كانون الأول (ديسمبر) 2005
”في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان“ (يوحنا 1:1-3).
”ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني“ (غلاطية 4:4و5).
التقى الأزل بالزمان عندما وُلد يسوع المسيح من مريم العذراء.. بل قبل أن يكون زمان. فالمسيح هو ابن الآب منذ الأزل، والأبوَّة صفة أزلية في الله، والأبوَّة الأزلية تحتم وجود البنوَّة الأزلية.. فلا أبوَّة بلا بنوَّة. وقد قال المسيح عن نفسه باعتباره الحكمة: ”منذ الأزل مُسحت“ (أمثال 23:8)، وقال لإبراهيم: ”قبل أن يكون إبراهيم أنا كائن“ (يوحنا 58:8).
ففي الأزل دبَّر الله كل ما يتعلق بمخلوقاته ”معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله“ (أعمال 18:15). واقتضت مشورة الله، والمشورة تحتم وجود المشيرين، وهذا يعني أن الآب كان مع الابن والروح القدس منذ الأزل.. فالله كامل في ذاته وصفاته دون حاجة إلى مخلوقاته.. ولكي يمارس صفاته بغير مخلوقاته لا بد أن يكون جامعاً في وحدانيته.
دبر الله خلقة الإنسان.. وعلم مُسبَقاً بعصيان الإنسان، ودبَّر الطريق لفداء الإنسان بدم المسيح الكريم ”عالمين أنكم افتُديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب.. بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح. معروفاً سابقاً قبل تأسيس العالم“ (1بطرس 18:1-20). هذه كانت مشورة الله (أعمال 23:2و24) التي تمت حرفياً في الزمان. ولهذا التقى الأزل بالزمان في يسوع المسيح.
1- التقى الأزل بالزمان في المسيح لخلقة العالمين
”الله، بعد ما كلَّم الآباء بالأنبياء قديماً، بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه - الذي جعله وارثاً لكل شيء، الذي به أيضاً عمل العالمين“ (عبرانيين 1:1-2).
”شاكرين الآب الذي أهَّلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته... الذي هو صورة الله غير المنظور... فإنه فيه خُلق الكل: ما في السموات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى... الكل به وله قد خُلق“
(كولوسي 12:1-16).
المسيح هو خالق العالمين، العالم الروحي.. عالم الملائكة والرؤساء.. عالم الأزمنة والأوقات.. والعالم الطبيعي ببحاره، وأنهاره، وطيوره، وأسماكه، وحيواناته، وهوائه، وفضائه.. وأخيراً الإنسان الذي خلقه على صورته..
ويجدر بنا هنا أن نعرف أن الخليقة كلها خلقها المسيح لنفسه ”الكل به وله قد خُلق“ (كولوسي 16:1). فهو وارث الأرض ومن عليها.
2- التقى الأزل بالزمان في المسيح لخلاص الإنسان
حياة المسيح لا تبدأ في الزمان.. فهو أزلي في وجوده مع الآب الأزلي كما ذكرنا، ولما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه لخلاص الإنسان..
وملء الزمان هو الوقت الذي أعد الله فيه العالم لاستقبال ابنه.. في ملء الزمان سادت الإمبراطورية الرومانية العالم.. وأمر أغسطس قيصر أن يكتتب كل المسكونة، ولهذا ذهب يوسف آخذاً مريم امرأته التي كانت حُبلى من الروح القدس إلى مدينة بيت لحم، وهناك تمت أيامها لتلد، فولدت يسوع لتتم النبوة القائلة: ”أما أنتِ يا بيت لحم أفراتة وأنتِ صغيرةً أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم منذ الأزل“ (ميخا 2:5).
في ملء الزمان عبَّدت الإمبراطورية الرومانية الطرق، وبهذا مهدت السبيل لنشر رسالة الإنجيل.
في ملء الزمان جعلت الإمبراطورية الرومانية اللغة اليونانية لغتها الرسمية.. وبهذه اللغة الدقيقة والغنية كتب الرسل أسفار العهد الجديد.
± في ملء الزمان وُلد المسيح ليخلص الإنسان..
