أذار (مارس) 2006
للشاعر ابن الوردي بيت شعر جميل ربما ساعدنا على فهم الدرس من وراء سماح الله لعبيده أن يتألموا. والبيت كما جاء في لاميته:
إنما الورد من الشوك وما ينبت النرجس إلا من بصل
هل المؤمن إنسان يحلّ كل المشاكل الدينية على صورة معادلات رياضية سهلة أم إنه أيضاً يلتقي باللامعقول ويصاب بالحيرة ويشعر بالتناقض؟
هل تحيّر رجال الله الأتقياء تحت وطأة الظروف القاسية؟
هل تساءلت سيدات الله التقيات عند شعورهنّ بالمذلّة والانكسار تحت ضغط الألم الذي سمح الله لهنّ أن يجتزن فيه؟
الإجابة، نعم وألف نعم، لكن الخسارة الكبرى التي يمكن للإنسان أن يُصاب بها هو عدم الاستفادة من درس الألم، والنظر إليه بوصفه مرادفاً للحزن، وملازماً للتعاسة، فيسعى إلى تجنّبه، ويعمل على تحاشيه، أو يقف عند حدّ إلقاء اللوم على الظروف والآخرين، أو يتمادى فيشتبك مع الله في أسئلة تنمّ عن الشك وعدم اليقين في رحمته تعالى.
قد رأى رجال الله القديسين في الألم رافعة أخلاقية، ووسيلة تسمو بها النفس الإنسانية، لذلك رأينا شهداء المسيحية – خاصة في عهد الاضطهاد الروماني وهم يتلقّون العذاب – مرحبين بالموت مهللين فرحين وكأنهم مقبلون على عرس.
فهم بولس الرسول الدرس الذي يريده الله أن يتعلّمه من الألم فهتف في وسط آلامه قائلاً: "مكتئبين في كل شيء، لكن غير متضايقين. متحيّرين، لكن غير يائسين. مضطَهَدين، لكن غير متروكين. مطروحين، لكن غير هالكين" (2كورنثوس 8:4-10). ثم أضاف: "في كل شيء نظهر أنفسنا كخدام الله، في صبر كثير، في شدائد، في ضرورات، في ضيقات، في ضربات، في سجون، في اضطرابات، في أتعاب، في أسهار، في أصوام.. بمجد وهوان. بصيت رديء وصيت حسن. كمضلين ونحن صادقون. كمجهولين ونحن معروفون. كمائتين وها نحن نحيا. كمؤدَّبين ونحن غير مقتولين. كحزانى ونحن دائماً فرحون. كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (2كورنثوس 4:6-10).
في سفر راعوث، سمح الله لـ "نعمي" أن تجتاز تجربة قاسية. فقد تغرّبت مع زوجها وولديها بسبب جوع أصاب بلدتها "بيت لحم". وفي بلاد الغربة، سمح الله أن يموت رجلها، وبعد أن تزوّج ولديها سمح الله أن يموت الولدان "فتُركت المرأة من ابنيها ومن رجلها" (راعوث 5:1)، فرجعت نعمي إلى بلدتها "بيت لحم". لكن، حتى ذلك الوقت لم تفهم الدرس من وراء الألم "وكان عند دخولها بيت لحم أن المدينة كلها تحرّكت بسببهما، وقالوا: أهذه نعمي؟ فقالت لهم: لا تدعوني نعمي بل ادعوني مرّة، لأن القدير قد أمرّني جداً. إني ذهبت ممتلئة وأرجعني الرب فارغة. لماذا تدعونني نعمي والرب قد أذلّني والقدير قد كسّرني؟"
ظنّت نعمي أنها رجعت فارغة، بل اعتقدت أنها رجعت بمشكلة "راعوث أرملة ابنها"، ومع ذلك فهي تحمّلت التجربة، وصبرت، ووقفت بجانب أرملة ابنها حتى تزوجت وولدت ابناً جاء من نسله المسيح.
وهنا جاء درس الألم بفوائده، فقالت النساء لنعمي: "مبارك الرب الذي لم يعدمك ولياً اليوم... لأن كنتك التي أحبتك قد ولدته، وهي خير لك من سبعة بنين... وسمّته الجارات اسماً قائلات: قد وُلد ابن لنعمي ودعَوْنَ اسمه عوبيد. هو أبو يسى أبي داود (الذي جاء منه المسيح)".
لعلّ درس هذه الحلقة هو ما قصده الكتاب المقدس بقوله: "من الآكل خرج أكلٌ ومن الجافي خرجت حلاوة" (قضاة 14:14).