شباط (فبراير) 2006
"لذلك اسهروا، متذكرين أني ثلاث سنين ليلاً ونهاراً، لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحد" (أعمال 31:20)
يا لها من كلمات صادقة خالصة، تلك التي تفوّه بها بولس الرسول وهو يخاطب قسوس كنيسة أفسس. إنها تعكس لنا قلباً ملتهباً غيوراً على النفوس الخاطئة الضائعة، ناصحاً إياهم أن يلتهبوا مثله. ومن خلال تلك الكلمات المقدسة نرى قلباً عطوفاً على النفوس البعيدة عن سيده. لقد امتلك هذا الحق وهذا الشعور ملء كيانه ووجدانه، فصارت مسؤولية تلك النفوس على عاتقه، فهي كل مشغوليته، وملتقى أهدافه، لا يتوقف عن ذلك في الليل والنهار. بل إنه، نتيجة لقلبه الملتهب لخلاص النفوس، خرجت الزفرات والدموع، لتعكس مع كل قطرة فيها تثقلاً بتلك النفوس الغالية. ليس هذا حماساً، أو انفعالاً وقتياً، أو اندفاعاً مصطنعاً، بل حياة غيورة على عمل الله لتحرير النفوس الخاضعة لإرادة إبليس. ما أحوجنا في هذه الأيام إلى قلوب مثل قلب بولس، لا ينطفئ لهيبها ولا تتوقّف دموعها!!! ولكن ما يحيرني هو: من أين أتى ذلك القلب الحار؟ وما هي رؤيته التي تدفعه إلى هذا العمل؟ ولي هنا بعض الملاحظات:
له إدراك روحي لمشاعر الله
حصل صاحب ذلك القلب على استنارة روحية لمشيئة الله من نحو الخطاة. فهو شخص له نفس "أحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا" (لوقا 78:1). وها بولس يتحدث إلى أهل كورنثوس قائلاً: "فإني أغار عليكم غيرة الله". فقلبه ممتلئ بمشاعر إلهية صادقة، يحب الخطاة البعيدين عن يسوع، ويرغب في أن يرجعوا إلى ذاك الذي بذل نفسه من أجلهم لكي لا يهلك كل من يؤمن به. فمشيئته هي نفس مشيئة الله الذي لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يقبل الجميع إلى التوبة. ومشاعره هي نفس مشاعر الله من نحو الخطاة.
له رؤية لاحتياج الخطاة
قد يغيب عن أذهاننا أن الإنسان الخاطئ "هو أعمى قصير البصر" كما وصفه بطرس. وقد يصعب عليه كشخص أعمى أن يرى محبة يسوع المقدمة له، أو أن يختبر دم المسيح الذي سُفك من أجل تطهير نفسه. ولكن، بما أن لسان حال المؤمن هو "كنت أعمى والآن أبصر"، فهو يستطيع أن يرى حقيقة الخاطئ كما رآه بطرس في مرارة المر ورباط الإثم. لقد انفتحت عينا آساف ورأى الخطاة على حقيقتهم عندما دخل إلى مقادس الله، قال: "حقاً في مزالق جعلتهم. أسقطتهم إلى البوار. كيف صاروا للخراب بغتة! اضمحلوا، فنوا من الدواهي" (مزمور 18:73و19).
فيا من انفتحت عيناك، ألا ترشد العميان إلى خلاص نفوسهم أيضاً؟
يعرف نهايتهم التعيسة
لكي ندرك مسئوليتنا تجاه النفوس الهالكة، ينبغي أن يتمثّل أمامنا، وفي كل لحظة، ذلك العذاب الأبدي الذي ينتظر الخطاة. دعونا نتذكر ذلك الغني وهو في الهاوية الذي كان يصرخ قائلاً: "إني معذّب في هذا اللهيب". لو كنا نسمع رنين هذا الصوت في آذاننا من كل خاطئ تقع عليه أعيننا، لاندفعنا بغيرة مشتعلة لكي ننقذه. وهذا ما استفاق إليه الغني نفسه، وامتلأ غيرة على نفوس إخوته في بيت أبيه، "لكي لا يأتوا هم أيضاً إلى موضع العذاب هذا". وها هو يصرخ طالباً خلاص إخوته ونجاتهم من العذاب. أشعر أن العذاب الذي سيحترق به الخاطئ في أبديته التعيسة لا بد أن يقابله نار معذّبة في قلوب المؤمنين الآن، تتعذّب قلوبهم على كل بعيد، ويتحرّقون شوقاً لرجوعه إلى الآب المحب، باذلين في ذلك كل جهد وصلاة ودموع. وإن كان الغني قد استفاق إلى هذا الاحتياج متأخراً، فصلاتي هي ألا نستفيق نحن أيضاً متأخرين بعد ضياع تلك النفوس! فهوذا الآن وقت مقبول للتحذير بقلب مشتعل ودموع مما هو آت.
قلبه ممتلئ بالروح القدس
لقد أتى يسوع ليعمدنا بالروح القدس والنار، ووعد الرب تلاميذه قبل صعوده: ”لكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً“
(أعمال 8:1). وفي العلية نزلت عليهم ألسنة من نار وامتلأوا من الروح القدس، فصاروا شهوداً له إلى أقصى الأرض كما وعد. فالروح القدس هو الذي يملأ كيانك وقلبك، ويلهب فيك تلك الرؤية التي لأجلها حل الروح القدس على التلاميذ.
إن كنيسة الله اليوم تحتاج كثيراً إلى قلوب ملتهبة لخلاص النفوس والبحث عن الخطاة. هذا ما يشبع قلب الله بأن يرى شخصاً له نفس أحشائه وغايته، ويحقق مشيئته نائلاً غاية إيمانه خلاص النفوس. فمن يذهب؟ ومن يقول الآن: ”هانذا أرسلني“؟