شباط (فبراير) 2007
خالفت لبؤة أفريقية طبيعتها بتبنّيها ظبياً صغيراً لتغدق عليه مشاعر الحب والحنان الدافئ وذلك في غمرة احتفالات العالم بما يسمى بعيد الحب. وقد أعرب حراس محمية سامبورو الوطنية في كينيا عن دهشتهم لما يرونه من غرائب الطبيعة.
وأشار مصدر صحفيّ إلى أنّ تلك اللبؤة تبنت الظبي الجديد قبل أيام وأنها مازالت بجواره وهو بخير وفي أحسن حال، مضيفاً بأن أسوداً أخرى تحاول مهاجمتها لافتراس الظبي، لكن الحراس يقومون بحمايتهما، واللبؤة تعرف كيف تحمي الظبي بشكل جيّد.
عيد الحبّ، من الناس من قدّسه واعتبره مهماً جداً ومنهم من أطلق على من يحتفل به اسمَ وثني وكافر. وكثيراً ما ارتبط ذلك بالدافع، فالسيد كريم مثلاً وهو بائع زهور في حي راقٍ في مدينة تونس يصرّح قائلاً، "عيد الحب عيد حقيقيّ يختلف عن كل الأعياد." ولن يثير هذا عجبنا، فتجارته تزدهر في ذلك اليوم وتعوّض عن النقص في البيع طيلة السنة كلها!
وتنشغل وسائل الإعلام المقروءة والمرئية قبل عيد الحب بشهر في الدعايات لكل ما يجب شراؤه من قبل المحبّ "الصادق" للمحبوب، من الشوكولا، إلى الثياب، صعوداً في الكلفة إلى المجوهرات الثمينة التي هي بحسب رأيهم أعظم إثبات على عمق المحبة.
من أين أتى هذا العيد؟ وكيف تم اختيار توقيته؟
يُعتقد أن الطيور تبدأ في التزاوج في حوالي منتصف الشهر الثاني من السنة (14 شباط). وهذا ما تلمّح إليه كتابات أدبية كثيرة إنكليزية وفرنسية من العصور الوسطى. وقد يكون هذا سبباً في اختيار التوقيت.
لكن التاريخ يروي أن الإمبراطور كلوديوس لاحظ أن الذهاب إلى الحرب هو أصعب على المتزوجين البعيدين عن زوجاتهم وعائلاتهم مما هو على العازبين، ولذلك فقد منع كل الخطوبات والزواجات في روما. ولكن القس فالانتاين الذين كان يخدم في رومية في أيام كلوديوس الثاني لم يطع أمر الإمبراطور وإنما استمر في عقد قران المحبين سراً، وبسبب ذلك تم القبض عليه وجره أمام حاكم روما الذي حكم عليه بالضرب بالعصيّ حتى الموت ثم قطع رأسه وهكذا استشهد في الرابع عشر من شباط سنة 269. وكانت العادة أن يحتفل سكان روما في ذلك اليوم بعيد وثني فقرر عندها بعض القسس في روما جعل العيد رمزاً للحب تذكيراً بالقديس فالانتاين.
ومع أن الحب عاطفة مقدسة وضعها الله في قلب الإنسان ويمكن تبادلها بكل براءة بين الأهل والأصدقاء إلا أن كثيرين لا يفهمون من كلمة الحب إلا معنى واحداً وهو الحب المتبادل ما بين رجل وامرأة.
ويشدد الإنجيل على ضرورة المحبة وأهميتها، "الله محبة، ومن يثبت في المحبة، يثبت في الله والله فيه" (ا يوحنا 4: 16). وتتكرر الكلمة المترجمة محبة كثيراً في العهد الجديد ولكنها في اللغة الأصلية اليونانية قد تكون إحدى ثلاث كلمات مستخدمة:
1- المحبة التي تشير إلى الصداقة، وتشتق من الفعل "فيليئو"، الذي يظهر الميل لإنسان ما والإعجاب به، ويمكن أن تستخدم نحو الأشياء أيضاً، وبين جميع الناس بدون أن تتضمن أي تعبير جنسي.
