تموز (يوليو) 2006
أذكر في بداية هذه الرسالة كلمات بولس الرسول التي كتبها للقديسين في أفسس: ”لذلك أنا أيضاً إذ قد سمعت بإيمانكم بالرب يسوع، ومحبتكم نحو جميع القديسين، لا أزال شاكراً لأجلكم، ذاكراً إياكم في صلواتي، كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح، أبو المجد، روح الحكمة والإعلان في معرفته“ (أفسس 15:1-17).
وبعد قراءة هذه الكلمات يخطر بأذهاننا سؤال خطير: كيف يكون يسوع المسيح هو الله الابن، وفي ذات الوقت يكون الله الآب إلهه إذ نقول إنه ”إله ربنا يسوع المسيح“؟
وقبل أن أجيب عن هذا السؤال، ألفت نظر القارئ إلى أن الآية تثبت لاهوت المسيح فتؤكد أنه رب المؤمنين إذ تقول ”كي يعطيكم إله ربنا يسوع المسيح“.
ما هو التفسير الصحيح لهذه الآية؟
التفسير الصحيح هو أن الرب تبارك اسمه أعلن عن نفسه بارتباطه بعدة أشخاص في الكتاب المقدس لنعرف صفاته وقدرته. فعندما التقى الرب بموسى عند العليقة المتوقدة بالنار أعلن له ذاته بالكلمات: ” أنا إله أبيك إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب“ (خروج 6:3).
لماذا كرّر الرب كلمة ”إله“ مرتبطة بإبراهيم وإسحق ويعقوب؟
أما كان من الممكن أن يقول لموسى: ”أنا إله أبائك إبراهيم وإسحق ويعقوب“ دون تكرار كلمة ”إله“؟!
لقد كرر الرب كلمة ”إله“ ثلاث مرات في ارتباطه بإبراهيم، وإسحق، ويعقوب لأنه أعلن عن ذاته لكل واحد منهم بكيفية متميّزة.
± فأعلن عن ذاته باعتباره إله إبراهيم أي إله العهد.
± وأعلن عن ذاته باعتباره إله إسحق أي إله البركة.
± وأعلن عن ذاته باعتباره إله يعقوب أي إله الحفظ والرعاية.
± وأعلن عن ذاته باعتباره إله ربنا يسوع المسيح أي إله الحب والحكمة والفداء.
إله إبراهيم... إله العهد
بعد أن أطاع إبراهيم الرب وترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه، وآمن بوعد الرب بأن نسله سيكون كنجوم السماء وكالرمل الذي على شاطئ البحر ”في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقاً (عهداً) قائلاً: لنسلك أعطي هذه الأرض، من نهر مصر إلى النهر الكبير الفرات“
(تكوين 18:15). وعاد الرب مؤكداً عهده لإبراهيم فقال: ”أما أنا فهوذا عهدي معك، وتكون أباً لجمهور من الأمم، فلا يُدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم، لأني أجعلك أباً لجمهور من الأمم“ (تكوين 4:17-5).
هكذا أعلن الرب ذاته بارتباطه بإبراهيم باعتباره إله العهد إذ قطع عهداً مع إبراهيم.
إله إسحق... إله البركة
عندما قال الرب لموسى أنه إله إسحق، كان يعلن عن ذاته باعتباره إله البركة، فنحن نقرأ عن إسحق الكلمات: ”فظهر له الرب في تلك الليلة وقال: أنا إله إبراهيم أبيك. لا تخف لأني معك، وأباركك وأكثّر نسلك من أجل إبراهيم عبدي“ (تكوين 24:26). وقد ظهرت بركة الرب في حياة إسحق فيما أعطاه ”وزرع إسحق في تلك الأرض فأصاب في تلك السنة مئة ضعف، وباركه الرب“ (تكوين 12:26).. وظهرت كذلك في إعطائه البئر التي دعا اسمها رحوبوت (تكوين 22:26).
فإله إسحق أعلن عن ذاته في حياة إسحق أنه إله البركة.
إله يعقوب... إله الحفظ والرعاية
عندما ترك يعقوب بيت أبيه إسحق متجهاً إلى حاران، صادف مكاناً وبات هناك.. ”ورأى حلماً، وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها وهوذا الرب واقف عليها. فقال أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك... وها أنا معك وأحفظك حيثما تذهب وأردك إلى هذه الأرض، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به“ (تكوين 12:28-15).
