اذار (مارس) 2007
"اليابانيون يبكون للتخفيف من التوتر. الصراخُ وحدَه لم يعدْ يكفي. فقد صاروا يبكون بالدموع هذه الأيام للتخفيف من حدة التوتر." هذا ما جاء في أحد التقارير المنشورة في الصحيفة العربية. وتزعم مجلة داكابوا الشهرية التي تصدر في اليابان "أن البكاءَ بالدموع يُعطي المرء أكبرَ إحساسٍ بالراحة يمكنُ أن يعرفَه في حياته." ويمضي التقرير ليقول أيضاً بأنَّ اليابانيين المتعطشين للدموع لا يشعرون بالضرورة بالحزن، فالخبراء يقولون إنَّ التحوُّل إلى البكاء بالدموع يخفِّف من الإحساس بالضغوط. وفي استطلاعٍ للرأي أجرتْه صحيفة أساهي شمبيون ذكَرَ ربعُ مَنْ شارك فيه، وعددهم 1858 شخصاً، أنَّهم يشعرون بأنَّهم صاروا في حالةٍ أفضل بعد البكاء. وعلى الرغم من أن قسماً كبيراً من اليابانيين لا يزال ينظر بعين الازدراء للباكين من الرجال، فقد نُقل عن رجل في الرابعة والثلاثين من عمره قولُه أنَّه لا يثق في أيِّ إنسان لا يذرفُ الدموع في لحظةٍ مؤثرة ويرى أنَّه بليدُ الإحساس. وذكرت الصحيفة أنَّه يبدو أنَّ الرغبة الشديدة في البكاء تنبُع من غياب الإثارة في الحياة اليومية.
أما الدكتور جون رسكن الفيلسوف والناقد الإنكليزي فيقول: إنَّ مراقبةَ نمو الزرع وتفتُّحِ البراعم واستنشاقِ عبيرِ الحقول المحروثة لهي أمورٌ تجلِبُ السعادةَ لبني البشر. هذا الكلامُ أكَّدته دراسةٌ حديثة أجرتْها إحدى الجامعات بولاية تكساس الأمريكية، حيث ذكرت أنَّ أسرعَ طريق للخلاص من التوتر هو أن يلجأَ الإنسانُ إلى الطبيعة حيث الماء والهواء والخضرة. وإذا لم يكن ذلك ممكناً فعليه اقتناءُ لوحات فيها مناظرُ طبيعية يعلِّقها على جدران منزله كمناظر حديثة مزدهرة بالورود أو منظر للسماء أو لبحيرةٍ صافية. وقد أثبتتِ الدراسة أنَّ الإنسانَ يستطيع أن يتخلَّص من التوتر ويشعر بالاسترخاء عندما يتعرَّض لرؤية بعضِ عناصر الطبيعة أو عندما ينصتُ لأصواتها. كأنْ يسمعَ مثلاً حفيفَ الشجر أو شدوَ الطيور أو خريرَ المياه. كما أنَّ وجودَ نباتات الزينة في الأماكن التي فيها كمبيوتر أو هواتف متنقلة مهمٌّ جداً، حيث يؤدي وجودُها إلى الحدِّ من ذبذبات هذه الأجهزة التي تضرُّ بصحة الإنسان.
وأنت قارئي كيف تتلافى إيقاعَ الحياة السريع لهذا العصر الذي تعيش فيه والذي أدى فيه التوتر إلى زيادة الناقلات العصبية وخاصة الأدرينالين والنواردينالين لديك؟! وهذا ما يجعل الواحد منا متيقظاً بدرجة متزايدة ومشدودَ الأعصاب مع زيادة دقات القلب بحسب ما يقول الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة أستاذ الطب النفسي والأعصاب بكلية الطب بجامعة الأزهر. وينصح بالعودة إلى حضن الطبيعة بعيداً عن زخم الأجهزة ممَّا يبعث في الأوصال الاسترخاءَ والهدوء.
إنَّ الوسائل التي منحها اللهُ الخالق سبحانه وتعالى للإنسان لتكونَ بمثابةِ تفريغٍ أو تنفيس عن الضغوطات التي يعيش فيها من جرَّاء ظروف الحياة، لهي امتيازاتٌ جلّى جعلَها بحكم إرادته وتحتَ تصرُّفه. فللبكاءِ بالطبع فوائدُ كثيرة للجسد كما هو للنفس أيضاً. وكذلك اللجوءُ إلى الطبيعة والجلوس بين أحضانها والاستماع إلى أصواتها والتأمل بمفاتنها لهو المفرُّ المخلوق من أجل الإنسان وراحته. ولكن، إذا كان اللجوءُ إلى الطبيعة التي وصفها صاحب المزامير في الكتاب المقدس بأنَّها "تحدِّث بمجدِ الله وتخبر بعمل يديه"، يمنح الإنسان شيئاً من الراحة والاسترخاء، فلماذا لا نأتي إلى ربِّ هذه الطبيعة وصانعنا نحن، بكل ما يضايقنا ويزعجُنا ويؤلمنا يا ترى؟ فهل جرَّبت صديقي أن تأتي إلى خالق هذه الطبيعة الخلابة؟ وهل توجَّهتَ إليه يوماً وشاركته بكلِّ ما في قلبك من شؤونٍ وشجون؟ الله الذي خلق كلَّ شيء من أجل الإنسان يهتم بنا جميعاً ويحبنا وهو "عن كل واحد منا ليس بعيداً." كما فاه بولس الرسول يوماً في عظته المشهورة في وسط آريوس باغوس.
