Voice of Preaching the Gospel

vopg

تموز (يوليو) 2006

الأصحاح الخامس من إنجيل لوقا يحدّثنا عن أكثر من معجزة صنعها المسيح سنتناولها بالبحث والتحليل واحدة بعد الأخرى. يقول: وإذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله كان واقفاً عند بحيرة جنيسارت - وهي بحيرة طبريا - فرأى سفينتين واقفتين عند البحيرة، والصيادون قد خرجوا وغسلوا الشباك.

 

فدخل إحدى السفينتين التي كانت لسمعان (وسمعان هذا هو سمعان بطرس الذي أصبح فيما بعد من تلاميذ المسيح). فقال يسوع لبطرس: ابعد قليلاً عن البرّ. ثم جلس وصار يعلّم الجموع من السفينة. ولما فرغ من الكلام قال لسمعان ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد. فأجاب سمعان: يا معلّم، قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً، لكن على كلمتك ألقي الشبكة.

ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكاً كثيراً جداً فصارت شبكتهم تتخرّق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدوهم، فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق. فلما رأى سمعان بطرس ذلك خرّ عند ركبتي يسوع قائلاً: اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ، إذ اعترته وجميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي أخذوه. وكذلك أيضاً يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان. فقال يسوع لسمعان: لا تخف. من الآن يكون تصطاد الناس. ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر تركوا كل شيء وتبعوه.

يا له من مشهد رائع يصوّره لنا الوحي على لسان لوقا الإنجيلي البشير! ففي جانب من هذا المشهد نرى جموعاً غفيرة تحيط بالمسيح وتزدحم حوله على شاطئ بحيرة طبريا تعطشاً لسماع كلمة الله. وفي طرف آخر من المشهد نرى عن بعد سمعان بطرس وابني زبدي يعقوب ويوحنا شريكي بطرس في صيد السمك وقد فشلوا طوال الليل ولم يصطادوا شيئاً، فسحبوا الشباك وأخذوا بغسلها مما علق بها من عوالق البحر ليعودوا إلى بيوتهم بجعبة خالية! ويبدو واضحاً لنا أن بطرس كان معروفاً لدى المسيح من قبل. فدخل المسيح سفينة بطرس وسأله أن يبعد قليلاً عن البر لكي يتمكن من مخاطبة الجماهير بصوت يسمعه الجميع دون أن يزحمه أحد، متخذاً من سفينة بطرس منبراً يخاطب منه الجموع. وبعدما فرغ المسيح من مخاطبة الجماهير اتجه إلى بطرس وقال: ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد.

ونتساءل هنا: من أين للمسيح الخبرة في مواقع صيد السمك؟! أليس بطرس هو الخبير بمثل هذه المهمّة؟! ثم إن الصيادين عادة يفضلون الصيد في الليل لأن الضوء وضجيج النهار تنفّر السمك وتبعده عن مصادر الحركة. فكأن المسيح هنا قد خالف القاعدة ناصحاً بطرس أن يلقي الشبكة في البحر للصيد. ولكن في جواب بطرس لاحظنا نغمة تنمّ عن إحساس باليأس حين قال: يا معلّم، تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيئاً، ثم استدرك قائلاً: لكن على كلمتك ألقي الشبكة. وعلى كلمة المسيح ألقى بطرس الشبكة، وعند سحبها أمسكوا سمكاً كثيراً جداً مما تحمّلته الشبكة فأخذت تتخرّق. فنادى بطرس إلى شركائه في السفينة الأخرى.. ولما حضروا نقلوا الأسماك إلى السفينتين فامتلأتا وأخذتا في الغرق... فذهل بطرس مما حدث حوله من معجزة فاقت تصوّره.. وفي ذهوله راح يندفع عند ركبتي يسوع قائلاً: ”اخرج من سفينتي يا رب لأني رجل خاطئ“، أنا لست أهلاً لهذا يا رب... ويصعب عليّ أن أستوعب هذا الذي يجري حولي، فالمعجزة تفوق مستوى إيماني الضعيف، لست أهلاً لوجودك في سفينتي! فردّ عليه يسوع قائلاً: ”لا تخف (يا بطرس) من الآن تكون تصطاد الناس“.

فالمسيح بهذا - قارئي العزيز - يكون قد وصل إلى غاية ما أراد الوصول إليه... فهو كان يرمي في مجمل العملية أن يعرّف بطرس بأن اصطياد الناس بل اجتذابهم إلى شبكة الإيمان للوصول إلى الأبدية لأَثمن من صرف الجهود والليالي لجمع الثروات والمقتنيات الدنيوية الممثلة بصيد الأسماك. لذلك يا بطرس اخترت لك عملاً آخر يجمع الثمر للأبدية... فمن الآن أنت مدعوّ لربح النفوس للحياة الأبدية، فالنفوس أثمن من الأسماك والمال والمقتنيات في السعي نحو الأبدية.

