كانون الأول (ديسمبر) 2007
ولادة الأطفال هي من الأحداث السارة، ولذلك يُقال في وقت الحَمْل إن الأم تنتظر حدثاً سعيداً. وعند الولادة يشترك الأقرباء والأصدقاء والجيران في الفرحة ويعبّرون عن شعورهم بتقديم الهدايا والعطايا كما حدث عند ولادة المعمدان (لوقا 18:1).
إن الطفل الذي سيدور حوله الحديث الآن هو طفل غير اعتيادي. فهو ربّ الأنام، ورئيس السلام، ومحقّق الأحلام - يسوع المسيح. فمع أنه كان طفلاً بكل معنى الكلمة فقد كان يختلف عن كل الأطفال، ولهذا خصص البشير متى فصلَيْن من إنجيله ليروي لنا قصة ولادته الفريدة. فإن كنا نفرح ونبتهج بولادة الأطفال العاديين فكم بالأحرى بولادة المسيح!
أولاً، وُلد المسيح من سلالة العظماء
يفتتح متى إنجيله بقوله: ”كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم“. وهذا يعني أن المسيح هو من سلالة ملكية لأن أمه كانت من سلالة الملك داود وكذلك يوسف. تقول كلمة الله أن يسوع هو الوريث الشرعي لعرش داود، ولذلك قال الملاك للعذراء في إنجيل لوقا أنه ”يجلس على كرسي (عرش) داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد“.
ثانياً، وُلد المسيح بتدخّل من السماء
وهذا واضح من ثلاث عبارات: روح الرب، وملاك الرب، واسم الرب.
بخصوص روح الرب يقول متى: ”لما كانت مريم أمه مخطوبة ليوسف وُجدت حبلى من الروح القدس“. وفي الحلم قيل ليوسف: إن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس“. فقد وُلد يسوع بفعل الروح ليشاركنا الطبيعة البشرية حتى بالروح القدس نفسه نشاركه نحن الطبيعة الإلهية بالولادة الثانية الروحية.
أما بخصوص ملاك الرب فقد ذكر الرسول متى أن الملاك ظهر ليوسف ما لا يقلّ عن أربع مرات. وقد لعب ملاك الرب دوراً بارزاً في بشارة العذراء وإعلان ولادة المسيح للرعاة وفي الإعراب عن فرحة السماء بولادة المخلص.
وأما اسم الرب فقد ورد بصورتين مختلفتين للإشارة إلى عمله وإلى شخصه:
الاسم الأول هو يسوع أي الرب يخلص،
والثاني هو عمانوئيل أي الله معنا.
نعم، وُلد المسيح بتدخّل من السماء لأنه من السماء ورب السماء.
ثالثاً، وُلد المسيح من مريم العذراء
يقول الرسول متى: ”قبل أن يجتمعا وُجدت حبلى من الروح القدس“. الأمر الذي أثار الشكوك عند يوسف وجعله يفكر بالتخلي عنها بصورة سرية. ولكن ظهور الملاك له حال دون ذلك. وبالمقارنة مع أقوال الأنبياء نفهم أن مريم حملت المسيح في أحشائها وهي عذراء. يقول إشعياء: ”ها العذراء تحبل“، ويقول إرمياء أن ”الرب صنع شيئاً حديثاً في الأرض: أنثى تحيط برجل“، أي تحيط به في أحشائها. فالشيء الحديث في الأرض هو الحبل العذراوي وإلا لما كان هناك شيء حديث. وكون المسيح مولوداً من عذراء يشير إلى أمرين هامين:
الأمر الأول هو أن المسيح كان معصوماً من الخطية. فلو أنه وُلد من أب وأم لما كان بلا خطية. ولأنه بلا خطية، وذلك بشهادة الرسل والأنبياء، استطاع أن يكون مخلصاً للخطاة.
الأمر الثاني هو أن ناسوت المسيح كامل. فإن ولادته من أم بدون أب لا يعني أن ناسوته ناقص. بالعكس، فقد كان كغيره من الأطفال ينمو في النعمة والقامة والحكمة، وقد تعلّم النجارة، واشتغل، وتعب، وتجرّب ولكنه لم يسقط في التجارب. زعم بعضهم أن يسوع كان خيالاً له شكل إنسان، وهذا أبعد ما يكون عن الحق.
