Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

كان يسوع يحب مرثا وأختها ولعازر، وكانت هذه العائلة تبادل المسيح المحبة. ومع هذا نقرأ هذه الكلمات: ”فلما سمع أنه مريض مكث حينئذٍ في الموضع الذي كان فيه يومين“ (يوحنا 6:11).

مشهد مؤلم فعلاً، بالإضافة إلى كونه محيِّراً. هنالك الكثير من الكلمات في الكتاب المقدس كالسقوط، والخطية، والفداء، والكفارة، والمسامحة، والتبرير، والإيمان، والحياة الأبدية، والسماء. لكن أعظم كلمة تبقى، المحبة.

 

وفي هذا الحقل، حقل المحبة، تبرز معاملات الله مع الإنسان. وفي هذا الحقل نرى الامتحانات والتجارب، وتشكيل الشخصية، وأخذ المواقف، وتقويم الاعوجاج، وتنظيم العلاقة بيننا وبين الرب. وهذا الحقل يستخدمه الرب باستمرار في صوغ شخصياتنا كمؤمنين. فالعلائق العاطفية الوجدانية هي الحقل الخصب لمعاملات الله معنا، فيه يضرب الرب على الوتر الحسّاس، فيُبرز نوع الشخصية ونوع الإيمان ومستواه. فإن وجدت العاطفة السامية، فهذا دليل على الرفعة الروحية. وإن كانت العاطفة وضيعة الذات، فهذا دليل على مستوى منخفض مقصّر، وعلى شخصية متزعزعة متصدعة روحياً.

للمحبة غربال، وغربالها دقيق. من نحب؟ وماذا نحب؟ وكيف نحب؟ ومتى نحب؟ ليس من كلمة أُسيء فهمها واستخدامها ككلمة المحبّة. فالمظاهر  العاطفية ليست جميعها دليل المحبة. قد نطعم كل أموالنا، ونسلّم أجسادنا حتى تحترق، ولا تكون هذه الأفعال دليل المحبة (راجع 1كورنثوس 13). فللمحبة مفهوم آخر أعمق ومدلول آخر أسمى، يتعلقان بالمبدأ الثابت في كل الظروف، إن كانت مؤاتية أم معاكسة.

المحبة المتبادَلة بين يسوع وهذه العائلة أوجدت جوّاً مؤاتياً للمعاملات الإلهية، ولكشف الغطاء عن نوع الشخصية. بعد سماع خبر مرض لعازر مكث يسوع في الموضع يومين، والعائلة منزعجة، ومتألمة. ما هو مصير هذه المحبة، وهذه العلاقة التي تربط هذه العائلة بيسوع؟ الظروف تبدّلت، فهل تتبدّل المحبة.

كان الحكم الذي اشترعه الوحي لبقاء العبد العبراني  في بيت سيده عندما يحين وقت خروجه حرّاً، اعترافه العلني بأنه يحب سيده، ويفضِّل البقاء عنده عبداً مؤبَّداً، على أن يخرج حرّاً طليقاً (خروج 1:21-5). لقد سنحت الفرصة للتعبير عن مستوى العلاقة بين ذلك العبد وسيّده. فهو لم يكن يخدم خدمة الواجب أو خدمة العين، بل خدمة القلب، كما للرب. فالشخصية تسمو بسمو العلاقة العاطفية، ”أنا أحب سيدي“، والدليل ”لا أخرج حراً... فيخدمه إلى الأبد“ (خروج 5:21-7).

هل عاطفتنا تسير في اتجاه معاكس لنفوسنا، وعائلاتنا، وأولادنا، وأزواجنا، وزوجاتنا؟ نحتاج إلى حقل اختبار لكي نمتحن أين هي محبتنا. ”ديماس قد تركني إذ أحب العالم الحاضر“ (2تيموثاوس 10:4). لقد تغيّرت وجهة محبته، فأحب نفسه، والعالم الحاضر والخطية. فالمحبة سلاح خطر فتّاك، كما يمكن أن تكون سلاحاً إيجابياً بنّاءً.

