Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الأول (ديسمبر) 2005

أرسلت الأختان إلى يسوع قائلتين: ”يا سيّد (أو يا رب، أو يا متسلّط) الذي تحبّه مريض“. والمرض شديد ومؤلم، والخوف يستولي على  القلبين اللذين يخفقان بمحبة المسيح. أما جواب المسيح المقتضب فتناول العموميات ولم يدخل في التفاصيل: ”هذا المرض ليس للموت بل لأجل مجد الله“. لكنّ هذه الرسالة لا تروي الغليل، لأن المرض كان يشتدّ ويشتدّ مما أفضى إلى موت لعازر.

 

هل هذا إهمال، أو عدم اكتراث؟ هل هذا يعني زيادة الاهتمامات؟ هل هذا الأمر لا قيمة له ولا أهمية؟ هذه الأفكار وغيرها تجول في أذهاننا. إن استسلمنا لها، فإنها تولّد فينا عُقداً روحية، لها بداية وليس لها نهاية. ولا نقدر أن نحلّ هذا اللغز: ”موقف المسيح“.

نستطيع أن نقف بجانب مريم ومرثا ونشعر معهما، لأننا كثيراً ما نجتاز هذه المراحل نفسها، وكثيراً ما نصل إلى هذه الحالة. وهذا ليس بالأمر الغريب لأن مرحلة الآلام والتجارب ضروريّة لنموّنا الروحي. وكلّما نمونا احتجنا إلى جرعة أكبر من الآلام والتجارب، لكي ننمو إلى مرحلة متقدمة.

هل نستغرب البلوى المحرقة الحادثة بيننا؟ هل نستغرب تقديم إبراهيم لإسحق وهو مُمتَحَن؟ هل نستغرب تسليم المسيح بطرس إلى الغربال وتركه أمام تجربة مرّة وقاسية؟

هذه الصرخة، صرخة الحيرة، ليست جديدة. صرخها داود قديماً مع سائر الأنبياء الذين تعامل الرب معهم، حينما وصلوا إلى مستويات جديرة بالمعاملات الإلهية التي من هذا النوع. ”إلهي إلهي لماذا تركتني بعيداً عن خلاصي عن كلام زفيري“ (مزمور 1:22). ونحن نعلم من خلال كلمة الله أن إلهنا قريب.

كاد اليأس أن يبتلع بولس عندما صرّح بالقول: ”الجميع تركوني“ (2تيموثاوس 16:4)، لولا بصيص أمل لاح له فاستدرك بالقول: ”ولكن الرب وقف معي وقوّاني“ (2كورنثوس 17:4). أمّا إذا استولى علينا هذا الشعور، بأن الرب الذي يحبنا، بعيد لا يرى، ولا يسمع، ولا يشعر بأنات قلوبنا، ولا يتألم لآلامنا؛ فمن يعزينا؟ ومن يمدّ لنا يد العون؟ فنضم أصواتنا آنذاك إلى داود القائل: ”انتظرتُ رقةً فلم تكن ومعزين فلم أجد“ (مزمور 20:69). ”إلهي في النهار أدعو فلا تستجيب، في الليل أدعو فلا هدوَّ لي“ (مزمور 2:22). وإن جاءت الاستجابة فتجيء مبهمة، وليست على مستوى الواقع.

المشكلة موجودة: لعازر مريض ولعازر يتألم. ربما مشكلتنا لا تكون مشكلة الجميع، لكنها مشكلتنا، لعازر أخونا نحن. قد لا يشعر معنا الجيران، حتى ولا الأهل والأقرباء كما يجب. في حيرتنا نردّد مع المرنم: ”كالماء انسكبتُ... صار قلبي كالشمع قد ذاب في وسط أمعائي“ (مزمور 14:22). نخاف مما سيحدث، نحاول أن نتعايش مع وضع معيّن، لكننا نخشى من التأزُّم. ماذا سيحصل بعد؟ حالة  اللاصحّة واللاموت، صعبة كحالة اللاحرب  واللاسلم، وحالة اللافقر واللاغنى. وينتابنا شعور بالوحشة فنتساءل: ”إلى متى يا رب تنساني كل النسيان، إلى متى تحجب وجهك عني“ (مزمور 1:13) عندما يكون يسوع بعيداً، نكتشف ضعفنا وقلّة إمكاناتنا وفشلنا. الريح مضادة ونحن نجاهد في وسط العاصفة، وما باليد حيلة. نجتر آلامنا وحدنا، ونصارع القوى المعادية وحدنا، ونحاول أن نوقف زحف الظروف والأحوال الثقيلة كالجبل وحدنا.

