Voice of Preaching the Gospel

vopg

اذار (مارس) 2007

ما هو مقياس قيمنا الاجتماعية؟

وهل هناك قيم ثابتة نعتمدها في حياتنا اليومية في مجتمع غلبت عليه التحولات المتلاحقة؟

وكيف يمكننا أن نحدد موقفنا من التطوّرات الطارئة التي قلبت مفاهيمنا الاجتماعية؟ وأكثر من ذلك،

هل قيم الأمس هي ذاتها قيم اليوم أم أن محتواها الديني والاجتماعي والأخلاقي قد اعترته التغييرات الجذرية فأصبح ما كان مقبولاً في الماضي مرفوضاً في الحاضر؟

 

وماذا عن قيم المستقبل؟

هل يصيبها التبديل كما أصاب قيمنا المعاصرة؟

ما هي المعايير التي يجب أن نلجأ إليها في بناء صرح مجتمعنا المتحوّل؟

ثم هل قيمنا المعاصرة أفضل من قيم آبائنا في تقاليدهم وعاداتهم؟

وهل الأعراف الاجتماعية السائدة اليوم خير من أعراف أسلافنا؟

وهل القيم شيء نسبي؟

إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب منا دراسة موضوعية دقيقة وافية يتعذّر معالجتها في صفحتين أو ثلاثة، ولهذا سأقتصر حديثي في هذه العجالة على قضيتين بارزتين هما في صلب هذا البحث:

أولاهما علاقة القيم الاجتماعية كما نمارسها كمسيحيين بإيماننا المسيحي.

وثانيهما ثبات هذه القيم واستمراريتها على الرغم من مظاهر التغيّر والتطوّر.

تتضمن القيم مفهوماً أخلاقياً له تأثيره العميق في صياغة المجتمع وتحديد هويته. فالقيم الدينية مثلاً لها صيغتها التي يصطبغ بها المجتمع الديني مما تميّزه عن المجتمع المدني أو اللاديني. والقيم الرأسمالية تختلف في فلسفتها ومحتواها عن القيم الاشتراكية، وتشكل في مجموعاتها مجتمعات متباينة النظرات والأساليب. ولكي نكون أكثر تحديداً أريد أن أتناول قيمة المحبة المسيحية التي هي في جوهر العقيدة المسيحية.

المحبة

المحبة قيمة روحية واجتماعية لأنها ترتبط في المسيحية بالحب الإلهي من حيث أن الله هو مصدرها وقوتها، ”لأنه هكذا أحب الله العالم...“ وليس لأنه هكذا أحب العالم الله. فالبذل والعطاء والتضحية التي تجسدت في شخص المسيح هي من خصائص هذه المحبة. ومن حيث أن مصدرها هو الله فهي ذات خاصة روحية.

كان في الإمكان أن تظل هذه الخاصة متقوقعة في إطارها الروحي لو لم يخلق الله الإنسان على صورته ومثاله لتنعكس عليه ظلال هذه المحبة فتكون التعبير الأسمى لما يكنه قلب الله عن حبٍّ لامنتاهٍ. إن هذا الحب أشبه بجوهرة تكمن قيمتها في ذاتها، غير أن هذه الجوهرة لا قيمة لها إن بقيت مدفونة في أعماق الأرض. وهكذا لو لم يخلق الله الإنسان ويغدق عليه فيض محبته لظلت هذه المحبة مطوية في ذات الله لا نعرف عنها شيئاً. لكن الله في عملية الخلق المدهشة، عندما اقتضت الحاجة لإعلان هذه المحبة، جسّدها بصورة تاريخية حية لا مثيل لها في سجل الأديان السابقة واللاحقة؛ فانكشف لنا مضمونها الروحي في شخص المسيح على الصليب وأسفرت عن مفهوم جديد للحرية والخلاص. لهذا جاءت تتمة الآية ”حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“. أي إن المحبة الإلهية هي حياة.

غير أن هذا البعد الروحي مرتبط في مضمونه وموضوعه بالبعد الإنساني. فالمؤمن المسيحي الذي تذوّق معنى المحبة الإلهية واختبرها في حياته يدرك أن قيمتها مرتهنة بمصدرها، وأن عليه أن يعكس هذه القيمة في حياته وتصرفاته من خلال علاقاته مع الآخرين. لأن مغزى كل قيمة وعظمتها على صعيد إنساني هما في فاعليتها وتأثيرها على الأفراد والجماعات. ولا شك أن الرسول يوحنا قد تبيّن صحة هذه العلاقة وضرورتها فقال:

إن محبتنا لإخوتنا تبين لنا أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة. فالذي لا يحب إخوته فهو باق في الموت... وقياس المحبة هو العمل الذي قام به المسيح إذ بذل حياته لأجلنا. فعلينا نحن أيضاً أن نبذل حياتنا لأجل إخوتنا (راجع 1يوحنا 14:3 و16).

أي إن هذه القيمة الروحية يجب أن تتحوّل إلى قيمة عملية ذات طاقات يتعذّر حصرها ولا سيما حين تسمو إلى المستوى المثالي كمحبة العدو كما حثّ عليها المسيح نفسه. وما ينطبق على قيمة المحبة ينطبق على القيم الاجتماعية الأخرى التي يمارسها المسيحيون بمقدار علاقتها بالله.

أما ثبات القيم واستمراريتها فهما متعلقان بمصدرها. إن قيمنا المسيحية بأجمعها منبثقة عن الله. والله ثابت أبدي وبالتالي فإن قيمه ثابتة تصمد أمام جميع التغيرات والتطورات. قد يطرأ تحوّل على الظروف أو الأجواء التي يعيش فيها المرء، أو قد تتبدّل بعض التقاليد والعادات فتختلف أساليب التعبير عن هذه القيم، ولكن القيم نفسها لا تتبدل في جوهرها ولا تفقد أصالتها. فعلى سبيل المثال نشير إلى القيم الاجتماعية والروحية والأخلاقية التي تتضمنها الوصايا العشر. فعلى الرغم من التقدم العلمي، ونمو الحضارات وثراء الفكر، فإن قيم هذه الوصايا ما برحت تحتفظ بجوهرها وأهميتها حتى في الأعراف القانونية. فالخيانة الزوجية مدعاة للطلاق، والكذب المذموم والسرقة يُعاقب عليهما القانون، والتعدي جزاؤه العقاب، والقتل يستوجب حكم الموت، إلخ... وهذا لا يتوقف على شريعة دولة دون دولة، فالأنظمة الرأسمالية تماثل في مفاهيمها الشرعية لهذه القيم للأنظمة الشيوعية وأحكام المجتمع الأتوقراطي. قد يعبر كل نظام عن أحكامه بأسلوب يختلف عن الآخر ولكنها جميعها تتفق على صحة هذه القيم وثباتها واستمراريتها لأن مصدرها هو الثابت الأزلي، أي الله.

المجموعة: 200703

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

171 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11576869