امتحن الرب محبة عالي الكاهن قديماً: خادم في خيمة الاجتماع، ومؤتَمَن على المقدسات. دخل حقل العلائق العاطفية للامتحان، حيث يبرز نوع المحبة ومستواها، فجاءت النتيجة: ”تُكرم بنيك عليّ“ (1صموئيل 35:2)، أي فضّلت بنيك عليّ. لقد خدم الرب، لكنه لم يحبّ الرب قبل كل شخص وفوق كل شيء. فكان أن استبدله الرب بصموئيل، الشاب الأمين الذي كان بحسب قلب الرب (1صموئيل 53:2).

هل نتنبّه لعواطفنا أين تذهب، وفي أي اتجاه تسير؟ هل لها ضوابط؟ هل نرسم لها حدوداً؟ هل نحب أباً أو أماً أو أخاً أكثر من الرب؟

الرب لا يريد لنا أن نُجمِّد عاطفتنا، لكنه يريد لنا أن نضعها في مكانها، وأن نوجهها التوجيه الصحيح. إنها منزلق خطر ما لم نعرف كيف نضبطها. ”الذي تحبه مريض“، ونحاول أن نثير عاطفة المسيح من نحونا، وننسى أن نفحص محبتنا ونبقيها في مكانها الصحيح. فللمحبة مبادئ وأصول وحدود؛ علينا أن نجلّلها دائماً بهالة من الطهارة، ويأتي جواب المسيح: إذاً أنا أتمجّد بالذي أحبه. ”هذا المرض ليس للموت بل ليتمجد ابن الله به“. أنا أحب هذه العائلة والعائلة تحبني، وهذا حقل ممتاز ”ليتمجد ابن الله به“.

هل ندرك معاني هذه المحبة وهذه المعاملات؟ هل نعرف ما هو الثمن الذي يجب أن يُدفع؟ هل يستغلّ المسيح محبتنا، ليقوم بما لا يمكن القيام به لولا هذه المحبة؟ هل نخضع لقوانين المحبة، وأنظمة المحبة، ومعاملات المحبة؟“ يا سمعان بن يونا أتحبني“
(يوحنا 15:21)؛ إذاً، جهزّ  نفسك لميتة تمجِّد الله بها.

لكن مع كل هذا يبقى الواقع مميَّزاً. مريم ومرثا في انتظار أي تحرّك من المسيح. وكلّما لاح في الأفق خيال شخص، يبدو وكأنه شبح يظهر ثم يغيب. وتمضي الساعات طويلة، حتى أن الفشل بدأ يزحف إلى القلب والحياة.

هل تتزعزع المحبة هنا؟ هل هي محبة مشروطة؟ ما هو معيارها الآن؟ هل نرسم سياسة جديدة لمحبة المسيح ونقول: ما لم يتحرّك الرب الآن ويعمل شيئاً فهو لا يحبنا؟ من أين أتينا بهذه المعادلة؟ ومن أي منطق ننطلق لنرسم قاعدة غير منطقية؟

استمرت مريم جالسة في البيت وهذا يساعد كثيراً. فالكرّ والفرّ وسط المآزق لا يفيد شيئاً بل ”بالهدوء والطمأنينة تكون قوتكم“ (إشعياء 15:30).

يسوع يستطيع أن يهدّئ البحر الهائج بكلمة، لكنه الآن يريد أن يعلّمنا دروساً. لعازر يتألم، ونحن عاجزون عن عمل أي شيء. كثيراً ما نصل إلى هذه الحالة من الشعور بالضعف والعجز. وصمت المسيح هنا، يهدف إلى تعليمنا معنى الحياة الحقيقي والنظرة الكتابيّة الصحيحة إلى هدف وجودنا على هذه الأرض. ”أيام سنينا هي سبعون سنة وإن كانت مع القوة فثمانون وأفخرها تعب وبليّة“ (مزمور 10:90). ولكي يصل موسى، الشخص الحليم والطويل الروح والأناة، إلى هذا التصريح، يعني أن الظروف وصلت به إلى حدّ لم يقوَ فيه بعد على الاحتمال. وبكلام آخر، نحن لا نستطيع التحكّم بالحياة وبظروفها، إنها خارج نطاق يدنا؛ لذلك هي ”تعب وبليّة“.

