Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار May 2005

تختلف أنواع العذابات باختلاف الظروف والأحوال. ولكننا يمكن أن نصنّفها تحت عنوانين كبيرين هما: العذاب الإرادي والعذاب اللاإرادي. وفي هذه الدراسة القصيرة سأحاول أن أعالج هذَين العنوانين باختصار من غير أن تكون لي كلمة الفصل، إنما استهدف بذلك أن أبدي بعض الآراء هي من صلب اختباري وتجربتي مع أبناء الجنس البشري.

 

فما هو العذاب الإرادي؟

العذاب الإرادي هو العذاب الناجم عن فعل واع ارتكبه صاحبه، وهو عالم مسبقاً بنتائجه. وقد تكون تلك النتائج غير محدّدة، إنما هي واقع لا بدّ منه لأنها ردة فعل للعمل الذي أقدم عليه الإنسان.

ولكن العذاب الإرادي هذا ينقسم إلى صنفين يعارض أحدها الآخر، فالصنف الأول هو عذاب ناتج عن تصرّف أثيم مناقض للقوانين والأعراف الشرعية، كالقتل، والسرقة، والرشوة، أو الخيانة الوطنية، والاغتصاب، وسواها من الجرائم التي يعاقب عليها القانون. إن الذين يقترفون هذه الجرائم يعرفون حق المعرفة أن العواقب وخيمة، ولكنهم يحاولون دائماً أن يُمنوا أنفسهم بالنجاة ويأملون أن تظلّ تعدياتهم في طي الخفاء. هؤلاء يتعرّضون، في حالة انكشاف أمرهم، للعقاب، ومع العقاب يعانون من عذاب الوحدة، والانقطاع عن المجتمع، والانزواء في الزنزانات، فضلاً عن عذاب الضمير - في حالة بعضهم - إن هؤلاء الجناة يتحمّلون ما ارتكبته أيديهم، وعقابهم حقّ وعدل. لهذا اشتُرعت القوانين للمحافظة على أمن الشعب. إن آلامهم هي الثمن الذي يجب أن يدفعوه. هذا الضرب من الألم هو حصيلة شرّهم.

وهناك أيضاً من يتعذّبون نتيجة ليقظة الضمير. هذا النوع من العذاب هو عذاب مرتبط بمواقف الإنسان في علاقته مع الآخرين. فعلى سبيل المثال، آلام الشاب الذي يسيء معاملة والديه، أو الفتاة التي تتمرّد على أمها، أو الزوج الذي يخون زوجته، أو المقامر الذي يبذّر أموال عائلته على الرهان والسباق والقمار. فما الذي يحدث عندما يستيقظ ضمير هذا الإنسان؟ وكيف يمكن لأي كاتب أن يصوّر الآلام التي تختلج في صدره، بل كيف يمكن أن يعوّض عن سيّئاته بعد أن فات الأوان؟ بل أكثر من ذلك، كيف يمكن للمرء أن يصلح ما أساء به إلى والد قد انتقل من هذه الحياة؟ كيف يمكنه أن يمحو الإهانة ويكفّر عن ذنبه. سيظلّ هذا الإنسان يقاسي من عذاب الضمير طوال حياته ما لم تحدث معجزة إلهية تحرّره من هذه الآلام.

