كانون الثاني (يناير) 2007
نشأت وترعرعت في بيت مسيحي مؤمن حين كان والدي راعياً للكنيسة الإنجيلية بحدائق القبة بالقاهرة. فقد بدأ بخدمة تأسيسية في تلك المنطقة وخدم فيها لمدة ثلاثة وأربعين عاماً إلى أن توفى وهو ما زال في خدمة الرب هناك حتى عام 1973. ومنذ الصغر تعلمت مبادئ الحياة المسيحية من خلال الكتاب المقدس.
كان كل شيء على ما يرام، وكان إيماني قوياً إلى أن بلغت الخامسة عشر من عمري عندما أصيبت والدتي بمرض غريب احتار فيه الأطباء، نتج عن سقطة فوق السلالم أدت إلى ارتطام رأسها بشدة إلى الحائط. ومنذ تلك اللحظة تغيّر كل شيء؛ تدهورت حالتها تدريجياً إلى أن فقدت ذاكرتها، وهي لا تدري بما يجول حولها، ولا تعرف أياً منا. أصبحَتْ كالطفل طريحة الفراش تصيبها تشنجات تحتاج إلى أدوية مختلفة لحالة احتار الأطباء في تشخيصها .
أثار هذا الحادث فيّ استفسارات عدة فقدت بسببها إيماني بالله؛ إذ كيف يسمح الله بهذا المرض لوالدتي الحبيبة التي كنت محتاج إليها في تلك الفترة من نضوجي؟ كانت علاقتي بها حميمة جداً، فأحببتها حباً يفوق الوصف، وأحببت والدي الذي كان يخدم الله بكل أمانة وإيمان وطيد. لم أستطع أن أتخيّل كيف يسمح الله بذلك المرض لأحد أبنائه المخلصين.
عندئذ سألت والدي: لماذا يسمح الله بهذا وأنت تخدمه بكل أمانة؟
أجابني: لله قصد في هذا، مع أننا في بعض الأحيان لا نعرف مقاصده، لكن يجوز أنه يمتحن إيماننا. علينا أن نصلي وإذا أراد يستجيب.
طبعاً، لم يقنعني هذا الرد، لأني كنت أريد الشفاء لوالدتي بأي شكل من الأشكال.
أصبحنا نتناوب العناية بوالدتي ليتيسّر لكل منا أن يقضي احتياجاته سواء كانت في الدراسة أو في العمل. كنت أمعن النظر بوالدي، وهو يعظ من المنبر، وأشعر بالحيرة والشفقة عليه لأنه كان يعظ ويتكلم عن شخص غير موجود، ويعيش بالأحلام والتخيلات. فإن كان حقاً الله موجود وقادر على كل شيء كما يزعم هؤلاء المؤمنون لشفى والدتي! ومنذ ذلك الوقت، وقعت في حيرة وعدم إيمان - لكن بكتمان شديد، وهكذا أصبحت لا أؤمن بوجود الله!
مضى على مرض والدتي سبع سنوات ثم تدهورت حالتها جداً وتوفت عام 1967.
بعد أن تخرجت من كلية الطب تزوجت وأصبح عندي ثلاثة أولاد، لكنهم لم يعرفوا ما بداخلي من عدم إيمان. كانت زوجتي - وهي مؤمنة - تأخذ الأولاد إلى الكنيسة بانتظام، وأحياناً كنت أذهب معهم لمجرد مرافقتهم وتشجيعهم.
هاجرنا إلى أمريكا عام 1975، واجتزنا ظروفاً صعبة كسائر كل المهاجرين. كانت مواعيد عملي مرهقة، وتوجّب عليّ أن أثابر لأرتقي إلى المستوى الذي هاجرت لأجله.
كانت تردنا كل عام نشرات عن مؤتمرات في عدة مناطق من الولايات المتحدة، لكن لم يعرها أحد منا أي اهتمام حيث كنا منشغلين جميعاً بأمور الأولاد والعمل والمدارس.
في ربيع عام 1997، وصلتنا نشرة عن مؤتمر كنيسة بوسطن. وقد سبق أن قررنا وقتئذ كعائلة بأن نأخذ إجازة لعدة أيام في أوائل شهر يوليو - وهو نفس وقت المؤتمر - لأننا كنا جميعاً مرهقين ونحتاج إلى إجازة. وبما أن ابنتي الصغيرة كانت تدرس طب الأسنان في بوسطن، قررنا جميعاً أن نذهب إلى هناك لنقضي الإجازة معها.
ذكرت لي زوجتي عن المؤتمر الذي سينعقد في بوسطن، ورغبتْ أن نذهب إلى هناك ولو ليومين. وبعد مناقشة حامية بيننا، وافقت أخيراً أن نذهب في اليومين الأخيرين من إجازتنا.
حدث ونحن في الطائرة أن سألتني زوجتي: "لماذا لا نأخذ الأولاد ونذهب مباشرة إلى مقر المؤتمر؟" سئمت من سؤالها، واحتدّت بيننا مشاجرة قلت في نهايتها: "يمكنكِ أن تأخذي الأولاد إلى المؤتمر أما أنا فسأرجع إلى عملي، وعندما تتاح لنا فرصة أخرى للإجازة يمكننا أن نقوم بها معاً".