هذه الكلمات وما تشير إليه غرست في قلب بطرس درساً لا ينساه، ورسمت أمامه ملامح رؤيا جديدة صنعتها المعجزة ليتفرّغ للخدمة وينطلق ينادي بملكوت الله. ومن لحظتها استوعب بطرس الرسالة وأدرك أن مهمته في صيد السمك قد انتهت. ويلاحظ معي قارئي العزيز أنه وبعدما سحبوا السفينتين المثقلتين بالحمولة إلى البرّ، يقول الإنجيل: تركوا كل شيء وتبعوه!.. ويثور السؤال في الذهن: ماذا حصل بالأسماك التي اصطادوا؟ من أخذها وماذا عن السفينتين بالذات من غير الأسماك؟ نحن لا نعلم، إنما نعلم شيئاً واحداً وهو أن بطرس أدرك بكل وضوح أنه من الآن صار مجنداً لخدمة المسيح لربح النفوس في اصطيادٍ شريف للناس ليدخلوا في دين الله، بلا تهديد ولا وعيد، وليس بالإقناع القسري تحت الخوف أو الإغراء بل بالاقتناع الحرّ النابع من قلبٍ راضٍ وإرادة حرة!

أما لو سألتني يا صديقي عن شبكة الصيد التي تشدّ الناس للإيمان حسب المنظور المسيحي، فأقول لك إنها هي نسيج متكامل من ثلاث خُصل:

أولاً: تعاليم الإنجيل

ففي الإنجيل سرّ جاذب للنفوس، وفي قراءته أو سماعه قوة خفية تغزو ضمير القارئ أو المستمع، وترسم الحقيقة أمام عينيه كما في هذا المشهد.

ثانياً: سيرة المسيح من معجزات وأحداث وأقوال

 فمَن اطّلع على سيرة المسيح تشدّه وتجذبه إليه، وتشوّقه للاقتراب منه.

ثالثاً: حسن سلوك أتباع المسيح الحقيقيين

فسلوك المؤمن المسيحي يمثّل الترجمة العملية على الأرض لما ينادي به إنجيل المسيح. فالإنجيل لم يقدّم للعالم مجرّد مبادئ نظرية للإيمان، فالمؤمن المسيحي أينما وجد يقدّم التطبيق العملي لمبادئ الإنجيل بسلوكه الحسن، وفي صدقه وأمانته في عمله، وفي طيبته، وإخلاصه، وإنسانيته، وتسامحه، وطيب معشره، ونقاوة حياته، فهذه تشكل التطبيق العملي لما ينادي به المسيح في إنجيله.

سألني أحدهم يوماً: هل أنت مسيحي تابع للمسيح؟ فقلت بكلّ اعتزاز وإشراقة البهجة واضحة على وجهي، قلت:

لو لم أكن من شعبه لوددت أن أكون!

قال: أعجب من جوابك، حدّثني عنه.

قلت: وقف المسيح يوماً على بحيرة طبريا ليلحق بتلاميذه الحواريين وقد سبقوه بسفينة إلى الشاطئ الآخر... ولما لم تكن سفينة أخرى حوله تنقله إليهم مشى على مياه البحر بقدميه، فحملته المياه وكأنه يمشي على بلاط من مرمر حتى لحق بهم.

قال صديقي: أسلطانه حتى على عناصر الطبيعة؟

قلت: مرّ المسيح يوماً بشجرة تين ولم يجد فيها ثمراً، فقال: لا يكون منك ثمر بعد إلى الأبد، فيبست التينة في الحال، فقال من كان حوله من الجموع: انظروا كيف يبست التينة في الحال.

قال صديقي: هل عندك من مزيد؟

قلت: وقف المسيح يوماً أمام صيادين مؤمنين كانوا قد فشلوا طوال الليل من صيد ولو سمكة واحدة، فقال لأحدهم: ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد، وما أن عمل حتى تجمّعت الأسماك بأعداد كثيرة في الشبكة وامتلأت حتى كادت تتقطع.. فالمسيح - يا صديقي - لا حدود لسلطانه، سلطانه على المياه، على الأشجار، على الأسماك، وعلى كل عناصر الطبيعة. والإنسان أولى من عناصر الطبيعة في الخضوع لطاعة المسيح، إنما بإرادته.

فهل لاحظت ملامح هويّته، ومن ترى يكون؟!.. 

المجموعة: 200607

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

515 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577751