أيلول (سبتمبر) 2006
الخطية ليست فقط إساءة فهم، أو غلطة، أو مرضاً، أو عيباً، أو كذبة بيضاء، أو عملاً طائشاً...
الخطية هي شاملة في مداها، مميتة في تأثيرها، وليس لها دواء نافع من صنع البشر.
إنها أصل مشاكل الإنسان، وهي سلاح الشيطان الرئيسي لمقاومة الله.
الخطية هي المسبب الرئيسي للموت، والمرض، والكوارث الكونية، والحروب، والفساد في الحكم، والعائلات المفككة والمحطمة، وجميع الجرائم، والتدين الكاذب.
يعترض على هذا عدد كبير من علماء المجتمع، والتربية، والنفس وحتى بعض علماء الدين. إنهم يرفضون فكرة الخطية، وبذلك يخطئون كثيراً، وبجهل يقامرون بحياتهم الأبدية ويعرّضون الكثيرين إلى الهلاك.
أصل الخطية
خلق الله آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن. "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه، ذكراً وأنثى خلقهما" (تكوين 27:29).
كان لذلك الإنسان عقلاً فريداً يستطيع به أن يفكر أفكار الله، وقلباً يتجاوب مع محبة الله، وإرادة تطيع وصايا الله، إرادة حرة قادرة أن تختار...
ثم وضع الله شجرة في وسط جنة عدن، وأوصى آدم أن لا يأكل منها، "من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت" (تكوين 16:2-17).
وهكذا جرّب الشيطان آدم وحواء، ففكّرا بعقلهما، وشعرا بقلبهما، وبإرادتهما اختارا أن يأكلا من الشجرة المحرّمة، فعصيا الله. ونتيجة لذلك العصيان دخلت الخطية في تأثيرها إلى الجنس البشري. يسمّي اللاهوتيون هذا العمل بـ "السقوط" أو "اللعنة"، وفعلياً كان ذلك هو أسوأ يوم في تاريخ البشرية. وكل إنسان وُلد بطبيعة ساقطة يخطئ بأفكاره وأفعاله، ويفعل ذلك بصورة طبيعية.
قد يعترض البعض: "لماذا يحسب الله الإنسان مسؤولاً عن تصرّف يصدر منه بطريقة طبيعية؟ أولم يخلقنا الله؟" والجواب هو هذا: "الإنسان يتصرّف بحسب طبيعته الساقطة التي زجّ نفسه بها من خلال تعدّيه على خالقه". وكما توارث الإنسان جسدياً العديد من الأمراض، والتشوّهات، والضعفات الجسدية، كذلك روحياً، توارث الخطية. كان آدم وحواء الممثلين الرسميين لكل الجنس البشري، وكل ما فعلاه في جنة عدن فعلاه نيابة عن الجنس البشري بعدهما لأن كل الجنس البشري تحدّر من صُلبهما.
قال الرسول بولس: "كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رومية 12:5).
تعريف الخطية
الخطية هي أي فكرة، أو كلمة، أو فعل، أو إهمال لواجب، أو شهوة تتعارض مع وصايا الله وطبيعته. وبعبارة أخرى، الله هو المقياس في تقرير ما هو "خطية". فإن كنا نتصرّف بحسب وصايا الله وطبيعته فهذا هو الصلاح، وإن كنا نتصرّف ضدّ وصايا الله وطبيعته فذلك "خطية". وبقدر ما يتقرّب الإنسان من الله، فإنه يعرف الله أكثر ويكون على دراية أكثر بخطاياه.
ما تتضمّنه الخطية
هنالك بعض الحقائق الهامة التي يجب أن نفهمها عن الخطية:
أولاً، الخطية تُرتكب ضدّ الله. وعواقبها موجّهة ضد الإنسان.. عندما ألحّت زوجة فوطيفار على يوسف أن يزني معها، قال: "كيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله؟" (تكوين 9:39). ويقول النبي داود: "إليك وحدك أخطأت والشر قدّام عينيك صنعت"
(مزمور 4:51). الخطية هي دائماً ضد الله. ولا يمكن تمرير الخطية سراً عن الله. الله يرى ما يراه الإنسان على شاشات التلفزيون والكمبيوتر، ويرى ما يفعلونه في السر والأماكن المظلمة.