عندما وصلنا إلى سكن ابنتي، كنت مرهقاً للغاية حتى أنني من شدة الإعياء نمت على سجادة حجرة الجلوس حتى صباح اليوم التالي. وفي الصباح، قلت لزوجتي وللأولاد: "دعونا نذهب إلى المؤتمر". ففرحوا بذلك جداً، وهكذا وصلنا إلى هناك ثاني يوم المؤتمر.
في المؤتمر، التقينا بكثيرين من الأحباء والأقارب فكنا سعداء جداً معهم. وعندما حان موعد الاجتماع، لاحظت بأن الجوّ هناك يشوبه شيئاً غير عادي من الفرح والسعادة والسلام... شيئاً لم أكن معتاداً عليه. انبهرت بهذا الجوّ الغريب عليّ وشعرت بارتياح غير عادي.
كان المتكلم مساء اليوم التالي هو القس وسام خلف. عندما بدأ يتكلم عن عمل الصليب، تساءلت: "من هو هذا الشخص الذي يتكلم باللهجة اللبنانية؟!" فقرّرت أن أترك الاجتماع بعد عدة دقائق، لكنني بعد تلك اللحظة، لا أذكر شيئاً إلا وكأنني في حلم غريب لكنه لذيذ... كأنني في السحاب لا أرى شيئاً، غير أنني كنت أسمع صوت المتكلم وأرى السحب حولي وفي داخلي شيء يثور... وجدت نفسي أذرف الدموع بغزارة!!! لم أشعر بمرور الوقت إلا عندما بدأت الجموع تغادر المكان والقس وسام يحثهم على أن يتركوا المكان بهدوء... ثم طلب ممن يرغب في تسليم نفسه للرب أن ينتظر في المكان حتى يصلي معه.
في ذلك الوقت كبرت عليّ نفسي، إذ كيف أسمح لهذا الأمر أن يحدث لي. خرجت مع الجموع وبداخلي قوة غريبة تدفعني أن أدخل ثانية وأكون مع المصلين. أخيراً، وبعد صراع نفسي دخلت وجلست وحدي في مكان بعيد. وللمرة الثانية، شعرت بشيء وإذا بي في حالة كأنها غيبوبة أو حلم. صراع رهيب داخلي وكأن شيئاً يطرد شيئاً آخر من داخلي. مرة أخرى تدفّقت الدموع بغزارة من عينيّ واستمر هذا الشعور حوالي نصف ساعة تقريباً. خلال ذلك الوقت رأيت شكل مبنى يشبه كنيسة بيضاء اللون من الخارج يظهر ثم يختفي لعدة مرات. بعد ذلك شعرت بتحرّك الكراسي لأن باقي الإخوة بدأوا يغادرون القاعة.
خرجت سريعاً من باب خلفي إلى دورة المياه حيث قمت بغسل وجهي لكي لا يرى أحد دموعي. ثم التقيت بباقي أفراد عائلتي ومن بينهم امرأة كانت على قرابة بزوجتي. اقتربت مني وقالت لي: "إني أعرف ما حدث معك الآن وهو ذات الشيء الذي حدث معي منذ سنتين. إنني أرى ذلك على وجهك. اذهب وتكلم مع القس وسام واطلب منه أن يصلي معك".
وبالفعل تكلمت مع القس وسام فصلى معي، ثم أخذت منه رقم الهاتف لكي اتصل به. في تلك الليلة حدث تغيير غريب أيضاً مع عائلتي كلها، وحلّ السلام والفرح على كل واحد منهم.
عندما رجعنا إلى البيت تحدثنا عن التغيير الذي حدث معنا... ظهر هذا التغيير الشامل في حياة عائلتي كلها وبدأ كل منا يقرأ كتابه المقدس! لم يفارق التسبيح البيت... وتغيّرت البرامج التليفزيونية!
اتصلت ببعض الأصدقاء وبدأنا اجتماع صلاة في نفس الأسبوع. ثم اتصلت في نفس الوقت براعي الكنيسة التي بجوار منزلنا - وهى كنيسة بيضاء - وتكلمت معه بخصوص استخدام مبنى الكنيسة لاجتماعاتنا. رحّب هذا الراعي بالفكرة وعضدها وأعطانا مفتاح الكنيسة الرئيسي لاستخدامها مجاناً.
بعد أن تسجّلَت الكنيسة رسمياً في أغسطس 1997، افتتحناها باجتماعات تبشيرية وكان المتكلم الرئيسي فيها القس وسام خلف. بعدئذ بدأنا بالترتيبات للمؤتمر الأول للكنيسة المعروف بـ "يسوع على الشط".
التحقت بكلية لاهوت غير طائفية في فلوريدا، وتخرجت في عام 2001، ثم رُسمت ونُصّبت راعياً للكنيسة منذ ذلك الحين. اشترك في الرسامة القس منيس عبد النور، غير أني ما زلت أعمل كطبيب في عيادتي الخاصة بالإضافة إلى رعاية الكنيسة وخدمتها خدمة كاملة.
بعد أن قبلت الرب يسوع مخلصاً لي عمّ الخلاص كل البيت وأستطيع أن أقول: "أما أنا وبيتي فنعبد الرب".
أشكر إلهي المحب العظيم الذي سعى وراء خروفه الضال. إنني أشكر الله على نعمته المجانية في المسيح يسوع التي أعطتني تأكيد الخلاص الأبدي الذي لن يُنزع مني. نحن حالياً في السنة العاشرة للكنيسة والرب باركنا بركة غير عادية.
"لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية".