Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول (سبتمبر) 2006

قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين ممن يقرأون هذا العنوان أن رجلاً ما من بني البشر مشى في طريقه يوماً ما جنباً إلى جنب مع القدير... وذلك ليس ممكن الحدوث لاختلاف الطبيعة واشتداد الفوارق بينهما.

 

يقول الكتاب في سفر التكوين: "وسار أخنوخ مع الله ولم يوجد لأن الله أخذه" (تكوين 24:5). كما قد يتبادر إلى أذهان البعض أن هذا الرجل أُخذ من الأرض لأنه تجرّأ أو عرف طريق الله. ولكن مهلاً، فالأمر مختلف تماماً، إذ أن الكتاب نفسه يفسّر لنا معنى الكلام في الأصحاح الحادي عشر من الرسالة إلى العبرانيين فيقول: "بالإيمان نُقل أخنوخ لكي لا يرى الموت، ولم يوجد لأن الله نقله - إذ قبل نقله شُهد له بأنه قد أرضى الله" (عبرانيين 5:11).

لكن هذه الآية التي وردت في قول الرسول أن أخنوخ قد أرضى الله قد تولّد للبعض صعوبة أخرى. فهل يستطيع إنسان ذو منشأ ترابي أن يُرضي الذي يقول عنه الكتاب: "السماء غير طاهرة في عينيه، وإلى ملائكته ينسب حماقة"؟ إن الله المحب يرضى ويصفح عندما يرى أحد المؤمنين به يسير في الطريق المرضية أمامه. ونحن مُلزمون كتابياً بتفسير عبارة "سار مع الله" بالتوازي مع عبارة "أرضى الله". فالسير هنا مجازي، والإرضاء معنوي. والعبارتان معاً توحيان بأن رجلاً مؤمناً عاش في السنين الأولى وبالتحديد في الجيل السابع بعد أبينا آدم، وكان هذا الرجل باراً يعيش حياة مقبولة في نظر الله مبنية على الإيمان، وحفظ وصايا الرب، وعمل مشيئته بصدق وإخلاص. فنُقل من الأرض لئلا يؤدي اضطهاد الأشرار إلى النيل من حياته أو إضعاف إيمانه.

لقد عاش أخنوخ ثلاثمائة وخمساً وستين سنة فقط، بينما عاش يارد أبوه تسعمائة واثنتين وستين سنة، وعاش متوشالح ابنه تسعمائة وتسعاً وستين سنة. وقد يقول قائل: ما الفائدة من حياة السير مع الله وإرضائه إن كان ذلك يؤدي بصاحبه إلى تقصير أيامه على الأرض؟

ذلك هو سر الحياة التي يريدها الله لبني آدم. فحياة الأرض طالت أم قصرت ما هي في نظر الله إلا مرحلة اختبار لمخلوقاته من البشر يؤخذون بعدها إلى حياة أبدية أسمى مركزاً، في نعيم مقيم للذين يسيرون مع الله ويرضونه. وإلى نهاية أشقى في العذاب الأليم لأولئك الذين يعارضون طريق الله ولا يبتغون إرضاءه أو عمل مشيئته. ويتساءل البعض أحياناً: كيف نستطيع أن نرضي الله؟ لا شك أن الإنسان عاجز في ذاته عن تحقيق الرضا الإلهي كونه وارث لإرادة العصيان. ولكن الله لكثرة رحمته لم يترك البشر في ضلال طريقهم، ولا سيما أولئك الذين يتجاوبون مع الدعوة الإلهية للسير في طريق الله كإبراهيم مثلاً. وفي كل حالة نلاحظ أن الله هو الذي يبادر بالبحث عن الإنسان!

وإذا استقرأنا سيرة حياة أخنوخ وجدنا أنها من أقصر سير رجال الله؛ قوامها ثلاثة أعداد دوِّنت في سفر التكوين، ومرتكزها عبارة "وسار أخنوخ مع الله" التي وردت مرتين في هذه الترجمة القصيرة لحياة هذا الرجل.

يقول الكتاب: "هل يسير اثنان معاً إن لم يتواعدا؟" (عاموس 3:3). إذاً لقد تواعد هذا الرجل مع إلهه ولكن الله هو البادئ بهذا الوعد. فهو يبحث دائماً عن أُناس يسيرون وفق مرضاته. في البرية أو على الجبل، في مخاضة النهر أو على بئر السامرة، في بيت الفريسي أو في سجن فيلبي. وفي كل وقت، صباحاً وعند طلوع الشمس، ظهراً أو مساء، ليلاً أو في الهزيع الرابع. إن السير مع الله يقتضي شروطاً لا بدّ من توفرها في الشخص الذي يُدعى لذلك المسير.

