أذار (مارس) 2006
أعمل سائق عربة نقل كبيرة. وأثناء عودتي من ولاية نيوجيرسي إلى ولاية فرجينيا، بالقرب من حدود الولاية وجدت الطريق مغلقاً تماماً وهناك عدة عربات تنتظر.
كان السبب هو تسرب المازوت من عربة (تانكTank على الطريق).
كان الموقف يتطلب ساعات من الانتظار حيث لا بد من مجيء شرطة الولاية والمختصين لتنظيف الطريق تماماً.
شددت فرامل العربة، وخرجت أتمشى حولها. وبعد أقل من ساعة تجمّعنا خمسة من سائقي عربات النقل نتحدث بل نتذمر... بعد قليل اقتربت سيارة نصف نقل ووقفت بجوارنا كان بها شخصان في حوالي السبعين من العمر.
انزل الرجل واسمه "جو" شباك العربة وسأل: ماذا حدث؟
وأجبته بما لديّ من معلومات، وبعد فترة أخذنا نتجاذب أطراف الحديث. قال أحدهم: لو كنت عرفت بالحادثة وإغلاق الطريق لأحضرت معي مشروباً.
أجابت السيدة المسنة وأسمها آنا: معنا مشروبات كثيرة... ونزلت وأحضرت لكل منا مشروباً، ثم قالت: عندنا أيضاً سلطة تونة. وفتحت صندوق العربة وأعدّت لكل واحد منا سندوتشاً من التونة.
عندما فتحت صندوق العربة لاحظت أن لوحة رخصتها تابعة لولاية "مسيسيبي" فسألت: من أي منطقة أنتما؟ قالا: بيلوكسي.
ولما كنت أعلم أن مدينة بيلوكسي قد تضرّرت من جراء إعصار كاترينا، سألتهما: كيف نجوتما وهل خسرتما شيئاً؟
أجابا بأسى: نعم... لقد فقدنا كل شيء لنا تقريباً، وكل ما نملك الآن هو هذه الأشياء التي في السيارة التي استطعنا أخذها وهي مهمة جداً فهي أوراقنا الرسمية، بعض الصور، وبعض الملابس.
وقد أمكن لـ "جو" أن ينقذ ساعة حائط غالية كان قد أخذها من والده، وأمكن لآنا أن تنقذ التحف الصينية والفضيات.
حاولنا نحن الخمسة السائقين أن ندفع لهما ثمن المشروب أو السندوتشات، فرفضا تاماً.
وقالا: نحن في طريقنا إلى ابننا في هارسبرج - فرجينيا، وقد استأجر لنا سكناً وسنعيش هناك ونبدأ حياتنا من جديد.
لقد عقدت الدهشة لساني، إذ أن عمري 48 عاماً، ولا أتمتع بهذه النظرة الإيجابية وهي أن أبدأ من جديد في بلد جديد.
لقد خسرا بيتهما بكل ما فيه ومع ذلك رفضا أن يأخذا ثمن المشروب أو السندوتشات.
لقد عرفت السر في حياتهما فقد كان من بين أقوالهما: عندما بدأ الإعصار وهدم جزءاً من منزلهما، جلسا يحتميان خلف جدار حائط متين من المنزل. وشاهدا ممتلكاتهما وهي تتطاير وتختفي مع الإعصار. لقد كانا يجلسان معاً يُمسك أحدهما بيد الآخر، أما اليد الأخرى فقد ارتفعت وكأنهما تُمسك بيد الله.
وتنبهت إلى أنني قد سمعت "آنا" ترنم وهي تجهز السندوتشات؛ فسألتهما عما كانت ترنم، فقالت:
إنها ترنيمة قديمة عزيزة عليّ جداً، تقول كلماتها:
هناك أشياء كثيرة لا أجد لها تفسيراً
ولا أعلم ماذا يأتي به الغد
لكنني أعلم يقيناً أن الغد في يد إلهي
في مسيري مع الفادي
صـار واضحـاً غـدي
فممسك الغدِ الفـادي
هـو ممســك يــدي