب البعض ويعترض على كلمة "السيف"، وهذا هو موضوع حديثنا. إن المسيح لم يستلّ سيفاً حرفياً بل لم يمسك بعصا ومكتوب عنه: قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة مدخّنة لا يطفئ. إنه الطويل الروح وكثير الرحمة، فما هو السيف إذاً الذي ألقاه المسيح؟
قبل أن يعطي المسيح السلام، لا بد أن يستلّ السيف ليُطهِّر ويشذّب وينقّي؛ لأنه قبل أن نؤمن بالمسيح رباً، نكون في حالة سلام كاذب وخمول... نرتكب الإثم والجرم كالماء. نتصرف ونسلك كما يتصرف أهل العالم الذين يعيشون في الفساد تحت قبضة إبليس. قد نحسّ بتأنيب الضمير أحياناً فنجمده ونلقي باللوم على الآخرين أو على المجتمع.
يعيش الإنسان البعيد عن الله في حالة من الموت الروحي. لذلك لكي يقيم المسيح سلاماً لا بدّ أن يستلّ السيف ويطعن به هذا القلب الحجري الذي لا يبالي، فيتحوّل إلى قلب لحمي.
لا بدّ أن تنشأ الحرب داخل هذا الإنسان، ولا بد أن يحتدم الصراع حتى يحسّ باحتياجه إلى المنقذ والمخلّص.
هناك صراع يقود إلى التوبة، وهو الصراع الذي ينشئه روح الله القدوس، مستخدماً الكلمة المقدسة، التي تبكّت وتقود إلى الحزن ثم إلى التوبة.
قد يحزن الإنسان لأجل خسارة مادية، أو لأجل مرض ألمّ به، ولكن هذا الحزن لا يشفي، إنما لا بد من طلب الطب والدواء الذي يتفاعل مع المرض ويشفيه.
والحزن الذي يقود إلى التوبة، هو أن ندرك أن خطايانا كانت السبب في صلب رب المجد يسوع القدوس. والتوبة هو تغيير المسار بعد أن يتغيّر الفكر. قد نحسب الله عدواً لنا، أو سيداً قاسياً متسلطاً، ولكن سيف الروح الذي هو كلمة الله يتفاعل مع عمل الروح القدس، فيغير الفكر أولاً، ثم المشاعر، ثم الإرادة ويدفع إلى الاعتراف بالخطأ ثم طلب المغفرة.
هذا هو عمل السيف، الذي هو كلمة الله "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ" (عبرانيين 12:4).
بعد أن يتطهر القلب، يعود المسيح فيستلّ سيفاً، بمعنى أنه يفرّق الإنسان المؤمن به عن غير المؤمن ويقول: "فَإِنِّي جِئْتُ لأُفَرِّقَ الإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَالابْنَةَ ضِدَّ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا" (متى 35:10)، والسبب أن الشخص الذي نال سلام الغفران من المسيح، ستقوم عليه حرب شعواء من أهل بيته. فإذا كان الأب أو الأم أو أحد أفراد البيت ضد المسيح لا يؤمن به، فإنه سيقاوم من آمن بالمسيح.
قد تكون المقاومة هزءاً أو اضطهاداً وعنفاً. وهنا يستل المسيح السيف، أي يقطع العلاقة بينهم لأن "مَنْ أَحَبَّ أَبًا أَوْ أُمًّا أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي، وَمَنْ أَحَبَّ ابْنًا أَوِ ابْنَةً أَكْثَرَ مِنِّي فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي" (متى 37:10).
إن سلام المسيح يغمر القلب المضطهد بل يحسب الآلام التي يجوز فيها من أجل المسيح فرحاً. في حين أن الذي يضطهده تشتعل داخل قلبه نيران البغضة، وهي أحدّ من جرح السيف.
إن العالم وُضع في الشرير، ولذلك يقاوم إبليس رئيس هذا العالم الشرير كل من يقبل المسيح رباً وإلهاً، وستظل هذه الحرب دائرة وهي أحدّ من السيف في قسوتها.
أما السلام الذي يعطيه المسيح، فهو يفوق كل عقل، إنه يختلف عن سلام العالم الزائف المؤقت المرهون بالظروف والأحداث.
"الْبَسُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تَثْبُتُوا ضِدَّ مَكَايِدِ إِبْلِيسَ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ احْمِلُوا سِلاَحَ اللهِ الْكَامِلَ لِكَيْ تَقْدِرُوا أَنْ تُقَاوِمُوا فِي الْيَوْمِ الشِّرِّيرِ، وَبَعْدَ أَنْ تُتَمِّمُوا كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَثْبُتُوا" (أفسس 11:6-13).
ولنعلم أن وعد المسيح هو لكل من يؤمن به. إن السيف لك لتحارب به حروبك ضد قوات الشر وهذا السيف هو كلمة الله.
والسلام لك أيضاً في شخصه المبارك وسيحفظك في سلامه بالرغم من كل الصعوبات.
(عن أعمدة الزوايا)