نشكر الله لأجل هذه المعاملات التي وحدها تنمي شخصياتنا. لا غرابة إن كان المسيح وصل في نهاية معاملاته مع التلاميذ على الأرض، إلى مرحلة يقول لهم فيها هذا الكلام: ”حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء؟ فقالوا: لا. فقال لهم: لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك. ومن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفاً“ (لوقا 35:22و36). جاء وقت تتعلمون فيه كيف تتكلون على نفوسكم، وتواجهون الصعوبات وحدكم، ”لأن ما هو من جهتي له انقضاء“ (لوقا 37:22).

الآلام تشكل الشخصية، والصعوبات تشغل الفكر وتحرك العاطفة، تُكثر التساؤلات، وتولّد الشكوك، لكي تبني الإيمان، وتقوّي العضلات، وتحسّن النظر الروحي. ”كنت أرى الرب أمامي في كل حين أنه عن يميني لكي لا أتزعزع“ (أعمال الرسل 25:2).

نحن لسنا بمنأى عن التجارب، ولا ضمانة لدينا تمنع المشاكل والآلام والمخاوف والأمراض. اله كل نعمة الذي يحفظنا ويعزينا، يجلدنا ويؤدّبنا لكي يصوغ منّا شخصيات تصلح أن تكون مثالاً للعتيدين أن يؤمنوا به (1تيموثاوس  16:1) لإظهار كثرة عظمته، وشدة قوته، ومقدار محبته وأمانته، كما تعامل مع أيوب وإبراهيم وغيرهما من القديسين.

نعيش أحياناً كثيرة قريبين من العالم، ولأننا نحمل معنا أجواءنا إلى العالم فلا نعود نحس بأن الحياة رديئة وقصيرة، لأننا محمولون بالنعمة التي نحن فيها مقيمون. في هذه الحالة يضطر الرب إلى أن يقلص مساحة النعمة، ويزيح الأذرع الأبدية من تحتنا قليلاً، فنرى العالم على حقيقته، ونكتشف أنه عالم المذلة وليس من يعزي، وعالم الدموع وليس من يعوّض.

سحب الرب يده من تحت بطرس وهو يسير على الماء، فابتدأ يغرق. الصياد ابن البحر يخاف ويصرخ طالباً النجدة. درس لا يُنسى، وهو أن ما عندنا لا يكفينا في وسط هذا العالم الصاخب بأمواجه العاتية التي تفتح فاها لكي تبتلعنا. وإن كنا نعيش فيه براحة، ذلك لأننا نعيش في بوتقة النعمة، مرنمين مع داود: ”لولا الرب الذي كان لنا عندما قام الناس علينا. إذا لابتلعونا أحياء عند احتماء غضبهم علينا“ (مزمور 2:124و3). وماذا نقول عن إبليس الذي يجول كأسد زائر ملتمساً من يبتلعه. يجول حنقاً محاولاً أن ينتقم مِن مَن تنكَّر له وفضّل المسيح عليه وتركه وترك عالمه وخطاياه وقباحته. ولولا النعمة لافترسنا وقطّعنا إرباً إرباً.

