أيار (مايو) 2006
دروس جديدة وإضافية نتعلّمها من خلال ضرب الاستقرار في عائلة بيت عنيا، ومنها: إن المسيح ينمّينا من خلال الآلام والدموع. سؤال قديم طالما سأله أولاد الله، وهم تحت الآلام، ومن وراء الدموع: لماذا أنا؟ لماذا غيري ينجح وأنا أفشل؟ لماذا أعاني مرضاً عضالاً لا شفاء منه؟ لماذا الكل مستقرّ وأنا مشرّد؟ لماذا أعيش فقيراً أو مُعدماً وغيري في بحبوحة وثراء؟... لكي نتعلم دروساً في حياة الإيمان تكون سبباً في نمونا.
لا نظن أن الله خصنا بالآلام وحدنا، يقول الكتاب: "هذه الآلام تجرى على إخوتكم الذين في العالم (1بطرس 9:5). لكن كل مؤمن خصه الرب بأنواع معيّنة من الآلام والصعوبات والمحن والتجارب والضيقات. "كثيرة هي بلايا الصديق ومن جميعها ينجيه الرب" (مزمور 19:34).
يعلّم الكتاب عن عمل الآلام في حياتنا، والبركات والفوائد التي يمكن أن نجنيها من مدرسة الآلام هذه: "فإن من تألم في الجسد كُفّ عن الخطية" (1بطرس 1:4). الخطية مشكلة، ونحاول بشتى الوسائل أنت نتخلص منها، وألا نسمح لها بأن تغزو حياتنا. آلام الجسد هي إحدى العلاجات التي تساعدنا على اتخاذ موقف عنيد ضد الخطية، وهو موقف التوبة الدائمة. وما لم تصبح التوبة دائمة في حياتنا فنحن في حاجة إلى الآلام، أي العلاج.
والغاية الأخرى من الآلام هي التأهيل: "تؤهلون لملكوت الله الذي لأجله تتألمون أيضاً" (2تسالونيكي 5:1). وكأن الآلام تؤهلنا للملكوت، فهي تزيل من حياتنا ما يجب إزالته، وتبرز الهدف وتصحح المسيرة. الآلام تعمل فينا ضمن هذه الخطة الإلهية، نحن المخلوقين من أجلها. قد نواجه تجارب محرقة، لكن "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة. لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة" (يعقوب 12:1). "إن كنا نتألم معه لكي نتمجّد أيضاً معه" (رومية 17:8). "كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضاً مبتهجين" (1بطرس 13:4). فنحن إذاً نفرح بالآلام، ونفتخر بالضيقات، "عالمين أن الضيق ينشئ صبراً والصبر تزكية والتزكية رجاء والرجاء لا يُخزي لأن محبة الله انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المُعطى لنا" (رومية 3:5-5).
يكتب الرسول بولس إلى كنيسة تسالونيكي قائلاً: "ينبغي لنا أن نشكر الله كل حين... لأن إيمانكم ينمو" (2تسالونيكي 3:1). فالإيمان لا ينمو إلا بالممارسة، وتحت الآلام والتجارب. والإيمان الحقيقي ليس عقيدة لكنه سلوك ينمو ويُرى. ينمو في شخصياتنا وينمو في علائقنا. فالحياة الجامدة لا تسمح للإيمان بأن ينمو، لذا يحتاج إلى الآلام والدموع لكي تتحرك عواطفنا. فمريم لم تبكِ منذ زمن، ولم يكن ما يحرّك عواطفها، لا دموع فرح ولا دموع حزن، والنفس تتقسّى. علينا أن نحب الرب بعواطفنا، ونتحرّك تجاه الخدمة والنفوس بعواطفنا، نقول للخطية لا بعواطفنا، ونعيش حياة إيجابية مكرسة للرب بعواطفنا. بكت مريم، لذا "سترين مجد الله" أنتِ وأختكِ وهذا الشعب كله، لأن العاطفة تحركت بل تبدّلت. الله يريد أن يعمل شيئاً جديداً، لكن ليس مع العاطفة الجامدة. والله عنده درس جديد وإعلان جديد ليس لعقولنا من دون عواطفنا. فنحن بشر، ولسنا آلات، نحب الرب من كل النفس، ومن كل القدرة، ومن كل القلب.
