Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني (نوفمبر) 2005

يعجبُني صوتُ الطبيعة حين أتمشَّى في الصباح الباكر. فأسمع زقزقةَ العصافير، وصهيلَ الخيل في المزرعة، ونقيقَ الضفادع في الغدير. وأنصتُ والسرور يدغدغُ آذاني إلى تغريدِ الطيور، وهديلِ الحمام، وحَفيف الأشجار، وخريرِ المياه. فأؤخذُ بأصواتِ الطبيعة المتنوّعة، وبالحديث الذي لا يُسمع له كلام. فهنا أغصانٌ تتمايل، وهناك أخرى تتأرجحُ مع نسيماتِ الصباح العليلة، وهذا سنجابٌ يتنقَّل بحريةٍ عساهُ يجدُ ما تلتقطه يداه ليقرضَه بفمه. هذه هي الطبيعةُ الخلابةُ التي تحدِّث هي الأخرى بمجد الله وبعمل يديه وكأنِّي بها تحمَدُه وتشكرُه على عظم صنيعِه.

 

ولا يقتصر الحمدُ على الطبيعةِ من حولي بل ينتقل إليَّ فتراني أفيضُ بلسانِ الشكر والتسبيح لله على كل ما صنعهُ في الطبيعة، إذ إنَّه وكما قال عنه: "حسنٌ جدًا". وليس هذا فحسب، بل أشكره على هذه الأنواع المتعددة من الطيور والزحافات والحيوانات التي تملأُ الكون بأصواتها المتنوعة وألوانها المتعددة. بالحق ما أحلاها من بركات ننعمُ بها في كلِّ صباح، ومع كل إشراقة شمس. هذا هو "عالم أبي" My Father’s world كما قال عنه المرنم. العصافير تصدح بأغانيها العذبة، نور الصباح والسوسن الأبيض يعلنان عن شكرهما وامتنانهما للصانع الأعظم.

لكن، ماذا يحدث إذا ما قست الطبيعة علينا كما حدث مؤخراً من أعاصير ورياح وأمطار وحرائق؟ هل نبقى نسمعُ تغريد الطيور وزقزقة العصافير؟ أم نغوصُ في أفكارنا السوداوية، ونغرقُ في الكآبة، ويلفّنا الحزن من كلِّ جانب؟ حتى لَنظنَّ أنَّ الطبيعة الجميلة التي أفرحتْنا قد انقلبتْ في لحيظةٍ إلى ذئبٍ كاسر ينوي افتراسنا، وإلى أخطبوطٍ ينوي سحبَ فراشِ الأمان والهدوء والاستقرار من تحتنا. الطبيعة التي تسحرُ ألبابَنا قد كشفت لنا عن جانبها الآخر، فكشَّرت عن أنيابها لكي تلتهمنا. لقد خلق الله الطبيعة لكي تكون ساكنة وهادئة، وخلقها أيضاً لكي تكون غاضبة وعاصية كالوحش الكاسر. هو نفسه الخالق المسيطر على الكون بأسره يسمح بأعاصير الطبيعة ورياحها وأمطارها لكي يجذب نظر الإنسان ويلفت انتباهه، عساه يستفيق من غفوته، ويصحو من غيبوبته. فما هو ردُّ فعل الواحد منا يا ترى؟

  وكما يحدث في الطبيعة، هكذا يحصل في حياتنا حين تصيبنا الآلام وتقع علينا الهموم. فنضطرب، ونقلق، ونرتعب، ونخاف، ونصبح كالريشة في مهب الريح. ونشعر بأننا على شفير السقوط في بئر عميقة ليس لها قرار. وننسى في كثير من الأحيان أن الله خالقنا وجابلنا هو أيضاً المسيطر على حياتنا ويعرف الصغيرة فيها والكبيرة. لكن على الرغم من ذلك نرى الألم يعتصر نفوسنا، والمحن تعصف في حياتنا فتأخذها تارة هنا وأخرى هناك ونتأرجح يمنةً ويسرةً كرقاص الساعة. نحزن ونبكي ونتلوّى إذ تداهمنا المشاكل ونخاف ونقلق ونحاول أن نجد الحلول، لكن عبثا نحاول. وأخيراً نُسقِط سلاحنا ونعترف بضعفنا حين نخور ولا نعود نستطيع مواصلة المسير، فنسجد أمام الله خالقنا مقرّين بعجزنا وضعفنا ونقول: يا رب، أما تبالي بنا؟ ألا يهمك أننا نهلك؟

