كانون الثاني (يناير) 2007
عمل أخآب بن عمري الشر في عيني الرب إله إسرائيل لإغاظته، فبنى في السامرة بيتاً للبعل وعمل سواري وبنى مذبحاً وعبد البعل إرضاء لزوجته إيزابل، التي كانت أكثر شراً منه. وقاد الشعب لعبادة البعل. وفي أثناء ملكه فاجأ نبي الله العظيم إيليا الملك أخآب بالقول: "حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه، إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" الأمر الذي أغضب الملك جداً وجعله يفكر في قرارة نفسه في قتل إيليا، فأمره الرب بالاختباء عند نهر كريت، وقد أمر الغربان أن تعوله. ثم جاءه الأمر ثانية أن يقوم ويذهب لصرفة التي لصيدون وقد أمر امرأة أرملة أن تعوله. ولما وصل إلى هناك وجد امرأة تقش عيداناً فطلب منها قليل ماء ثم كسرة خبز. فقالت له المرأة: ”حي هو الرب إلهك إنه ليست عندي كعكة، ولكن ملء كفٍّ من الدقيق في الكوّار، وقليل من الزيت في الكوز وهئنذا أقشّ عودين لآتي وأعمله لي ولابني لنأكله ثم نموت. فقال لها إيليا: لا تخافي. ادخلي واعملي كقولك، ولكن اعملي لي منها كعكة أولاً... لأنه هكذا قال الرب... إن كوّار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص، إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطراً على وجه الأرض“. وبعد تفكير لم يدم طويلاً قامت وفعلت كما قال لها إيليا.
أولاً: وضع صعب
ثانياً: طلب أثار في داخلها الصراع والحرب
ثالثاً: وعدٌ يفرّح القلب
أولاً: وضع صعب
لم تسقط الأمطار على الأرض لمدة ثلاث سنين وستة أشهر فلم يكن زرع ولا حصاد. يا له من أمر صعب لا يُحتمل!
ووضع المرأة كان أصعب لأنها أرملة وتعول أسرة بعد وفاة زوجها. وكل ما عندها هو كفّ من الدقيق في كوّار وقليل من الزيت في كوز لا يكفيان إلا لعمل كعكة واحدة لا تكاد تكفي لوجبة صغيرة لها ولابنها، بعدها سيكون الاثنان عرضة للموت جوعاً.
الجوع صعب جداً. وتظهر صعوباته في تصرفات بعض المؤمنين غير الحكيمة. فإبراهيم هرب من الجوع إلى مصر ولما عاد رجع ومعه هاجر التي جاء منها إسماعيل. وإسحاق هرب إلى أبيمالك ملك جرار والذي عانى من شعبه كثيراً فكان كلما حفر بئراً يطمره الفلسطينيون. وأليمالك ونعمي هربا من الجوع الذي كان في بيت لحم إلى أرض الموآبيين أرض النجاسة والأوثان.
فعل الجوع أكثر من ذلك إذ جعل البشر يأكلون أشياء لا تصلح للاستخدام الآدمي مثل رؤوس الحمير وزبل الحمام.. ووصل الأمر بالأم إلى ذبح ابنها وطبخه وأكله.
نعم، إنه أمر صعب لا يُحتمل.
ثانياً: طلب أثار في داخلها الصراع والحرب
عندما طلب منها إيليا أن تعمل له كعكة صغيرة أولاً بدأ في داخله صراع وحرب. أتفعل الخير لهذا الرجل ثم تعرّض نفسها وابنها للجوع والموت، أم تعمل لنفسها ولابنها ثم تهمل طلب هذا الرجل؟ لا شك أنها كانت تقول: أنا وابني أولاً ثم بعد ذلك الكارثة. ومرة أخرى تقول: لا إن فعل الخير أهم من الحياة.. وهكذا ظلت بين شدّ ومدّ حتى انتصر الخير أخيراً وكأنها كانت تعلم ما سيقوله الوحي "افعلوا الخير مع الجميع لا سيما لأهل الإيمان“. كانت تؤمن في قرارة نفسها أن الخير الذي تفعله هو من أجل إلهها. يا لها من امرأة عظيمة فاقت عظمتها أترابها وبني جنسها. امرأة تستحق المديح والثناء لكرمها بالرغم من أنها أرملة فقيرة تعول أسرة، ورغم الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد إذ يهدد الجوع كل الأرض بطولها وعرضها.
ثالثاً: وعد يفرّح القلب
قال إيليا للمرأة: اعملي لي منها كعكة صغيرة أولاً "لأنه هكذا قال الرب". يخيّل إليّ أن المرأة عندما سمعت هذه العبارة فرّغت قلبها من كل مشغولية، وعقلها من كل فكر، واقتربت بوجهها لتسمع ماذا قال الرب، فسمعت أحلى وأجمل وأثمن وعد: "كوّار الدقيق لا يفرغ، وكوز الزيت لا ينقص، إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطراً على وجه الأرض".
وعدٌ انشرح له صدرها، وملأت البسمة وجهها، وهتف له قلبها، فترنّمت بوحي من داخلها: "جعلت سروراً في قلبي أعظم من سرورهم".
أحبائي، إن الرب لا يتركنا عرضة للظروف والصدف لتفعل بنا ما تشاء، ولكنه يتداخل في ظروفنا فيبدّد آلامنا ويبدّل أحزاننا ويحوّل يأسنا إلى رجاء وأمل بطرق متعددة ومختلفة.
أختم بهذه الأقوال المقتبسة من أقوال آخرين:
- عدم الإيمان يرتبط بالموت: "نأكله ثم نموت". ولكن الإيمان مرتبط بالحياة.
- عدم الإيمان يضع ظروفنا بيننا وبين الله، أما الإيمان فيضع الله بيننا وبين ظروفنا.
- القليل بين يدي الرب خير من الكثير الذي بين أيدينا.