ثانياً، الخطية تبقى خاطئة في إهمال ما يجب أن نفعله كما في فعل ما لا يجب أن نفعله. عندما يُطلب من مراهق أن يجمع القمامة في مكانها ولا يطيع، لا يكون بذلك كسولاً بل متعدياً بارتكاب خطية الإهمال. وعندما لا يطيع الإنسان وصية الله فإنه يخطئ. مثلاً، تقول وصية الله: "تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك" (متى 37:22؛ تثنية 5:6)، فإن كنت لا تطيع هذه الوصية فإنك تخطئ.
ثالثاً، الخطية هي إما داخلية (في الفكر والمواقف) أو خارجية (في السلوك). وعندما تفكر أفكاراً خاطئة فإنك تخطئ كأنك ارتكبت خطية فعلية. فمجتمعاتنا، ليست متعفنةً فقط بسبب الخطايا الرهيبة التي نشاهدها حولنا، بل أيضاً بسبب خطايا الفكر التي لا نراها.
لا صفة أخلاقية للتكنولوجيا... فهي ليست خيراً ولا شراً، إنما عندما تقع في أيدي الأشرار فإنهم يستخدمونها لأغراضهم الشريرة. فالتلفاز، والكمبيوتر، وأجهزة الفيديو والـ DVD وغيرها تملأ عقول الناس بأفكار نابعة من جهنم.
رابعاً، الخطية تشمل الجميع إذ "الجميع أخطأوا" (رومية 23:3). يشدّد الكتاب المقدس على أنه "ليس بار ليس ولا واحد" (رومية 10:3). فكل الناس هم خطاة بلا استثناء. الغني والفقير، المتعلّم والأمّيّ، المتديّن والوثني، الأسود والأبيض والأصفر، الذكر والأنثى، الشاب والعجوز... الكل أخطأوا.
خامساً، الذي يفصل الإنسان عن الله ويمنعه من دخول السماء ليس كمية الخطايا التي يقترفها؛ بل الحقيقة الصريحة بأنه خاطئ. فكبار الخطاة وصغار الخطاة، كلهم يتشاركون نفس المشكلة.
مفردات تعرّف بالخطية
استخدم الكتاب المقدّس عدة مفردات للتعريف بالخطية:
الكلمة الأولى هي التعدّي على ناموس الله، وفعل ما لا يجب أن يفعله (مزمور 1:51؛ ولوقا 20:15).
الكلمة الثانية هي الإثم. أي ليس فقط أن نعصى كلام الله بل أن نتحدّاه بأفعال تغيظه (إشعياء 5:53-6؛ أمثال 8:22).
الكلمة الثالثة هي عدم الإيمان. إن عدم الإيمان يجعل الإنسان يرفض وصايا الله. فعندما يقول الله: "النفس التي تخطئ هي تموت" (حزقيال 4:18)، ثم يقول الإنسان: "أنا لا أؤمن بأنني إن أخطأت سأموت"، فإن ذلك الإنسان يرتكب خطية عدم الإيمان (يوحنا 9:16)، ويرفض كلام الله.
الكلمة الرابعة هي الخطية. حرفياً، الخطية تعني "أن يخطئ الإنسان الهدف"، والهدف هو قداسة الله. قال الرسول بولس: "إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 23:3). إذاً، عندما نخطئ الهدف فإننا لا نصل إلى مقياس قداسة الله.
نتائج الخطية
قد يقول لك الشيطان: "جربها، تحبها!" الشيطان كذّاب وخدّاع، تماماً كالحية التي تتخفّى بين الأعشاب. لا تلعب مع الخطية، ولا تتمتع بها وقتياً. موسى اختار أن "يُذلّ مع شعب الله على أن يكون له تمتّع وقتي بالخطية" (عبرانيين 24:11-26)، فنتيجة الخطية هي دائماً الموت، والجهال فقط يسلكون ذلك الطريق.
لقد أقامت الخطية فاصلاً بين الله والإنسان... هذا الإنسان الذي خُلق ليمجّد الله ويتمتّع بحضرته إلى الأبد، أصبحت الخطية بمثابة تلك الهوة الواسعة القائمة بينه وبين الله القدوس الذي لا يقدر أن ينظر إلى الخطية.
الخطية جلبت الموت الجسدي إلى العالم. فقبل أن تدخل الخطية لم يكن هناك موت، ولم يتعب قلب إنسان.. لم يبيضّ شعره، ولم تسوّس أسنانه، ولم يهرم جسمه. فالشيخوخة والموت هما نتيجة حتمية للخطية، "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تكوين 19:3). الموت الروحي والجسدي كليهما نتيجة الخطية. الموت يعني الانفصال. فكما أن الموت الجسدي هو انفصال الروح عن الجسد، هكذا الموت الروحي هو انفصال الروح عن خالقها وإلى الأبد!
