Voice of Preaching the Gospel

vopg

نيسان (إبريل) 2008

نشير بداية إلى أن صليبَ المسيح وقيامتَهُ من بين الأموات وما تبعهما من أحداث، هي أحداث جلية وثابتة، لا سبيل فيها للاجتهاد، ولا تحتمل الظن أو الإبهام، ويكفي أن نذكر أنها مدعومة بوضوح من آيات الوحي سواء في أسفار التوراة السابقة لميلاد المسيح أو أسفار الإنجيل، ولم تواجه في التاريخ بأي تناقضٍ أو خلاف في التفسير، فهي من ثوابت  العقيدة التي أجمعت عليها جميع الطوائف المسيحية بلا استثناء.

 

     فعندما نتحدَّث عن الصليب أو القيامة نحن نتحدَّث عن وقائع موثقة بوثائق نبوية سبقت ميلاد المسيح وأنبأت بكلّ ما يتعلق بحياته ورسالته من ميلاده إلى لحظة صعوده إلى السماء أمام تلاميذه  وفي وضحٍ من النهار. فليست هناك مشكلة في إثبات ما نؤمن به بخصوص صليب المسيح وقيامته ولا يحق لأي كان أن ينقض أو يلغي ما نستند عليه من عقيدة.

وها نحن نحتفل في هذه الأيام بعيد القيامة، ولديّ هنا الملاحظات التالية:

أولاً:  من الملاحظ أن الأناجيل الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا التي تشكِّل كامل إنجيل المسيح، جميعها تشهد لأحداث الصلب، وجميعها تلقي الضوء على حدث القيامة بتفاصيله الدقيقة.

بعد الأناجيل الأربعة يأتي سفر أعمال الرسل، وما تبعه من أسفار الوحي، وهذه جميعها أيضاً تشهد وتؤكد على صحة الأحداث الخاصة  بالصليب  وبالقيامة،  وتلقي مزيداً من الضوء على معنى الصليب، ولماذا صلب المسيح، وعلى القيامة، وما تعنيه قيامة المسيح في عمق العقيدة المسيحية. فمسيحياً الأمور واضحة لا لبس فيها، ونتمنى أن تكون كذلك لدى غيرنا .

ثانياً: قيامة المسيح من القبر بعد صلبٍ مؤكد وموت محقق،غرست في قلوبنا العزة والابتهاج لانتمائنا إلي مسيح حيّ لا مكان له بين الموتى، ولا مقر له بين القبور،  ونحن  اليوم  وعلى  مدى  التاريخ كله عندما نصلي ونخاطبه في صلواتنا، فهو يسمعنا ويستجيب لأدعيتنا، لأنه حي، وهو حيّ بطريقة مميزة تختلف عمّا يقال عن الموتى الأحياء عند ربهم في عالم الخلود.

ثالثاً:  قيامة  المسيح  أكدت  لنا  وللعالم  اجمع  حقيقة يتساءل عنها الناس وهي: هل من حياة بعد الموت؟! فها هو المسيح مات ودفن وقام في اليوم الثالث وعاد حياً، فهو بذلك قدّم البرهان القاطع الذي أثبت فيه بأن الموت ليس هو الفناء كما يتوَّهم البعض. وعندما مات المسيح، ذهب إلى عالم الأموات،  وصرف وقتاً كافياً للتأكيد على موته، ثمّ عاد من جديد وقام ليؤكِّد لأتباعه أن الطريق آمن، وأن عبور هذا النفق المعتم الذي يسمُّونه الموت هو عبور مأمون،  ينتهي إلى حياةٍ أفضل في عالم الخلود للمؤمن الذي اغتسل بدم المسيح فتصالح مع الله. فقد أشار داود النبي إلى  هذا  في  مزاميره، إذ  قال:  ”أيضاً إذا سرت في وادي ظلّ الموت، لا أخاف شرَّاً، لأنك (يا الله) أنت معي“. أنت رفيقي في دربي، تحملني إلى الشاطئ الآخر حيث النور والحياة  الدائمة.

دخل مؤمن تقي على أخيه وهو في حالة الاحتضار، فلما رآه شاحب الوجه بكى... فرد عليه ذاك وقال:  لا تزعجني فأنا أسير في الطريق الملوكي!