الخطية دين في عنق الإنسان.. الذي طالبه الله بطاعة وصاياه فتعدى هذه الوصايا.
الخطية عداء سافر لله، فبالتعدي على وصايا الله أعلن الإنسان عداءه لله.. صار عدواً لله (رومية 10:5).
الخطية جريمة في حق الله.. لأنها كسر لوصايا وقوانين الله..
الخطية بهذا المفهوم جلبت على الإنسان غضب الله.. وفي تجسد المسيح وموته على الصليب، خلّص الذين يؤمنون به من الدين الذي في عنقهم، وصالحهم مع الآب فصاروا أبناءً بعد أن كانوا أعداء.. ومنحهم العفو، فمحى جرائمهم بدمه الكريم.
3- التقى الأزل بالزمان في المسيح لتحرير وتغيير الإنسان
يعطي المسيح لمن يؤمن بعمله الكامل الذي عمله بموته على الصليب حرية من سيادة الشيطان، ولذا قال لبولس الرسول وهو يرسله إلى الأمم: ”لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين“ (أعمال 18:26).
ومع هذه الحرية من سلطان الشيطان يغير المسيح حياة الإنسان:
± التقى المسيح بامرأة من السامرة تزوجت وطُلِّقت خمس مرات، وأخيراً عاشت مع عشيق بغير زواج.. فأخبرها بخطاياها، وأعلن لها عن حقيقته فآمنت وتابت عن شرها، ومضت تشهد له في مدينتها، وآمن به كثيرون بسبب شهادتها (يوحنا 39:4).
± التقى برجل محب للمال، اسمه ”زكا“ كان رئيساً لمحصلي الضرائب، وكان يظلم الكثيرين، فتغير زكا بعد إيمانه بالمسيح، ونقرأ عنه: ”فوقف زكا وقال للرب: ها أنا يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين، وإن كنت قد وشيت بأحد أردّ أربعة أضعاف“ (لوقا 8:19).
± التقى بسمعان بطرس الصياد، الذي اعترف بأنه رجل خاطئ، وجعله رسولاً له يصطاد الناس لملكوته (لوقا 8:5و10).
± التقى بشاول الطرسوسي المتعصب ليهوديته، الذي قاده تعصبه الأعمى لاضطهاد، وتعذيب، وقتل المسيحيين؛ فتغير شاول تماماً، وصار رسولاً من رسل المسيح، وصار اسمه بولس، واحتمل من أجل المسيح العذاب، والسجن، والآلام. لكنه شهد لقسوس كنيسة أفسس قائلاً: ”ولكنني لست أحتسب لشيء، ولا نفسي ثمينة عندي، حتى أتمِّم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله“ (أعمال 24:20).
إن آمنت بكل قلبك بالمسيح الذي مات لأجلك، فإنه يحررك من سلطان الشيطان ويغيِّر حياتك وعاداتك بالتمام.
4- التقى الأزل بالزمان في المسيح لإعداد مستقبل مجيد للإنسان
قال المسيح لتلاميذه قبل صلبه بوقت قصير: ”لا تضطرب قلوبكم. أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي... أنا أمضي لأعدَّ لكم مكاناً، وإن مضيت وأعددت لكم مكاناً آتي أيضاً وآخذكم إليَّ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً“ (يوحنا 1:14-3).
المجد الذي أعدّه المسيح لمن يؤمنون به وبعمله الفدائي الذي أكمله على الصليب؛ مجد ليس في اللغات البشرية كلمات تعبِّر عن حقيقته: ”ما لم ترَ عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان: ما أعدَّه الله للذين يحبونه“ (1كورنثوس 9:2).
لنذكر في هذا الوقت الذي نحتفل فيه بعيد ميلاد يسوع المسيح.. أنه في يسوع المسيح التقى الأزل بالزمان لخلقة العالمين، ولخلاص الإنسان، ولتحرير وتغيير الإنسان، ولإعداد مستقبل مجيد للإنسان.
كل هذه البركات تصير لك، إن آمنت بالمسيح مولود العذراء، الذي صُلب على الصليب ليكون مخلصاً وفادياً لنفسك ورباً لحياتك.
فهل تفعل؟