الخطية جلبت المجاعات، والحروب، والفساد، والأوبئة، والجرائم، والسرطانات، وآلاف الأمراض التي ألمّت بالإنسان منذ السقوط. فكل عقل مشوّش، وكل قلب جريح، وكل دموع البشرية، مصدرها خطية واحدة من آدم وحواء منذ 6000 سنة على الأقلّ.
علاج الخطية
بغض النظر عن ارتفاع الأسعار أو انخفاضها، فإن أجرة الخطية تبقى ثابتة– وهي الموت. قال الرسول بولس: "لأن أجرة الخطية هي موت"
(رومية 23:6). ومكتوب: "النفس التي تخطئ هي تموت" (حزقيال 20:18).
لكن الطبيب الأعظم الرب يسوع المسيح قدّم الحلّ.. قدّم مزيجاً من محبة الله، ونعمته، ورحمته وبذلك أرضى قداسة الله وعدالته وحقه.
وهكذا في ملء الزمان جاء المسيح، وكونه وُلد من عذراء، لم يرث طبيعة آدم الساقطة فكانت حياته بلا خطية.
الرب يسوع طاهر وقدوس. وبحسب الخطة الإلهية عُلّق على صليب الجلجثة وذاق الموت نيابة عن كل إنسان (عبرانيين 9:2). وهكذا مات "البار من أجل الأثمة ليقرّبنا إلى الله" (1بطرس 18:3)، وصار خطية لأجلنا، الذي "لم يعرف خطية لنصير نحن بر الله فيه"
(2كورنثوس 21:5). ولذلك مسؤوليتنا هي أن نتوب عن الخطية ونؤمن بما فعله الله من أجلنا في ابنه، فنقبل بالإيمان عطية الخلاص المجانية.
ماذا عن خطايانا؟
يخبرنا الرب أننا عندما نتوب توبة حقيقية ونؤمن بكفارة المسيح على الصليب من أجلنا، فإنه يغفر لنا خطايانا.
قال النبي: "يَعُودُ يَرْحَمُنَا، يَدُوسُ آثَامَنَا، وَتُطْرَحُ فِي أَعْمَاقِ الْبَحْرِ جَمِيعُ خَطَايَاهُمْ" (ميخا 7:19). في أعماق البحر يسود ظلام دامس ولا يصله النور، هكذا يطرح الله خطايانا في موضع لا يراه أحد. يا لعظمة هذه النعمة!
وفي موضع آخر قال النبي داود: "كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا" (مزمور 12:103). الله لم يقل بأنه أبعد عنا معاصينا كبعد الشمال من الجنوب، لأن هذين القطبين هما نقطتين ثابتتين... إذا انطلقت شمالاً فإنك تصل إلى نقطة ترجع منها إلى الجنوب. ولكن، ليس هناك نقاط ثابتة في الشرق والغرب بسبب دوران الأرض. الشرق والغرب متباعدان بصورة مطلقة ولا مجال لهما للالتقاء. هكذا أيضاً ما يفعله الله لكل من يتوب ويؤمن به، يبعد عنه معاصيه ولا مجال له للالتقاء بها. يا لعظمة هذه الرحمة!!!
ثم قال إشعياء: "هُوَذَا لِلسَّلاَمَةِ قَدْ تَحَوَّلَتْ لِيَ الْمَرَارَةُ، وَأَنْتَ تَعَلَّقْتَ بِنَفْسِي مِنْ وَهْدَةِ الْهَلاَكِ، فَإِنَّكَ طَرَحْتَ وَرَاءَ ظَهْرِكَ كُلَّ خَطَايَايَ" (إشعياء 17:38).
التعبير "وراء ظهرك" يعني وراء الإنسان وبين أكتافه. يا للروعة! المكان الوحيد الذي لا يقدر الإنسان أن يراه هو بين أكتاف ظهره. وبحسب المفهوم البشري يقول الله أنه وضع خطايانا وراء كتفي ظهره، أي في موضع لا يقدر أن يراها، يا لعظمة هذه المحبة!
طرح خطايانا في أعماق البحر حيث لا يصلها النور ولا يراها أحد.
كبعد المشرق من المغرب أبعد عنا معاصينا ولا يعود يذكرها فيما بعد.
وطرح خطايانا وراء ظهره حيث لا يقدر أن يراها. هللويا!