ويبقى السؤال، لماذا هذا الصمت أمام مشكلة تهمّنا، وأمام وضع مأساوي خَطِر؟ لماذا هذا الإهمال المتعمّد؟ هل هذا جزاء حياة الإيمان بالرب، ومحبتنا للمسيح وأمانتنا له؟

نعم، هذا جزاء يوسف العفيف الطاهر، الذي بيع عبداً، وماذا فعل حتى ”آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه“ (مزمور 17:105 و18). أهكذا يكافأ الأبرار؟ لكن هذا الفصل ليس الأخير. ”قول الرب امتحنه. أرسل الملك فحلّه... أقامه سيداً على بيته ومسلطاً على كل مُلكه“ (مزمور 19:105-21). ابن السجن أصبح مسلطاً، والعبد صار سيداً.

أهكذا تكافأ أمانة دانيال الذي ”جعل في قلبه أنه لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه“ (دانيال 8:1). القضية جدّية، أن نقول بأن أطايب الملك نجسة وبالتالي أن نعرّض رئيس الخصيان للموت بحسب قوله: ”لماذا يرى وجوهكم أهزل من الفتيان الذين من جيلكم فتدينون رأسي للملك“ (دانيال 10:1). هل عندنا هذه الجرأة أن نعيش الحق مهما تكن النتائج؟ نحتاج إلى هذا النوع من التصميم الذي يقوى على تصميم الشيطان بأن يذلنا وعلى تصميم العالم بأن يبتلعنا. إن صلّيتَ يا دانيال وعبدت إلهك سينتظرك جب الأسود لكن هذا الفصل ليس الأخير.

ماذا كان جزاء المبدأ الذي عاشه شدرخ وميشخ وعبدنغو؟ أتون النار المحمّى سبعة أضعاف. إنه عقاب متوحّش. أنتم من واجبكم أن تعبدوا إلهكم في كنيستكم وبين أهلكم وجماعتكم. هنا الغربة قاسية ولا ترحم. ابقوا على إيمانكم في قلوبكم وسايروا الآخرين. وكيف سيجيبون الملك عن سؤاله: ”من هو الإله الذي ينقذكم من يدي“ (دانيال 15:3)؟ كانوا أمناء لإلههم، واستطاعوا أن يظهروا عظمة الرب وأنه موجود معهم في كل مكان، حتى في أتون النار. ”هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المتقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك“ (دانيال 17:3).

ما هي مكافأة من تكرّس للرب، وأحب الرب، وترك كل شيء في سبيل خدمة الرب؟ يسيء الآخرون فهمه، وينعتونه بالحمق وإضاعة الفرص. الآخرون تقدموا في كل المجالات وهو ”مبشر“ بسيط. فليكن. إن هذا الفصل ليس الأخير. فنحن ننتظر مكافأتنا من الرب وليس من البشر.

نحن لا ننتظر هذه المكافآت، لكن إلهنا يعطينا إياها فضلاً. نحن، مكافآتنا في الأبدية، في السماء مع يسوع. هناك سنأخذ التيجان ونطرحها عند قدمي الخروف المذبوح المستحق أن يأخذ الكرامة والمجد.

إذا راودتنا هذه التساؤلات، علينا أن ندرك أنه ليس الفصل الأخير. نستوعب الأزمة وننتظر ما بعدها بإيمان. نتمسك بالأمل القليل، وأحياناً كثيرة يفلت من بين أصابعنا، ولكن لنبقَ مشدودين إلى محبة المسيح.

هل نشكّ بصلاح المسيح؟ أم نشكّ باهتمامه ونقول مع مرثا: ”أما تبالي؟“ أو نقول مع التلاميذ في السفينة: ”أما يهمك أننا نهلك؟“

إذا خسرنا كل الأشياء فلا نخسر ”صمام الأمان“ وهو بأن المسيح يحبنا، ولا شيء يفصلنا عن محبة المسيح. ”الذي لم يشفق على ابنه بل بذله لأجلنا أجمعين كيف لا يهبنا أيضاً معه كل شيء“ (رومية 32:8).

المجموعة: كانون الأول December 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

105 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476550