ربَّما تغيرت وسائلُ الحياة وصارت أكثرَ تعقيداً من ذي قبل، لكن هذا لا يعني أنَّ الأقدمين لم يمرُّوا أو يشعروا بضغوطاتِ الحياة أيضاً. حتى إنَّ رجال الله في القديم دوَّنوا لنا في الكتاب المقدس الثمين اختباراتِهم وتكلَّموا عن مشاعرهم وسكَبوا شكواهم. ومنهم مَنْ دوَّن أحاسيسَه ومشاعرَه الفيَّاضة بألمٍ ودموع. فقال مثلاً عبدُ الرب داود في إحدى تجاربه: ”اجعل دموعي في زقّك“ (مزمور 56:8ب).
وفي مزموره السادس قال أيضاً: "ارحمني يا رب لأني ضعيف. اشفني يا رب لأن عظامي قد رجفت. ونفسي قد ارتاعت جداً. عُدْ يا رب نجِّ نفسي خلصني من أجل رحمتك... تعبتُ في تنهدي. أعوِّم في كل ليلة سريري بدموعي أذوِّبُ فراشي... لأنَّ الرب قد سمع صوت بكائي، سمع الرب تضرعي، الرب يقبل صلاتي".
ليس فقط عندما شعر بالخوف والتوتر والضغوط عليه من كل ناحية، كتب داود هذه الكلمات، لكن عندما استجاب الله لصلاته وأنقذه من يد شاول الملك الذي كان يطارده فاهَ بنشيدٍ جميل يعبِّر فيه عن امتنانه وشكره ومحبته للرب سامع الصلاة فقال: ”أحبك يا رب يا قوتي. الرب صخرتي وحصني ومنقذي، إلهي صخرتي به أحتمي. ترسي وقرن خلاصي وملجأي... اكتنفتني حبال الموت، وسيول الهلاك أفزعتني.... في ضيقي دعوت الرب وإلى إلهي صرخت. فسمع من هيكله صوتي وصراخي دخل أذنيه“ (مزمور 18).
وكما اختبر النبي داود الرب وتيقنَ بأنه سندُه ومِجَنُّه وترسُه وقوته وصخرته، الإله الحي الحقيقي الذي لجأ إليه في ساعات الضيق والتوتر، هكذا الآن لا يزال الكثيرون في عصرنا هذا من كافة الطوائف والأديان والأجناس، يختبرون وفي كل يوم ودقيقة هذه الحقيقة بأنَّ الرب قريبٌ وهو عن كل واحد منا ليس بعيدا. ليس في وقت الصعوبات والتوترات والضغوطات فحسب، بل عندما يحسُّ المرء منا بثقل خطاياه فيجلسُ يعاني من تبكيت الضمير إزاء ما يرتكبه من حماقات وآثام. إليك يا قارئي العزيز ما فاه به النبي نفسه أيضاً حين شعر بذنبه، قال: ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك امحُ معاصيّ. اغسلني كثيرا من إثمي ومن خطيتي طهِّرني. لأني عارف بمعاصيّ وخطيتي أمامي دائماً... طهِّرني بالزوفا فأطهرَ. اغسلني فأبيضّ أكثر من الثلج. أسمعني سروراً وفرحاً فتبتهجَ عظامٌ سحقتها. استرْ وجهك عن خطاياي وامحُ كل آثامي“ (مزمور 51).
لقد مدَّ اللهُ الخالق يده الحنونة إلى كلٍّ منا، فدبَّر لنا خلاصاً أبدياً وغفراناً أكيداً عن طريق الفدية الكاملة التي قدمها على الصليب من أجلي أنا، ومن أجلك أنت، ومن أجل كل البشر. وعن طريق هذه الذبيحة الكاملة على الصليب التي قام بها الربُ يسوع المسيح، يسترُ الله وجهه عن خطايا الإنسان إذا أتى إليه تائباً ومعترفاً بها كما فعل داود النبي. فهل تريد أن تتخلَّص من ثقل خطاياك الذي يسبِّب لك توتراً داخلياً لا تريد الإفصاح عنه في أحيان كثيرة؟ لكنَّك إذا أفصحتَ فأنت الرابح الوحيد، وإن لم تفصحْ فأنتَ الخاسر الأكبر. لأنَّ البكاء والاسترخاء يبقيان حلَّين مؤقتين بانتظارِ التغييرِ الجذري في أعماق النفسِ البشرية. وهذا لا يؤتيه إلاَّ الوسيطُ الوحيد بين الله والإنسان الربُ يسوع المسيح. فهل تثق فيه وبعمله الكفاري من أجلك؟ هنا يكمن بيتُ القصيد. عندها تبدأ شركتُك اليومية معه تعالى، فتسلم له يومك، من أوَّله إلى آخره، وسترى كيف سيمنحك قوةً في داخلك لكي تواجه فيها صعوبات اليوم وضغوطات الحياة وتوترات العصر وستعرف كيف تتعامل مع إيقاعِ العصرِ السريع.