Voice of Preaching the Gospel

vopg

أيلول (سبتمبر) 2006

أحسّ بالدوار يلفّ رأسه وكأن قوى خفيّة أخذت تطوّح به في الفضاء، وشعر بمغص شديد في أمعائه، وبغمامة تغشّي عينيه. حاول أن يتمسّك بحافة الطاولة المجاورة لئلا يقع على الأرض مغشيّاً عليه، وخُيِّل إليه أنه يتساءل: ربّاه، ماذا يحدث لي؟ ما الذي أصابني؟ ولا يدري كيف عثر على مقعد إلى جوار سرير زوجته فتهالك عليه بأنفاس لاهثة وصدر يخفق بقلب تضجّ فيه نبضاته وكأنها رفيف أجنحة. اعتراه ألم حاد في صدره، فامتدّت يده الواهنة إلى زرّ جرس الإنذار وضغط عليه بكل ما بقي لديه من قوّة، وبعد لحظة سمع صوت الممرّضة من ”محطة“ الطابق الموجود فيه بالمستشفى يقول:

 

- نعم، ماذا أستطيع أن أفعل لك؟

فأجابها بصوت متقطّع:

- أنا في غرفة 215، وأشعر بألم حاد في صدري.

فأسرعت الممرضة تقول بصوت قلق:

- ها أنا في طريقي إلى الحجرة بصحبة الطبيب المناوب.

وما لبثت الممرّضة أن أقبلت مع الطبيب يجرّان معهما حمّالة، نقلاه عليها إلى حجرة طوارئ مجاورة، وشرع الطبيب بإجراء الفحوص الأوّلية وأخذ عيّنات من الدم، وتخطيط القلب، فجاءت جميع الفحوصات سلبية، وقال له الطبيب:

- يبدو أن ما حصل هو صدمة نفسية، ردّة فعل شديدة، وكل ما تحتاج إليه في الوقت الحاضر هو الراحة.. نظر إليه وكأنه يحدّق إلى شبح وهمي لا يتبيّن معالمه.  كان يسمع صوته ويرى خيالاً يتحرّك في الحجرة إلى جواره، ولكن غشاوة الصدمة ما برحت تكفّن أبصاره.

وبعد أن خرج الطبيب والممرّضة من الحجرة بقي وحده يتفرّس في السقف بنظرات جامدة ووجه متجهّم. وابتدأ شيئاً فشيئاً يستعيد وعيه ويلمّ شعث أفكاره التي تناثرت في عالمه الباطني لعلّه يستطيع أن يحوك منها قصته أو حقيقته أو أي شيء له معنى. وهمس لنفسه:

- نعم، أنا في المستشفى، ولكن لماذا جئت إليه، وما لي أجد نفسي طريحاً على هذا الفراش؟ وفكّر قليلاً، ثم تذكّر أنه قد أتى بزوجته إلى المستشفى لأنها كان تعاني من آلام صداعيّة حادة، وغثيان في المعدة، وارتفاع في درجة الحرارة على الرغم مما تناولته من أدوية ومسكّنات.. ثم، آه، نعم، لقد كشف فحص الـ MRI أن هناك تورّماً سرطانياً في الدماغ سبّب لها كل هذه المضاعفات والأوجاع.

إنه يذكر الآن أن هذا النبأ الرهيب قد هزّ كيانه من أعماقه، وبدا له كأن يداً غليظة قبضت على عنقه وراحت تخنقه بعنف، وأن غمامة سوداء تزأر بالرعود والبروق تعصف برأسه. وغمغم كمن يناجي نفسه: تورّم سرطاني في الرأس! كيف يمكن أن يحدث هذا؟ تراءى له وكأن آلاف المطارق تنهال على رأسه المضني.

وشاهد الطبيب المناوب يدخل إلى حجرته برفقة طبيب آخر، وقال له:

- أقدّم إليك الدكتور جـ ... وتطلّع إليه وكأنه يتوقّع منه أن يعلن له أسوأ الأنباء.

