نيسان (إبريل) 2008
حدث تطور مثير في البحث اللاهوتي الحديث وهو أن الغالبية العظمى من الباحثين المنتقدين المعاصرين تظهر بأنها تدعم إلى درجة ما على الأقل وجهة النظر القائلة بأن يسوع دُفن في قبر وبعد ذلك وجد القبر فارغاً. أحب أن أعدد بعضاً من أكثر من عشرين حجة تم بناؤها لدعم حقيقة القبر الفارغ.
1- الحجج الرئيسية عن القبر الفارغ
ربما أقوى الحجج تتعلق في تفضيل القبر الفارغ لموقعه والأحداث المحيطة به. تُجمِع أحداث الإنجيل على أن يسوع دُفن في قبر موجود في أورشليم. وقليلون هم النقاد الذين ينكرون ذلك ويعتقدون بأن يسوع مات ودُفن في المدينة. وتوافق الأغلبية أيضاً على أن مواعظ المسيحيين الأوائل جرت هناك، وقادت إلى ولادة الكنيسة. ولكن، لو لم يكن القبر فارغاً لتم دحض الوعظ المسيحي المبكر في الحال.
كيف سيكون الوعظ مؤثراً - بأن يسوع قد قام من الموت - إذا كان الجسد المنتن يفضح حقيقة الرسالة بكل وضوح؟ فالكشف عن الجسد يدحض المسيحية ورسالتها قبل أن تنطلق. وهكذا، إن لم يكن القبر فارغاً فإن أورشليم ستكون المكان الأخير الذي ستحظى فيه التعاليم المسيحية المبكرة بموطئ قدم. وبمجرد مشوار إلى القبر - في يوم الأحد - سيسوّى الأمر كله بطريقة أو بأخرى. ربما يُختلق جواب يفترض أنه ربما كان الجسد في القبر، ولكن بعد مدة قليلة، لم يمكن التعرّف عليه لأنه يكون قد أنتن. أو إن كان القبر لا يزال مغلقاً ولم يُفتح للتحري على ما فيه. ولكن هذه الأسئلة تفوتها تماماً الحجة الرئيسية للوعظ المسيحي بأن القبر فارغ. لذلك لو وجد في قبر يسوع أي إنسان - يسوع أو غيره - أو لو كان القبر مغلقاً، هذا سيتناقض مع التعليم القائل بأن القبر كان فارغاً، وسينتشر الخبر في أورشليم بسرعة رهيبة.
إن الحجة الدامغة في دعم أحداث الإنجيل هو المواقفة الجماعية على أن النساء كن أول شاهدات على القبر الفارغ. ومع أنه ليس صحيحاً تماماً أنه لم يُسمَح للنساء بالشهادة في قاعة المحكمة فإنه من الواضحأنه وجد تحيّز ضد شهادة النساء في الأمور الهامة. وتؤكد أحداث الإنجيل على إعلانها بأن النساء كن الشاهدات اللامعات للقبر الفارغ بدون مسايرة لذلك الموقف الشائع. ولكن لماذا يسلط هؤلاء الكتاب النور على شهادة المرأة إن لم تكن النساء فعلاً أول المكتشفين لتلك الحقيقة؟ إن عملاً كهذا سيضعف من حالتهم بشكل مهم في أعين السامعين. وإن درسنا هذه الحالة في فلسطين وفي القرن الأول الميلادي فإننا لن نستنتج سوى أن كتّاب الأناجيل كانوا مقتنعين تماماً بأن النساء قد اكتشفن القبر الفارغ. لقد اهتموا بأن يعلنوا الحق أكثر من تجنب الانتقاد. وهذه الحجة معروفة بشكل واسع قلما يتحداها الباحثون، وهذا ما يشهد لقوتها.
مع كون الأحداث المدوّنة في الأناجيل عن القبر الفارغ قد أتت متأخرة زمنياً عن كتابات بولس، فالجدير بالملاحظة هو أن كثيرين يشهدون للقبر الفارغ. بكلام آخر، مهما اختلفت وجهات نظر الإنسان الرئيسية لمصادر الإناجيل، فإن حوارات القبر الفارغ تنجم عن أكثر من مصدر. وفي الحقيقة يعتقد العلماء أنه يمكن أن يوجد ثلاثة أو أربعة تقاليد في الأناجيل، تزيد بشكل ملحوظ من احتمالية كون تقارير القيامة مبكرة وتاريخية أيضاً. أظن أن هذه بالإضافة إلى موقعه في أورشليم وشهادة النساء هي أقوى الحجج في دعم القبر الفارغ.