ولكن هناك عذابات إراديّة تختلف في طبيعتها عن الصنف السابق. هي عذابات تنجم عن رفض بعض القوانين البشرية لأنها تتعارض مع الإرادة الإلهية. هذا ما حدث للكنيسة الأولى في عهودها المبكرة وما يحدث اليوم في كثير من البلدان التي تضطهد المسيحية والمسيحيين. لقد اشترعت هذه البلدان قوانين تسعى للقضاء على المسيحية لأن المسيحية، على حدِّ قولها، تشكِّل خطراً على أمن الدولة ودينها. هذا ما حدث في العهد الروماني إذ أقدمت الحكومات في أزمنة مختلفة على اضطهاد المسيحيين، وقتلهم في محاولة منها لاستئصال هذا الدين الجديد. إن المسيحيين الذين اعتنقوا هذا الدين الجديد، اعتنقوه عن وعي عالمين أنه يخالف قوانين الدولة. ولكن إيمانهم بالدعوة الجديدة، واختبارهم الروحي لخلاص المسيح، وتلبية للوصية العظمى لم يتردّدوا لحظة واحدة في إعلان إيمانهم وتمسُّكهم بعقيدتهم. ولعل قول بطرس الرسول في سفر الأعمال يلخّص موقف الكنيسة ليس في ذلك العصر فقط، بل في كل عصر وزمان: ”ينبغي أن يطاع الله أكثر من الناس“. أجل عندما تتعارض إرادة الله مع القوانين المرعية فإن المسيحيين الحقيقيين يتخذون مواقف جبارة واعية في الشهادة من أجل المسيح. وآلام هذه الدنيا، على الرغم من وحشيتها، لا تساوي شيئاً أمام المجد العتيد الذي سيُستعلن. هذه القاعدة تنطبق على المسيحيين في كل زمان ومكان. وحتى في القرن الحادي والعشرين الذي نعيش فيه. إن لائحة عدد شهداء المسيحية تطول يوماً بعد آخر، وعذاباتهم تتفاقم، ولكنهم بفضل محبتهم يتحمّلون جبروت أعدائهم، وينتصرون، لأن المحبّة الحقيقية هي القوة الغالبة حقاً. مثل هذه المحبة لا تنبع إلاّ من قلب الله. أما الاضطهاد، والاعتداء، وحرق الكنائس، واغتيال الشهداء المؤمنين المسالمين فهي، ولا ريب، من صنع الشيطان. إن المكافأة التي تنتظر هؤلاء الشهداء تفوق كل ما يتصوّره العقل. إن المسيح، رب المجد الذي سيدين الأحياء والأموات سيمسح كل دمعة من عيون هؤلاء الشهداء، ويلبسهم ثوب البر، وتتلقّاهم ملائكة السماء بالترحيب والتهليل.

العذابات اللاإرادية

أمَّا العذابات اللاإرادية فهي العذابات التي تصيب الإنسان وهو عاجزٌ عن ردّها، ومن جملتها الكوارث الطبيعية، موت عزيز مفاجئ، الأمراض، سقوط طائرة وموت كل من فيها، وسواها من المصائب التي تحلّ بالإنسان عن غير توقُّع فيجد نفسه في موقف العجز المطلق أمامها. وهذا الضرب من الآلام يتعرَّض له المؤمن وغير المؤمن. إنها تجارب تعاني منها البشرية، ولها تأثير كبير على الأفراد والمجتمعات. وهي تثير طائفة كبيرة من التساؤلات التي يتعذَّر الإجابة عنها مهما حاول اللاهوتيون أن يعلّلوها وأن يجدوا لها حلولاً. فلماذا مثلاً، يموت شاب في أتمِّ عافية وصحة بسكتة قلبية بينما والده الشيخ الذي أرهقته مختلف الأمراض ما برح يتمتّع بالحياة؟ لماذا يُقتل جندي متزوّج حديثاً في أول يوم من أيام الحرب بينما يسلم سواه ممن اشتركوا في معارك كثيرة ولم ينلهم أيّ أذى؟ لماذا يتعرَّض رجل صالح للمصائب بينما الشرير ينهل من مباهج الحياة كؤوس مترعة؟ والذي ينطبق على الرجال ينطبق على السيدات أيضاً. بل قد تراود الشكوك قلوب المؤمنين فيسألون: أين محبة الله وعدالته؟ هل لدينا أجوبة حقاً عن هذه التساؤلات؟ في رأيي، إن جميع الأجوبة التي نحاول أن نقدمها ليست سوى تكهّنات، والحل الوحيد الذي يجب على المؤمن أن يعتمده هو إيمانه بحكمة الله، وإننا، في يوم ما، سنعرف الجواب عن كل هذه التساؤلات. قد تساعد تكهّناتنا على خلق جوّ من التأمل والتفكير ولكن القلوب المكلومة ظامئة إلى اليقين؛ وهذا اليقين مصدره الإيمان بالله.

إن ما يعزي قلوبنا أن المسيح قد اختبر طبيعة الأوجاع البشرية إذ قد تجرّب في كل شيء ما عدا الخطية. وعندما أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس، استهدف من ذلك أن يقول للإنسان: مهما أصابك من أوجاع وآلام، ومهما اختبرت من أحزان وعذاب اختبرته أنا أيضاً قبلك. إنني أعرف كل ما تحسّ به وتشعر، فثق بي لأنني لن أتركك ولن أتخلى عنك.

المعذّبون في الأرض كثيرون. ولكن إلى  أي فئة تنتمي أنت؟

المجموعة: أيار May 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

558 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577707