فتنتشلنا يده الحنونة، ويقيمنا من كبوتنا تحت وطأة الألم والحزن واليأس، ويردُّ لنا سلامنا وفرحنا فيكون هو عزاءنا من جديد. فتشرق الشمس مرة أخرى بعد أن غطتها الغيوم السوداء. ونعود لنرى الله من جديد في شخص الفادي الذي أحبنا، الرب يسوع المسيح، الذي بذل نفسه لكي يفتدينا ويستر عيوبنا ويعيننا حين نضعف أو نسقط أو نجرَّب. فهلاَّ رفعت نظرك نحو السماء يا قارئي، وهلاَّ استبدلت السؤال: "لماذا حدث لي هذا؟ ولماذا أنا تحت هذه الآلام؟" بكلمة شكر على كل ما حصل ويحصل لك؟ وهل ترمي التذمر جانباً وتعدِّد بركات الرب التي هي جديدة في كل صباح؟

بعد أنْ لوَّحتها شمس التجارب، وبعد أن مرَّت بأعاصير الحياة المختلفة، آل بها المطاف إلى محنةٍ أخرى جديدة تصارع من خلالها مرض السرطان الذي ألمَّ بها، كتبت جوني يودر Jonie Yoder الكاتبة المعروفة في كتيب التأملات اليومية "خبزنا اليومي" هذه الكلمات في رسالة قالت: "سلّمتُ قدَري لإرادة الله. ليس من شيء، شكرًا لله، ولا حتى المرض الخبيث، يستطيع أن يُحبط إرادة الله أو يعوِّقها. السرطان يمتلك جسدي، لكنه لا يمتلكني. لأنني أنا ملكٌ لله وحده، وعلى ضوء هذا فأنا أقدِّر صلواتكم من أجلي حتى يتمجَّد المسيح في جسدي إن كان بحياة أم بموت".

وأنت قارئي، ما هو موقفك من أعاصير الطبيعة، والأعاصير التي تلمُّ بحياتك أنت؟ بماذا تفوه أو تتكلم؟ وما هو ردّ فعلك على كل ما يجري في عالم اليوم؟ هل يجعلك يائساً محتاراً؟ أم يجعل منك إنساناً مستسلماً لإرادة الله ومشيئته الصالحة؟ هل تشكر على كل ظرف مهما كان عصيبًا وأليمًا؟ أم تتذمر وتشكو من كل ما يزعجك ويضايقك؟ وعندما تعتصرك التجارب وتعصف بك المحن، أو عندما تعيش لحظات الجمال والإبداع، ماذا يخرج من مكنونات قلبك يا ترى؟ أهي الكلمات الشعرية والخواطر الرقيقة المعبِّرة عن الشكر رغم الألم والحمد بدل الشتم، والرضا والتسليم بدل التمرّد والعصيان؟ ما أحرانا أن نعدِّد بركات الرب علينا حتى ونحن نمرُّ في النفق الضيق الذي لا نرى منه أيَّ بصيص أمل، فنقول مع المرنم:

إنَّ جودَ الله يدعو للسرور

زمنَ الخيرِ وفي وقتِ الشرور

فمتى أمستْ رحى البلوى تدور

بركات الرب عدد شاكرًا

 

بركات الرب عدد شاكرًا

واعترف بالجود حتى في العنا

كل صبح ومساء ذاكرًا

جودَه السامي بحمدٍ وثنا

وتذكَّر يا قارئي أنَّ الذهب يُصفَّى من الشوائب بواسطة النار المحرقة. وأنَّ اللؤلؤ يتكوَّن داخل المَحار oysters في أعماقِ البحر السحيقة، كلَّما تعرَّض إلى ما يضايقه ويزعجه حتى ولو كان حبةَ رملٍ صغيرة. فتهبُّ وسائل الدفاع لديه لحمايته كما يحمي أجسامنا جهاز المناعة لدينا. وهكذا يعالج المنطقة المعطوبة فيتشكل اللؤلؤ بجماله وروعته ونُدرته. ولولا العطَبُ الذي أصاب المَحار لكان من المستحيل أن يَنتجَ عنه اللؤلؤُ البديع.

الطبيعة بجمالها ورونقها أخَّاذة وبهيجة. والطبيعة بغضبها وسخطِها تهزُّ الواحد منا عساه يرفع نظره إلى العلاء ويتذكَّر أنَّ هناك إلهًا إرادتُه أن يخلصه ويغفر له خطاياه. والحياة بزهوِّها وإشراقها، بآمالها وآلامها، بأفراحها وأتراحها، تجعلنا نعترف بتقصيرنا وعجزِنا وتدفع بنا لنسلِّم بإرادته ومشيئته الصالحة لنا الآن وأبداً. فهل تغرِّد صديقي وتنشد كالعصفور الطليق؟!!

المجموعة: تشرين الثاني November 2005

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

301 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10539595