من هنا نتعلّم كيف نمسك بالحياة الأبدية بحسب وصيّة الكتاب: ”أمسك بالحياة الأبدية التي إليها دُعيت“ (1تيموثاوس 12:6). وعندما نظن أن للحياة الأرضية قيمة، فإننا نتمسّك بها. ولكن عندما تتقاذفنا أمواجها الصاخبة وتعبث بنا ظروف قاسية وعصيبة، نقف مكتوفي الأيدي، لا طاقة لنا، ولا حيلة في اليد ولا إمكانية، ندرك تفاهتها ونتعلّم كيف نمسك بالحياة الأبدية وكيف نعمل للأبدية ونزرع للأبدية.

ويحاول الرب أيضاً أن يعلمنا أن نمقت سني الغربة القليلة والرديئة.

سأل فرعون يعقوب قديماً: ”كم هي أيام سني حياتك. فقال يعقوب لفرعون: أيام سني غربتي مئة وثلاثون سنة. قليلة وردية كانت أيام سني حياتي ولم تبلغ إلى أيام سني حياة آبائي في أيام غربتهم“ (تكوين 8:47و9).

هذه النظرة إلى الحياة تنزع منا روح الاستيطان وتجعلنا نتوق إلى الرحيل. إذ عندما نستريح إلى أوضاعنا، وتكون الأمور كلّها على ما يرام، ونبدأ نفقد روح الغربة يمدّ الرب يده ويحرّك العشّ. نسينا أن الرب سيأتي، وأنه ذهب ليعدّ لنا مكاناً أفضل؛ ونسينا أنه علينا أن نعدّ أنفسنا ونهيئ حقيبة السفر، فنَعرض ما نملك على البيع، بداعي السفر، وننتظر الرب حتى يرجع.

أليس هذا هو الرجاء المبارك الذي يتجّدد في حياتنا كل يوم: ”لميراث لا يفنى ولا يتدنّس ولا يضمحلّ محفوظ في السماوات لأجلكم“ (1بطرس 4:1). نسينا هذا، ونسينا أن الأمور المادية هامشيّة في حياتنا. ”فأقول هذا أيّها الاخوة، الوقت منذ الآن مقصّر لكي يكون الذين لهم نساء كأن ليس لهم. والذين يبكون كأنهم لا يبكون والذين يفرحون كأنهم لا يفرحون والذين يشترون كأنهم لا يملكون والذين يستعملون هذا العالم كأنهم لا يستعملونه. لأن هيئة هذا العالم تزول“
(1كورنثوس 29:7-31).

تحت وطأة هذه الحالة المؤلمة التي تمرّ فيها هذه العائلة، وفي قاع هذا الجرح العاطفي العميق، يحنّ القلب إلى فوق. ”اهتموا بما فوق لا بما على الأرض“ (كولوسي 1:3-4).

يا مريم ويا مرثا، لا تحبّا أموراً غير ثابتة ومتزعزعة ومتقلقلة. لا تحبّا شخصاً يمكن أن يموت. أحبّا الرب. لا تتمسّكا بشيء في هذه الدنيا؛ حطام زائل لا قيمة له!

هذه الدروس لا نتعلّمها إلا بالجرح العميق. لذلك أحياناً كثيرة نصلّي ونبكي، ونطلب ونترجّى ونتوقّع ولا استجابة لصلواتنا.

لماذا تأخر يسوع؟ هل لأنه لا يحبّنا؟ بل لأنه يحبّنا جداً ونحن نحبّه، وهذا هو الحق الملائم للاختبارات ولتصويب اتجاهات المحبّة.

لا يوجد غير يسوع، لا يوجد غيره في الوقت العصيب، لا يوجد غيره قوياَّ وقديراً، لا يوجد غيره يضمن الحياة ويحافظ على الحياة ويهب الحياة. فهو من صرح بالقول: ”وأمّا أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل“ (يوحنا 10:10).

هل سيتدخل يسوع؟ نعم، ولكن في الوقت الذي تعيّنه إرادته، لأن إمكاناته تبدأ حيث تنتهي إمكاناتنا!

المجموعة: تشرين الثاني November 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

68 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10570295