فالذي قمطته مريم العذراء لم يكن خيالاً لأن الخيال لا يُقمّط.
والذي أضجعته العذراء في مذود لم يكن خيالاً لأن الخيال لا ينام.
والذي جاع وعطش وبكى لم يكن خيالاً لأن الخيال لا يعرف الجوع والعطش والدموع.
نعم، ظنّ التلاميذ مرة أنهم رأوا خيالاً لما ظهر لهم في الليل ولكن يسوع قال لهم: ”لا تخافوا إني أنا هو“. وفي مناسبة أخرى - بعد القيامة - ظهر لهم فخافوا وظنوا أنهم نظروا روحاً أو خيالاً فقال لهم: ”لماذا تخطر أفكار في قلوبكم؟“ ثم قال لهم: ”انظروا يديّ ورجليّ إني أنا هو. جسّوني وانظروا، فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي“. وزيادة في التأكيد سألهم: ”أعندكم ههنا طعام؟“ فأعطوه شيئاً من السمك المشوي وشهد العسل، فأخذ وأكل أمامهم“. كل ذلك ليؤكد لهم على ناسوته الكامل.
رابعاً، وُلد المسيح حسب أقوال الأنبياء
وإشعياء هو واحد منهم. يقول متى: ”وهذا كله كان ليتم ما قيل من الرب بالنبي القائل: ”هوذا العذراء تحبل...“.
هذه النبوة واردة في الأصحاح 7 من سفر إشعياء. وفي الأصحاح 2 من إنجيل متى. لما سأل هيرودس رجال الدين: ”أين يولد المسيح؟“ أجابوه: ”في بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبي...“ أي نبيّ؟ ميخا. فالنبي ميخا قال: ”وأنتِ يا بيت لحم أرض يهوذا لستِ الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منكِ يخرج مدبّر يرعى شعبي إسرائيل“. والواقع - كما يقول بطرس في أعمال الرسل - هو أن جميع الأنبياء (وليس فقط ميخا وإشعياء) يشهدون له بأن ”كل من يؤمن به ينال باسمه غفران الخطايا“. ودقة أقوال الأنبياء هي دليل صحة الكتاب المقدس. فالله هو الذي تكلم في الأنبياء لأنه ”لم تأتِ نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلم بها رجال الله القديسون مسوقين من الروح القدس“. وبما أن أقوال الأنبياء قد تمت بحذافيرها في مولد المسيح وحياته وموته وقيامته فلا شك أن كل النبوات ستتم في حينها لأن الله صادق كل الصدق.
نعم، وُلد المسيح من سلالة عظماء، وبتدخل من السماء، ومن مريم العذراء، وحسب أقوال الأنبياء، وأخيراً،
خامساً، وُلد يسوع لأجل الخلاص والفداء
قال الملاك ليوسف أن مريم ”ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع“ لماذا؟ ”لأنه يخلص شعبه من خطاياهم“. فإن مشكلة الإنسان هي الخطية والحلّ الوحيد لهذه المشكلة هو يسوع المسيح. فلا يخلّص إلا المخلّص. وليس مخلّص إلا يسوع. يقول بطرس في أعمال 12:4 ”وليس بأحد غيره الخلاص“. والخلاص يتم اختبارياً في حياة الفرد، ليس بالأعمال، والمال، والجمال، والنضال، والأقوال، بل بالإيمان الفعّال، بعمل المسيح الكامل على الصليب. والنتيجة هي غفران الخطايا والمصالحة مع الله.
أخي القارئ، هل اختبرت هذا الخلاص في حياتك؟ هل أنت متأكد من حياتك الأبدية؟ ليس المهم اسم كنيستك أو طائفتك أو تقاليدك أو تربيتك الدينية بل بالحري أن تتقابل مع المسيح بالإيمان. فالرب عمل ما عمل لأجل خير نفسك الخالدة. فهل تلجأ إليه الآن لنوال الحياة والغفران لكي يتحوّل هذا اليوم إلى يومٍ تاريخي في حياتك؟
ليت الرب يباركك...
وكل عام وأنت بخير!