وقد حفظ الرب يعقوب كما وعد... حفظه من خاله لابان، وحفظه من أخيه عيسو، وحفظه من سكان الأرض (تكوين 5:35).. وصار الإله الذي أعلن عن ذاته كإله الحفظ ملجأ لشعب الله فرفعوا إليه الصلاة: ”رب الجنود معنا. ملجأنا إله يعقوب“ (مزمور 7:46).
إله ربنا يسوع المسيح
إله الحب والحكمة والفداء
عندما قال بولس عن يسوع المسيح ”إله ربنا يسوع المسيح“ أعلن أن يسوع المسيح هو رب المؤمنين به.. وهذا يؤكد لاهوته بصورة قاطعة... لكن الآب باعتباره إله ربنا يسوع المسيح أعلن في المسيح أنه إله الحب والحكمة والفداء.
”لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“ (يوحنا 16:3).
وهكذا أعلن المسيح في صلاته للآب: ”أنا أظهرت اسمك للناس الذي أعطيتني من العالم“ (يوحنا 6:17).
ونقرأ في إنجيل يوحنا الكلمات: ”الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر“ (يوحنا 18:1). وعندما قال فيلبس ليسوع: ”يا سيد، أرنا الآب وكفانا. قال له يسوع: أنا معكم زماناً هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت أرنا الآب؟“ (يوحنا 8:14-9).
وعندما تحدّث يسوع عن حفظه للمؤمنين به إيماناً قلبياً، حفظاً أبدياً قال: خرافي تسمع صوتي وأنا أعرفها فتتبعني. وأنا أعطيها حياة أبدية ولن تهلك إلى الأبد ولا يخطفها أحد من يدي. أبي الذي أعطاني إياها هو أعظم من الكل ولا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي. أنا والآب واحد“ (يوحنا 27:10-30).
بهذه الكلمات أعلن يسوع أنه يعطي خرافه حياة أبدية، وأنها لن تهلك إلى الأبد، لأنها محفوظة في يده فلا يخطفها أحد، وأنها محفوظة في يد الآب القوية التي لا يقدر أحد أن يخطف المؤمنين منها... وأنه والآب واحد.
أضف إلى ذلك ما قاله يسوع المسيح: ”لأن الآب لا يدين أحداً بل قد أعطى كل الدينونة للابن. لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب. من لا يكرم الابن لا يكرم الآب الذي أرسله“ (يوحنا 22:5-23).
وأخيراً وليس آخراً نقرأ كلمات يسوع: ”كل شيء قد دُفع إليّ من أبي. وليس أحد يعرف الابن إلا الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له. تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم“ (متى 27:11-28).
من ينطق بكلمات كهذه ولا يكون معادلاً للآب؟!!!
من يقدر أن يقول: ”لكي يكرم الجميع الابن كما يكرمون الآب“ فيطلب لنفسه كرامة، كالكرامة التي تُعطى للآب، إن لم يكن مساوياً له؟
من ذا الذي لا يعرفه في حقيقته إلا الآب ”ليس أحد يعرف الابن إلا الآب“؟!
من ذا الوحيد الذي له سلطان إعلان حقيقة الآب لنا.. ”ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومن أراد الابن أن يعلن له“؟!
ومن ذا الذي له القدرة على منح الراحة لجميع المتعبين والثقيلي الأحمال.. إن لم يكن هو الله الابن القادر على كل شيء؟!!
أكرر في النهاية: إن الكلمات ”إله ربنا يسوع المسيح“ تعني أن المسيح أعلن الآب للمؤمنين باعتباره إله الحب العظيم، والحكمة التي دبرت في المشورات الأزلية خطة الفداء، والذين لا يفهمون هذا الحق المنير قال عنهم بولس الرسول، ”الذين فيهم إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح الذي هو صورة الله“ (2كورنثوس 4:4).
إن إله إبراهيم هو إله العهد... وأن إله إسحق هو إله البركة.. وأن إله يعقوب هو إله الحفظ.. وأن إله ربنا يسوع المسيح هو إله الحب والحكمة والفداء.. وكلها إعلانات الله عن ذاته...
فليتك أيها المتعب.. وأيها الثقيل الأحمال أن تتوب عن خطاياك وتأتي ليسوع المسيح لتنال الراحة الكبرى.