2- المحبة التي تشير إلى الهوى والرغبة الجنسية "إروس" وما أكثر ما نسمع بهذه الكلمة ومشتقاتها في أيامنا. ومع أن الجنس هو عطية الله للمتزوجين إلا أن الشيطان كعادته يحاول تشويه كل جميل وتغيير استخدامه.
3- المحبة الباذلة التي تعطي نفسها من أجل المحبوب ويعبَّر عنها الفعل "أغابأو"، وهذه هي المحبة التي أحبنا المسيح بها والتي يريدنا أن نحبه بها ونحب أحدنا الآخر بها.
وإذا ربطنا هذه المفاهيم المتعددة بعيد الحب نجد بأن كثيرين يحاولون الاحتفال بالنوع الأول من المحبة، فنرى الأطفال الصغار يكتبون بطاقات صغيرة لرفاقهم في المدرسة محاولين تعداد ما يعجبهم فيهم، وكذلك الكبار أيضاً يحاولون إظهار ولائهم لأصدقائهم وزملاء العمل ربما بإرسال بطاقة في البريد العادي أو الإلكتروني.
ولكن الغريب العجيب هو أن نرى المراهقين الصغار مع كثيرين من الكبار يشعرون وكأن هذا اليوم هو يومهم مع أن محبتهم لا تنطوي تحت البند الأخير ولا الصداقة البريئة في الأول، وإنما بكل أسف إلى النوع الثاني من الشهوة الجامحة التي ترى العيد فرصة لحفلات خليعة وثياب مشينة وكأنه يوم للإباحية والفساد تحت اسم الحبّ.
والذي أحبّ أن أوضحه للمعترضين على العيد خوفاً من مجاراة المسيحيين أنه ليس عيداً مسيحياً كعيد الميلاد وعيد الفصح، وإن كان له فكرة مسيحية الأصل، ولكنه في الحقيقة ينطوي تحت الأعياد الاجتماعية كعيد الأم مثلا.
وقد نتساءل، ماذا إذاً؟ هل يحقّ أن نحتفل بعيد الحب؟ لم يعلن عيد الحب يوماً رسمياً إلا من قبل الملك هنري الثامن المعروف بعشقه لنساء كثيرات. وفي عام 1969 أصدر البابا بولس السادس قراراً برفعه من تقويم الكنيسة.
كيف يمكننا كمسيحيين أن نقبل أن تكون رمز العيد صورة كيوبيد، وهو طفل ذو جناحين ويحمل قوساً ونشاباً وهو إله الحب عند الأمة الوثنية الرومانية؟
لو كان للحب عيد، وسألتني ما هو اليوم الأمثل للاحتفال به؟ لقلت لك على الفور، إنه يوم الجمعة العظيمة، حين تجلت أسمى معاني الحب في موت المسيح الكفاري لأنه، "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يوحنا 15: 13).
لنحذر من مجاراة العالم في طرقه أو من الانجراف لعمل ما يعمله. من قال مثلاً إن الزهور الحمراء فقط ترمز للحب؟ لقد أضحى هذا اليوم سوقاً للورد الأحمر وضاعت الحقائق في ظلال الرموز. ومن الذي يحاول إقناعك بأن الشوكولا هو أعظم هدية إلا معامل إنتاج الشوكولا؟ وهل الطريقة المثلى ليظهر الرجل محبته لزوجته هي في تناولهما العشاء في مطعم في 14 شباط وإن كان ذلك يتطلّب الانتظار في الدور لمدة ساعتين؟
يقيني أنّ الحب حق لكل يوم، فالمحبة هي طريق حياة يجب أن نسلكه دائماً كما هو مكتوب، "اسلكوا في المحبة، كما أحبنا المسيح أيضاً وأسلم نفسه لأجلنا" (أفسس 5: 1). فلنقتفِ خطوات من أحبنا محبة مضحية. ولنظهر محبة صادقة مخلصة لكل الناس ونعبّر في كل يوم وليس في يوم واحد في السنة عن صدق محبتنا لكل من وضعهم الرب في محيطنا وخاصة شريك/ة الحياة.