يظهر أن كثيرين من العلماء المعاصرين يوافقون علىأن بولس مع أنه لم يذكر القبر الفارغ فإن التقليد المبكر الذي أخبر هذا الرسول الآخرين به في 1كورنثوس 15: 3-4 يفترض قبراً فارغاً. وينتقل في سرده لمحتوى الإنجيل من موت يسوع إلى دفنه ثم إلى قيامته من الموت وظهوراته. هذا التتابع مهما تغير شكله يشير بقوة إلى أن جسد يسوع الذي مات ودفن هو نفسه الذي قام به فيما بعد. وهكذا فإن من وُضع في الأرض هو نفسه الذي قام. وباختصار، من نزل هو أيضاً صعد، وينجم عن هذه العملية خلو القبر الذي دُفن فيه المسيح.
يقرّ كثيرون من العلماء أيضاً أن أعمال الرسل 13 قد يحوي تقليداً آخر، وهو سجل لعظة مبكرة يحتويه سفر كُتِبَ في وقت لاحق. ونجد هذا التقرير المنسوب إلى بولس في أعمال الرسل 13: 29-31، 36-37، ويعلّم بوضوح بأنه تم وضع جسد يسوع في القبر. ثم بعد ذلك قام وظهر لأتباعه بدون أن يتعرّض جسده لأي فساد. وإن كان الأمر كذلك فإن أمامنا نصاً يقرّ فيه بولس بالقبر الفارغ بشكل أقوى لأن يسوع ظهر ولم يتعرّض جسده لأي فساد.
لقد حاول قادة اليهود على مدى قرنين تقريباً أن يفسروا أن قبر يسوع كان فارغاً لأن تلاميذه سرقوا جسده بحسب التقارير الواردة في متى 28: 11-15، وبحسب ما نُقل عن يوستنيانوس الشهيد وترتليانوس. وهذا يعني أنه حتى حكام اليهود أنفسهم قد اعترفوا بحقيقة اختفاء جسد يسوع! ومع ذلك، فإنه حتى المشككين أنفسهم يدركون بأن الشرح الذي قدّمه قادة اليهود ضعيف جداً. فلو سرق تلاميذ يسوع جسده، فكيف يمكننا أن نفسّر ذلك التغيير العجيب الذي أدّى إلى ترك عائلاتهم وأعمالهم لسنين، والتضحية بصحتهم وسلامتهم، كل ذلك لتتم مطاردتهم لعقود في أرجاء الإمبراطورية الرومانية لمجرد أنهم قدّموا رسالة يعرفون بكل وضوح أنها قصة خرافية؟ وأكثر من ذلك، كيف يمكننا أن نفسّر استعدادهم للموت من أجل ما عرفوا أنه ادعاء كاذب عن قيامة يسوع؟ وأيضاً، كيف يسمح لنا هذا الاستنتاج بأن نفسر التغيير الذي حصل ليعقوب، وهو أخ ليسوع، الذي سبق فرفض رسالته من قبل؟ وكذلك ليس لدينا أي سبب مقنع لتغيُّر بولس من اليهودية. هل كل هذا من أجل تقديم قصة بديلة اتضح بسهولة أنها غير مقنعة، حتى قادة اليهود أنفسهم اعترفوا بالقبر الفارغ!
يجب أن نقول شيئاً عن أطروحة البحث التي قام بها ن. ت. رايت N.T. Wright وآخرون. فإنه في العالم القديم سواء كان وثنياً، أم يهودياً أم مسيحياً- كانت الكتابات التي ترجع حتى إلى القرن الثاني الميلادي تتفق تماماً مع تعريف القيامة الدقيق بأنها حركة لظاهرة جسدية. فقد سادت هذه النظرة القديمة بشكل شامل بأن الإقامة من الموت هي أمر- إن حدث - فإنه يحدث للجسد فقط. إذاً، كان لها هذا المفهوم نفسه في كل تعليم العهد القديم، وفي أحداث الإنجيل، وفي كتابات بولس وباقي تعليم العهد الجديد عن يسوع. كل هذا يشير بأن قيامة يسوع قيامة جسدية، واستلزمت قبراً فارغاً.
خاتمة
هذه بعض الأسباب التي لأجلها يدرك معظم العلماء المعاصرون حقيقة القبر الفارغ. ويمكن تأمين بعض الحجج الأخرى أيضاً كذلك. لذلك يستنتج المؤرخ مايكل غرانت بأنه "لا يمكن للمؤرخ... أن يكون عادلاً وينكر القبر الفارغ"، لأنه إن طبقنا نفس المقياس التاريخي الذي نستخدمه في أماكن أخرى "فإن الدليل قاطع وممكن ويكفي للاستنتاج بأن القبر كان بالحقيقة فارغاً."
يبدو أنه صعب جداً تجنّب هذا الاستنتاج في ضوء هذه الحجج التي قدمناها. يشير التطبيق العمليّ للقوانين التاريخية عن المعلومات المختلفة بأن قبر يسوع وجد بالحقيقة فارغاً بعد فترة قصيرة من موته.