Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيار (مايو) 2006

يحدثنا رعاة الكنائس والكارزون بالإنجيل أن أعظم شهادة عملية لربح النفوس هي حياة المؤمن في تقلّبات ظروفها وأحوالها، في الأفراح والأتراح، في الضيقات وخضم المشكلات، الظاهرة منها والخفية، لأنها تعبير حيّ عن عمل المسيح في حياة المؤمن. والواقع أن العالم الذي نعيش فيه هو عالم ملوّث بالفساد تكتنفه ظلمات الخطيئة، ويشيع فيه كل ما هو كريهٌ في عيني الرب. إن الشر الذي تسرّب إلى هذا العالم وتكاثف حتى الظلمة جعل منه مقبرة للنتن فأصبح موبوءاً بالإثم الذي لا ينجع فيه دواء.

 

ولكن المسيح قال عن المؤمنين: "أنتم نور العالم". وهذا، إن دلّ على شيء، فهو إقرار صريح بأن الظلمة تغمر الوجود الذي نعيش فيه، وهي ظلمة تتوارى في طياتها كل الأمراض الروحية والجسدية. وأدرك الرب يسوع أن حياة المؤمنين به التي تشع بنوره وتستمدّ منه أضواءها الساطعة هي التي يمكن أن تبدد هذه الدياجير الحالكة. لذلك فإن حياة المؤمن هي نور لا ينطفئ ما برح ذلك المؤمن يستمد نوره من مصدر كل نور حقيقي.

ولا شك أن هناك أنوار مزيفة حولنا. تبدو أحياناً براقة تجتذب إليها المغفّلين لتُلقي بهم سريعاً في الظلمة الخارجية. هي أضواء خادعة تستهدف إغراء القلوب البشرية، كالشهرة، والمال، والنفوذ، والسلطة، والجنس، وسواها من المغريات المأساوية التي تفضي إلى الهلاك. غير أنني أنبر هنا أن هذه الإغراءات تؤدي إلى دمار الإنسان عندما تكون خاضعة "للأنا" وللمطامح الذاتية البعيدة كل البعد عن الإرادة الإلهية. لأن الشهرة، والمال، والنفوذ، والسلطة، والجنس وسواها إن كانت تبغي تمجيد الله، وخاضعة لإرادته فإنها تتحوّل إلى مظاهر خير وبركة يستخدمها الله بفاعلية، شهادة عن عمله في حياة المؤمنين به. ولكن لا يحتاج الإنسان لأن يكون صاحب شهرة أو مال أو يتمتع بالنفوذ والسلطان لكي يكون جندياً أميناً للرب أو نوراً مشعاً في هذا العالم. إن قوة النور تتوقف إلى حد بعيد على علاقة الإنسان بالله. فكلما كانت علاقة الإنسان بالله أقوى وأعمق يكون تأثيره في العالم أجدى وأنفع وأكثر إشراقاً من جميع تلك الأنوار المزيَّفة. لهذا فعبارة "أنتم نور العالم" لا تتحدّد بزمان ومكان، ولا هي مقصورة على بعض الظروف والمواقف بل إنها ظاهرة بارزة ثابتة في حياة المسيحي.

وهناك رباط متين ما بين النور والمحبة، لأن القلب المنير هو قلب محب. فالمحبة الحقيقية لا يمكن حصرها في زاوية ما، أو إخفاؤها تحت المكيال. إنها إشعاع دافق بالدفء تخلق حولها جواً من الطمأنينة والحنان والثقة، والشعور بالراحة.

إنني أذكر من جملة ما أذكر، أنني كنت بواجب التعزية في بيت صديقٍ عزيز عليّ انتقلت والدته إلى الأمجاد السماوية؛ وكان يجلس إلى جواري بعض معارف العائلة المقيمين في نفس الحي والمنتمين إلى بعض الأديان الأخرى. وفي أثناء الحديث قال لي أحدهم:

-  هذه السيدة الكريمة كانت نبع محبة. لم تكن فقط ربة هذا البيت بل كانت إماً لكل أبناء الحي، وكانت بروحها اللطيفة، وسخاء حنانها عامل سلام وطمأنينة.

وحدثني آخر وقال:

-  إنني أعتنق الإسلام ديناً، وكنت عازماً على تطليق زوجتي لأسباب لا داعي لذكرها، ولكن هذه الوالدة الكريمة، جاءت لزيارتنا على غير موعد، وجلست معي ومع زوجتي، وبروح محبة مفعمة باللطف، أصلحت ما بيننا بكلمات ولا أعذب، وها نحن ما زلنا حتى الآن نعيش معاً كزوجين متوافقين. إن وفاتها خسارة لنا.

إن هذين الحديثين تركا أبلغ الأثر في نفسي، لأنني أدركت في لحظة من تلك اللحظات الثمينة في حياة الإنسان أن مواقفنا العملية كمؤمنين مسيحيين لها دور بارز في التأثير على حياة الآخرين حتى الذين لم يعرفوا خلاص المسيح. لهذا قال عنا المسيح أننا نور العالم، وأننا ملح الأرض، وأننا أبناء الملكوت. صحيح أننا نفتقر إلى هذا التأثير إن لم نختبر خلاص المسيح وعمله في حياتنا أولاً، وصحيح أيضاً أن ادعاءنا المسيحية من غير أن نحياها يجرّد حياتنا وأقوالنا من أي شهادة فاعلة. ولكن إن كنا حقاً قد عرفنا نعمة المسيح وقلنا: "لأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّ"، وجسّدنا معنى إيماننا من خلال أعمالنا فإننا، بحياتنا، ومن ثُمَّ بأقوالنا، نقدّم أروع شهادة عن التغيير الجذري الذي يجريه خلاص المسيح فينا.

إن التشاؤم الذي يكفّن وجودنا، والشعور بالعدمية، والتكالب على شهوات العالم تتطلب منا كمؤمنين أن نكشف لكل من حولنا أن الحياة المسيحية هي حياة نور، وسلام، ومحبة، ورجاء. إن العالم يحتاج إلى مثل هذا اليقين لأننا، بفضل نعمة المسيح نستطيع أن نشهد لعمل الله في حياة الإنسان. إن تأثيرنا على العالم لا يقتصر على حياتنا الأرضية فقط لأن الصديق وإن مات فإن ذكره دائماً للبركة.

"أنتم نور العالم". لم يطلق المسيح هذه العبارة عبثاً، بل كان يشير إلى حقيقة هي جزء لا يتجزّأ من الوجود البشري، لا يستطيع شيء أن يبدد الظلمات إلا النور. فقوة النور هي فعل إشراق ومنارة مضيئة في العواصف يسترشد بها البحارة التائهين في غمار الأمواج الهائجة فتقودهم إلى شاطئ الأمان. وهذه المنارة التي تستمد نورها من نور المسيح لا يغشاها الضباب، ولا تكتنفها الظلمات بل تظل مشرقة بقوة لكي يراها الجميع.

إن شهادتنا كمسيحيين هي شهادة يغلب عليها الرجاء ولا تذعن لتقلبات الدهر، وإن الضعف البشري وإن اشرأبّ برأسه أحياناً، فإن قوة المسيح التي فينا تعين ضعف إيماننا ويأخذ نورنا في التألٌّق من جديد.

المجموعة: 200605

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

191 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10560577