حاول الطبيب جـ ... أن يتظاهر بالهدوء، وقال له بصوت ثابت:

- إن وضع زوجتك خطير وهي في حاجة إلى عملية جراحية في الدماغ اليوم لئلا يمتدّ الورم إلى مناطق أخرى في الرأس.

- متى يمكنك أن تجري العملية دكتور؟

- اليوم مساء. هل لديك أيّ مانع؟

لم يتردّد ”عماد“ لحظة واحدة، بل وقّع على الأوراق بالنيابة عن زوجته التي كانت ما تزال تحت تأثير المنوّم، ثم التفت إلى الطبيب وسأله:

- كم ساعة تستغرق العملية؟

- نحو ست ساعات.

ونحو الساعة السابعة مساء، ابتدأ الدكتور جـ ... بإجراء العملية. كان ”عماد“ قد اتصل بجميع أفراد أسرته، فاجتمعوا في قاعة الانتظار، تعلو وجوههم إمارات القلق والخوف. وغرق كلّ منهم في بحر عميق من الأفكار السوداء: ثم استقرّ رأي ”عماد“ أن يعقد اجتماع صلاة من أجل شفاء زوجته ونجاح العملية. وهناك، في كنيسة المستشفى الصغيرة اجتمع أفراد العائلة وارتفعت الابتهالات من قلوب حرّى. كان ”عماد“ يدرك في قرارة نفسه خطورة العملية، ولكنه، حاول بقدر الإمكان، أن يحافظ على رباطة جأشه، ويتظاهر بالهدوء...

وانقضت الساعات بطيئة مثقلة بالقلق والخوف. وعندما مضت ست ساعات ولم يرد أيّ خبر من غرفة العمليات، اعترى ”عماد“ وأفراد عائلته الانزعاج، وراحت الخواطر السوداوية تراود نفسه؛ حاول أن يتصل بغرفة العمليات لعلّه يحصل على خبر ما، ولكن الممرّضة قالت له:

- يبدو أن كل شيء على ما يُرام. ليس لديّ أي خبر الآن.

ومضت الساعة السابعة، ثم الثامنة، فالتاسعة، ولكن جهاز التليفون المجاور ظلّ صامتاً. خيّم سكون رهيب على قاعة الانتظار، وهتف ”عماد“:

- ماذا يجري في غرفة العمليات؟ لماذا لا نسمع أي خبر؟

فأجابته شقيقته:

- لو كانت هناك أخبار سيئة لوصلتنا منذ زمن.

- ولكن الطبيب قال لي إن العملية ستستغرق ست ساعات فقط.

- إن مثل هذه الأمور لا يمكن حتى الطبيب أن يسيطر عليها.

وعاد ”عماد“ يصلي من جديد. جوّ القاعة مشحون بالكآبة والخوف. ومضت ساعة أخرى، وأخرى، وشرعت أعصاب ”عماد“ بالانهيار. إنه يريد أن يصرخ، وأن يقتحم جناح غرفة العمليات، يريد أن يسمع خبراً ما...

وحوالي الساعة السابعة صباحاً، في لحظة من لحظات الإحساس بالضياع والشعور باليأس، وفيما كان ”عماد“ يقاوم النعاس الذي أخذ يدبّ إلى عينيه، رأى الجرّاح جـ... قادماً نحوه يلوح عليه التعب والجهد. فأسرع ”عماد“ إليه بلهفة، ولكن قبل أن يسأله عن زوجته قال الطبيب:

- إنها بخير، إنها بخير، أنا آسف أن العملية استغرقت 12 ساعة ولكنها بصحة جيدة... كان عليّ أن أكون حريصاً جداً لئلا يحدث للدماغ نزيف مخيف. لقد أزلت كل الورم، ولكن علينا أن نراقب نتائجه عن كثب.

ووجد ”عماد“ نفسه يركع في وسط القاعة بقلب شاكر لأب سماوي رحوم.

المجموعة: أيلول September 2006

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

663 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578055