نيسان (إبريل) 2008
المسيح شخص فريد في موته
أولاً: تكلم الأنبياء مراراً كثيرة، قبل مجيئه بمئات السنين، عن موت المسيح لأجلنا، أولاً بالرموز، ثم بالإعلانات الصريحة
1- من جهة الرموز فهي بدأت بمجرد سقوط الإنسان في الخطيئة، إذ ظهر عاره وعريه وفشله في علاج المشكلة. عندئذ ”صنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما“ (تكوين 21:3)، وهذه الأقمصة جاءت من جلد حيوان بريء ذُبح خصيصاً من أجلهما.
ثم بعد ذلك نتعلم عن هابيل الذي قدّم ذبيحة ”من أبكار غنمه وسمانها، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه“ (تكوين 4:4). ثم في الكبش الذي رآه إبراهيم ممسكاً في الغابة بقرنيه، فقدّمه عوضاً عن ابنه (تكوين 13:22).
ونرى رمزاً واضحاً في خروف الفصح الذي قال عنه الرب: ”أرى الدم وأعبر عنكم“ (خروج 13:12). ولا يسعنا المجال أن نتكلم عن كل الذبائح التي ذُكرت في العهد القديم، فلم تكن كلها إلا رمزاً لموت المسيح لأجلنا، لذلك حين رأى يوحنا المعمدان يسوع المسيح مُقبلاً نحوه قال: ”هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم“ (يوحنا 29:1).
2- أما من جهة النبوءات فيكفي أن نشير إلى ما قاله بعض الأنبياء:
أ) فداود في المزامير تنبأ عن موت المسيح وأنهم سيثقبون يديه ورجليه (مزمور 16:22)، ويقتسمون ثيابه بينهم وعلى ملابسه يلقون قرعة (عدد 18)، وأنه في عطشه يسقونه خلاً (مزمور 21:69). وهذا كله تمّ عند موته على الصليب كما نتعلم من الأناجيل الأربعة.
ب) وإشعياء قال عنه: ”وهو مجروح لأجل معاصينا. مسحوق لأجل آثامنا... كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه والرب وضع عليه إثم جميعنا... كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه... جعل نفسه ذبيحة إثم... سكب للموت نفسه وأُحصي مع أثمة وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين“ (إشعياء 53).
ثانياً، المسيح شخص فريد في موته إذ كان يعرف كل ما سيحدث مقدماً
لذلك أخبر تلاميذه مراراً عن موته وكيفية حدوثه. فقال لهم إنه سوف ”يُسلَّم إلى أيدي رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت، ويسلمونه للأمم (أي الرومان) لكي يهزأوا به ويجلدوه ويصلبوه وفي اليوم الثالث يقوم“
(متى 18:20-19). وقال أنه أتى لكي يبذل نفسه فدية عن كثيرين (متى 29:20؛ متى 21:16؛ 22:17-23؛ مرقس 31:8؛ 31:9؛ 33:10-34؛ وهناك آيات أخرى كثيرة تدل على أن المسيح كان عالِماً بكل ما يأتي عليه. كما جاء في يوحنا 4:18-6 ”فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو... فلما قال لهم: إني أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض“.
ثالثاً: هو فريد في موته لأن موته لم يكن هزيمة، بل هو جاء لهذا الهدف عينه، فمات طواعية وباختياره إذ لم تكن هناك طريقة أخرى لخلاصنا.
قال: ”أنا هو الراعي الصالح، والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف“ (يوحنا 11:10). وقال أيضاً: ”لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي [أي أموت] لآخذها أيضاً [أي أقوم من الموت]. ليس أحد يأخذها مني، بل أنا أضعها من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضاً. هذه الوصية قبلتها من أبي“ (يوحنا 17:10-18). بلا شك، المسيح شخص فريد في موته، ونقول بكل يقين: ”ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه“ (يوحنا 13:15).
المسيح شخص فريد في قيامته
كما تنبأ المسيح عن موته تنبأ عن قيامته وأنها تكون في اليوم الثالث كما جاء في الآيات التي اقتبسناها. ذات مرة ذهب المسيح إلى الهيكل ”ووجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً، والصيارف جلوساً. فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم والبقر، وكبّ دراهم الصيارف وقلّب موائدهم.. فأجاب اليهود وقالوا له: أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟ أجاب يسوع وقال لهم: انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه... وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده“ (يوحنا 14:2-21). حقاً ما أعجبها من كلمات! قال لهم أنهم هم يقتلونه وهو يقيم نفسه من الموت في اليوم الثالث! إن هذا يدلّ بكل وضوح على أن المسيح ليس مجرد نبي أو رسول. فأي نبي يمكنه أن يقول كلاماً مثل هذا للأعداء؟! فإن كنا ندهش من المعجزات التي صنعها المسيح في حياته ومنها الإقامة من الموت، فما أعجب أنه في موته يقيم نفسه في الموعد الذي حدده هو. إننا نجثو خشوعاً إزاء هذا كله ونقول كما قال توما: ”ربي وإلهي“.
المسيح شخص فريد في صعوده إلى السماء
تكلم المسيح مقدَّماً عن صعوده إلى السماء، فقال في يوحنا 62:6 ”فإن رأيتم ابن الإنسان صاعداً إلى حيث كان أولاً“. ونحن نعرف من الآيات الأولى في إنجيل يوحنا أين كان المسيح قبل مجيئه إلى هذه الأرض. إذ يقول في يوحنا 1:1-2 ”في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله“. وبعد قيامته من بين الأموات قال لمريم: ”اذهبي إلى إخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم“ (يوحنا 17:20). وبعد قيامته ولمدة أربعين يوماً كان يظهر لتلاميذه ”الذين أراهم أيضاً نفسه حياً ببراهين كثيرة، بعد ما تألم، وهو يظهر لهم أربعين يوماً، ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله“ (أعمال 3:1) وأوصاهم قائلاً: ”ولكنكم ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض. ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض، وقالا: أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء“ (أعمال 8:1-11). وهذا هو رجاؤنا المبارك!!!
نعم، يا له من شخص فريد هو موضوع الكتاب المقدس كله. فريد في ولادته وطفولته وصباه. فريد في حياته ومماته، وفي قيامته وصعوده إلى السماء، إذ مضى ليعدّ لنا مكاناً وسيأتي ليأخذنا لنكون معه كل حين. وإلى ذلك الوقت هو عن يمين الله يشفع فينا.
له منا كل حمد وسجود، آمين.