تشرين الأول (أكتوبر) 2006
إن كفارة المسيح هي عمله لأجل خلاص البشر من اللعنة الواقعة عليهم بسبب ما جاء في الشريعة، وتهدف لمصالحتهم مع الله "المسيح أيضاً تألم مرة واحدة من أجل الخطايا. البار من أجل الأثمة لكي يقربنا إلى الله“ (1بطرس 18:3).
وقيمة تلك الكفارة مبنية على هويته وطبيعته فهو -كما يؤمن المسيحيون- ابن الله الأْزلي – الله الظاهر في الجسد- ”هذا هو ابني الذي به سررت“ (متى 5:17).
"عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد" (1تيموثاوس 16:3).
وقيل في الكفارة: إنها تكفير عن الخطية، وترضية الله، وإيفاء العدل حقه، وهو ما تممه المسيح نيابة عن البشر الساقطين. "لأن أجرة الخطية هي موت وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا“ (رومية 23:6).
وكلمة ”الإيفاء“ مأخوذة من الاصطلاحات الشرعية. وكلمة التكفير مأخوذة من الاصطلاحات المختصة بالنظام الموسوي. فالإيفاء هو أداء المطلوب لدى الشرع والتكفير في شريعة موسى كان ستر النفس المذنبة بدم الذبيحة حتى لا يُطلب القصاص منها. فقد رفع الكاهن ذنب تلك النفس ووضعه على الذبيحة لذلك قيل عن المسيح في العهد الجديد " لكي يكون رحيماً ورئيس كهنة أميناً في ما لله حتى يكفر خطايا الشعب" (عبرانيين 17:2).
وهكذا كان رضا الله بإتمام الشريعة التي قالت: ”إن أجرة الخطية موت“. وهنا إرضاء الله الآب بوساطة المسيح وذبحه نيابة عن الخطاة جميعا، "لكنه الآن قد أُظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه" (عبرانيين 26:9).
وقد فتحت كفارة المسيح باب المصالحة بين الله والخطاة بدون إهانة أو كسر لشريعته المقدسة التي هي ثمر لمحبة الله نفسها، "لكن الله بيّن محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رومية 8:5).
وهكذا فقد تقابلت محبة الله ورحمته مع حقه وعدله؛ فقد أحب الله خلائقه وهم خطاة وقَبِل الإيفاء الذي يمثل عدالة الله وبره "الرحمة والحق التقيا. البر والسلام تلاثما"
(مزمور 10:85).
فالتكفير هو سبب رضا الله لأن جرم الخاطئ قد تم تغطيته بل طرحه في بحر النسيان. على أن التكفير ليس علة محبة الله لأن محبته قد سبقت التكفير.
لقد أوفى المسيح العدل الإلهي عن خطايا البشر؛ فإن موته وآلامه كانا كافيين لإتمام مطاليب عدل الله في قصاص البشر على خطاياهم. فقد تألم وجعل تبرير الخاطئ موافقا لعدل الله بل عقابه قد فاق ما يستوجبه عقاب الخاطئ. فاتضاع ابن الله الأزلي وآلامه وموته يفوق ما يكابده جميع الخطاة من العقاب. وإيفاء المسيح عدل الله مبني على عهد مقطوع بين الآب والابن؛ فإن المؤمنين وُلدوا في الخطية وبقوا في حال الدينونة إلى أن آمنوا بعمل المسيح الكفاري لأجلهم، حينئذ أسبغت عليهم فوائد الفداء والكفارة التي تكمل في الحياة الأبدية، "لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة هكذا أيضاً بإطاعة الواحد يجعل الكثيرون أبراراً" (رومية 19:5).