المسيح يحرك العاطفة لكي يوقد الذهن. فالذهن البليد لا يمكن أن يتعلّم. قالت له مرثا: "الآن أيضاً أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه" (يوحنا 22:11). بدأ الذهن ينتظر معاملة جديدة. "على مرصدي أقف وعلى الحصن أنتصب وأراقب لأرى ماذا يقول لي وماذا أجيب عن شكواي" (حبقوق 1:2).
كثيراً ما نصل إلى أوقات نصبح فيها عاجزين عن استيعاب معاملات جديدة. كأني بمريم تريد أن تقول للمسيح: كل ما نطلبه الآن هو أن تشفي أخانا وتبقيه لنا، والمسيح يبغي معاملة أعمق - سأميته وأقيمه! فإن لم تتوسّع مداركنا الروحية، لا مجال لمعاملات جديدة، وبالتالي لا مجال للنموّ. أدركنا أشياء كثيرة، لكن هنالك أشياء لم ندركها بعد. أدركنا معاملات الله معنا لحد الآن، لكن ماذا عن المستقبل؟ هل نبقى نفطن كالأطفال أم صرنا من مرحلة الرجولة؟ هل نبقى نحدّ الرب ضمن حدود تفكيرنا؟ نحن نؤمن بأن المسيح يقدر أن يمنع الموت ويقدر أن يشفي، لكن هل ننمو في معرفة ربنا ومخلصنا الذي يقدر أن يُقيم من الأموات؟
"قال لها يسوع: سيقوم أخوك" (يوحنا 23:11). هل تؤمنين بهذا؟ هل تؤمنين بالمعجزات؟ أنا القيامة والحياة، وحيثما أكون هنالك معجزات. كيف ننمو في معرفة الله؟ ما هو الدرس؟ ما الغاية؟ إلى أين المصير؟ وتساورنا الشكوك. وأحياناً يغزو الفشل حياتنا فلنلجأ إلى الرب، لأن ليس لدينا أحد غيره يتعامل معنا بشكل معجزي. علينا أن نمد أيدينا باستمرار علّنا نصل إلى عمق محبة الله الفائقة المعرفة، وعلينا أن نظلّ ننتظر معاملات خاصة من الله متوخّين أن نصل إلى عمق النعمة التي أظهرت محبة الله. هنالك مسافات وأشواط واسعة أمام معرفتنا لمحبة الله.
هذه العائلة عرفت المسيح كصديق، لكنها الآن اختبرت معنى الصداقة الحقيقية. اختبرت مواصفات الصديق الصدوق. الصديق الذي يُركَن إليه وإلى صداقته. الحاضر أبداً وقت الضيق. ما أصعب أن يشعر الإنسان أنه متروك ووحيد: "جرّبت القائلين أنهم رسل وليسوا رسلاً فوجدتهم كاذبين" (رؤيا 2:2). جربت هؤلاء الأصدقاء ولكنهم لم يكونوا أصدقاء. لكن يسوع صديق أمين ومحب، وأب حنون. بكى يسوع مع الباكين لأنه محب وعطوف. نحن لا نريد عطاياه فقط لكننا نحتاج إلى من يحنو علينا ويحسّ معنا. فهو العظيم والقدير وبذات الوقت الأب والصديق، لذا نحن نستريح في ظل الحبيب.
مهما كانت الظروف فإلهنا قدير يغيّر الأوضاع. وإن لم يغيّر الأوضاع يغيّرنا نحن حتى نقبل أوضاعنا وتكون بركة لنا. "انتظر الرب واصبر له" (مزمور 7:37)، فهو قادر أن يبدّل الأوضاع ويغيّر الناس. هل نألف أوضاعنا ونظن أن هذا كل ما يستطيع الرب أن يعمله؟ ألا نؤمن بأن الرب يغيّر الناس؟ ألم يعطنا طبيعة جديدة؟ ألم يغيّرنا؟ ألم نصر شركاء الطبيعة الإلهية؟ ألم نحصل على الحياة الأبدية بالإيمان؟ ألا نسير كل يوم في موكب النصرة؟ ألم يسحق إلهنا الشيطان تحت أرجلنا؟ ألم يغلب العالم وأعطانا غلبته؟ ألا يعمل فينا لكي يشكلنا على شبهه وعلى صورته؟ نتغيّر من صورة إلى صورة حتى نصل إلى تلك الصورة عينها (2كورنثوس 18:3).