الموافقة

يقول أحد الأمثال: "الموافقة قبل المرافقة". فلا يستطيع أحد أن يسير مع آخر إن لم يوافقه، والذين يفشلون في السير مع الله إنما يرتكبون خطأ في هذا الأمر، فهم يريدون أن يسيروا مع الله ولكن دون أن يوافقوه بل يريدون رفقته، ولكن على طريقتهم هم، فيجدون ذلك من صنوف المحال. ولأجل ذلك أرسل الله ابنه لكي يصالحنا مع الله فتنسجم طريقنا مع طرقه كما يقول الرسول بولس: "إذاً نسعى كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله. لأنه جعل الذي لم يفعل خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه" (2كورنثوس 20:5). وحتى يصبح قلب الإنسان موافقاً لقلب الله، لا بدّ له من تغيير في العمق وليس إصلاحاً من الخارج. "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة. الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديداً"
(2كورنثوس 17:5). وهذه الخليقة الجديدة منشؤها عمل المسيح الكفاري حيث أنه أخذ خطيتنا وأعطانا بره لكي نصبح قادرين على موافقة فكر الله "لأن الذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يرضوا الله" (رومية 8:8).

المصادقة

من الطبيعي أننا لا نسير مع من لا نراه ولا نعرفه ولا نألفه، ولا سيما إذا كانت الرحلة طويلة كرحلة العمر. فكيف نستطيع ونحن بشر أن نتقرّب إلى الله ونألف العشرة معه ونصادقه؟ ذلك ما كُتب عن إبراهيم: "وتم الكتاب القائل فآمن إبراهيم بالله فحُسب له برّاً ودُعي خليل الله" (يعقوب 23:2).

إن الامتياز المُعطى لنا بالمسيح لهو أعظم من امتياز أخنوخ وأعظم من امتياز إبراهيم. فأخنوخ أُذن له أن يسير مع الله، وإبراهيم أُمر أن يسير مع الله "سِرْ أمامي وكن كاملاً". أما نحن فنسير في الله والله فينا. لقد طلب الرب يسوع في صلاته الشفاعية أن نكون فيه وهو فينا. "ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني"
(يوحنا 21:17). كما لم يكتفِ المسيح بأن يدعونا أصدقاءه بل أحباءه، "ليس لأحد حبّ أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه. أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به" (يوحنا 13:15-14).

المواظبة

إن أخنوخ ظل سائراً مع الله ومواظباً على السير معه حتى أخذه الرب إليه. ولم يكن سيره عبارة عن نوبات دينية تظهر وتخبو حسب الظروف، بل كانت حياته مسيرة كاملة ثابتة ومستقرة مبنية على إرادة صادقة ومحبة مخلصة.

لا شك أن طريق الإيمان ليست سهلة ولا هي مفروشة بالورود. فلم يعدنا الرب بحياة أرضية هانئة بل بضيقات واضطهادات وتجارب. ومن يسير مع الله حقاً يحتمل كل هذه، لكي يعظم انتصاره بالمسيح الذي أحبه، ولا يستطيع أي شيء أن يفصل هذه العلاقة أو يوقفها. "من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عُري أم خطر أم سيف"
(رومية 35:8). ومتى كان الرب رفيق دربك فلا تخفْ لأنه ضامن لهذه المسيرة حتى النهاية.

المخاطبة

إن مرافقة شخص صامت لا يتكلم مدعاة للملل، ولكن الذين يسيرون مع الله يسمعون صوته يتكلم إليهم في أعماق قلوبهم ويكلمونه في السر وفي العلن. هو يكشف لك سره، وأنت تفتح له قلبك، فتبثـّه أشواق القلب، وتطلب منه حاجات النفس. عندما تستيقظ من نومك، ابدأه بالشكر والتسبيح؛ وفي أوقات يومك وجّه إليه اعترافك بفضله واطلب منه العون والمساعدة؛ معظّماً جلاله، وسلطانه، وقدرته السرمدية، وادعه في الضيقات والصعوبات، فهو لا يخذل الذين يسألونه. اطلب منه فيعلّمك الحكمة ويرشد خطاك في طريقه دائماً. نعم، إنه يسير معنا في الطريق، يشجّع قلوبنا بمشوراته ونصائحه، ويكشف لنا عجائب من شريعته ويعزينا بأقوال فمه.

أيها القارئ الكريم، هذه الحياة مليئة بالطرق المتشعبة، ولكن لنسمع ما يقوله الرب بشأنها: "ادخلوا من الباب الضيق لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلى الهلاك، وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلى الحياة وقليلون هم الذين يجدونه" (متى 13:7-14).

لا تخشَ ضيق الباب وصعوبة الطريق لأن الرب يسير معك فيه ولا تشتهِ السير في طريق الكثيرين لأنها طرق خادعة مضللة ونهايتها الهلاك.

المجموعة: أيلول September 2006

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

106 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10475695