أتى صاحب المعجزات، أتى من يغيّر ولا يتغيّر. ما هو وضعك... ميؤوس منه؟! يسوع يغيّر! مأتم... يصير عرساً! أنتن وله أربعة أيام؟ أقامه وطلب أن يحلوه ويدعوه يذهب.
هنالك معجزات من خلال الدموع والآلام، فلا نعش حياة عادية ونرسب في صفوفنا. المسيح لا يقصد أن يعذّبنا من خلال التجارب، بل أن يمتحننا. فهو يضع دموعه مع دموعنا، وعواطفه مع عواطفنا، وانزعاجه مع انزعاجنا. انزعج يسوع واضطرب وبكى، وغيّر الأوضاع.
إذا لم يوجد فينا نموّ أو تغيير، فهذا يعني أن هنالك عطلاً أو مانعاً ما، وعلى رأس هذه الموانع، قلة الإيمان، إذ إننا لا نؤمن بأن يسوع قادر أن يعمل في حياتنا ومن خلالنا. "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 12:14). المسيح هو المنتصر الأول والدائم، وهو لا يُغلب ولا يفشل.
نحن في حرب دائمة مع نفوسنا ومع قلة إيماننا، مع شكوكنا واضطراباتنا، مع أعصابنا المتعبة، ومع ما يسيطر علينا من أمور مزعجة لا نريدها أن تكون فينا. لكن يا ترى، ما هي النتيجة؟ فالانكسار أمر معيب وغير مقبول بالنسبة إلى المسيح. هذه كنيسة المسيح الزاحفة وكلنا جنود للرب. هنالك عملية تنقية للجيش، "من كان خائفاً ومرتعداً فليرجع وينصرف" (قضاة 3:7). من غرس كرماً ولم يبتكره... يكن فكره وقلبه هناك، فليرجع. من خطب امرأة ولم يأخذها... لا يقدر أن يواكب المسيرة، فليرجع. من هو الخائف والضعيف القلب... يذيب قلوب إخوته، فليرجع (تثنية 6:20-8). هنالك عملية تبديل وتنقية مستمرة. ما الفائدة من جيش كبير، وهو خائف؟ محسوب على الرب لكن لا يشعر بوجود الرب معه، وإن شعر، لا يعرف الرب معرفة حقيقية اختبارية.
كيف ستنتصر يا جدعون؟ ليس بالسيوف بل بالإيمان: يصرخون سيف للرب ولجدعون (قضاة 20:7). ثلاثمئة رجل مؤمنون، "قهروا ممالك... صاروا أشداء في الحرب هزموا جيوش غرباء" (عبرانيين 33:11-34). أليست هذه غلبة المسيح؟ "عابرين في وادي البكاء يصيرونه ينبوعاً. أيضاً ببركات يغطون مورة. يذهبون من قوة إلى قوة. يُرون قدام الله في صهيون" (مزمور 6:84-7).
الرب ينمينا من خلال ما نحن عليه من آلام ومن تجارب. لذا يعلّم الرسول بولس قائلاً: "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط بل أيضاً أن تتألموا لأجله" (فيلبي 29:1). ثم يضيف الرسول بطرس بالقول: "لأنكم لهذا دُعيتم فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته" (2بطرس 21:2).
لذا يعلم الكتاب: "فإن الذين يتألمون بحسب مشيئة الله فليستودعوا أنفسهم كما لخالق أمين في عمل الخير" (1بطرس 19:4). ويكتب الرب لملاك كنيسة سميرنا فيقول: "لا تخف البتّة مما أنت عتيد أن تتألم به... كن أميناً إلى الموت فسأعطيك إكليل الحياة" (رؤيا 10:2). هكذا نعيش مع الرب صديقنا الصدوق والوالد الحنون مطمئنين واثقين بمحبته وبقدرته.
هل نفرح في الآلام؟ هل نفرح في التجارب، وسط الدموع؟
"احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يعقوب 2:1).