وعندما توفي أخوه رثاه بقصيدة قال في مطلعها:

لولا الرجا بقيامة الأموات

ما كنت أكفكف دمعي أو أتجلد

رابعاً: بقيامة المسيح من بين الأموات تمت أول نبوة  أشارت إلى المسيح وردت في سفر التكوين الأصحاح الثالث والآية الخامسة عشر عن ابن المرأة الذي سيسحق رأس الحية، والحية كانت الشيطان، وكان الصليب هو المطرقة التي سحقت رأس الشيطان، ولذا  فالشيطان  يرتعب  من  ذكر الصليب، لأن الصليب صار مفتاح الحياة للذين يلجأون اليه، والشيطان عدوّ الصليب وعدوّ الحياة، ذلك لأن الصليب أنجز عملية المصالحة بين الله والإنسان، وبعد الصليب جاءت القيامة لتؤكِّد على صدق رسالة الصليب، إذ بالصليب دفع المسيح ثمن مصالحتنا مع الله بدمه.

خامساً: صلب المسيح ودفن، ثمّ قامت السلطات الرومانية بوضع حجرٍ كبيرٍ على باب (غرفة) القبر وأقامت عليه الحرّاس، وفي اليوم الثالث كان فجر الأحد حين هبط ملاكان من السماء على باب القبر، ودحرجا الحجر، وقام المسيح بمجدٍ تحفّ به الملائكة  كما حفَّت به عند ولادته. فهم دوماً بخدمته.. فارتعب الحرّاس وصاروا كالموتى. وفي ذات الوقت، بينما معظم الناس نياماً عند الفجر، جاءت بعض النسوة المؤمنات وبينهنَّ مريم المجدلية، حاملات الطيب لينثرنه على جسده إذ كان القبر مغارة محفورة في سفح صخرة يسهل الوصول فيها إلى حيث الميت... وكن محتاراتٍ في الطريقِ في مَنْ يُمكن أن يُدَحْرج لهنّ الحجر عن باب القبر. وعندما وصلن إلى ساحة القبر، ذُهلن إذ وجدن أن الحجر قد دُحْرج، وبدا القبر فارغاً في الداخل، وبينما هنَّ يَتَلَفّتْنَ هنا وهناك محتارات، ظهر لهنّ ملاك وفاجأهنَّ بسؤالٍ محيِّر: "لماذا تطلبن الحيّ بين الأموات! ليس هو ههنا، لكنه قام"!

قارئي الكريم، كلمات الملاك هنا ليست مجرّد سؤال، بل إعلانُ قرار! والقرار، ربما لم تستوعبه النسوة فور سماعه، بسبب رهبة الموقف من جهةٍ وتراكم الأحداث المتتابعة من جهةٍ أخرى. ولكن بالنسبة لنا نحن اليوم، فالرسالة واضحة تبعثُ فينا نشوة النصر. فنحن ننتمي إلى سيّدٍ حيّ صرع الموت في عقر داره وقام غالباً، وحطَّم  وحشة القبر، ولم يعد بين سكان القبور.

سادساً:  المسيح  قام - حقاً قام !

ولذا فهو حي، والحيّ طليقٌ حرٌ يتحرّك ويتنقّل، ويقوم بمهامه كما يريد.  ولأنه حيّ فبعد أربعين يوماً من قيامته، أخذ قراره وغادر أرضنا صاعداً إلى السماء، وهذا لم يكن في خيال تلاميذه، بل على مرأىً من الأحد عشر منهم وفي ضوء الشمس.  فالمسيح الآن هناك بكامل هيئته التي عاش بها على الأرض، لكنه سيأتي أيضاً ثانيةً إلى هذه الأرض لأنه حي، فالحيّ يذهب ويجيء كما يشاء وفي أي وقت شاء، وسيأتي،  وكلنا في شوق لرؤياه.

فهو قبل صعوده سبق وأشار إلى أنه سيصعد إلى السماء، وقال لأتباعه أن له عملاً سيقوم به هناك، فقال: أنا ذاهب لأعدَّ لكم مكاناً، ومتى ذهبت وأعددت المكان آتي أيضاً وآخذكم إليَّ حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضاً. يقول: "آتي أيضاً وآخذكم إليَّ"، هذه إشارة منه إلى ما نسميه "بالاختطاف". فالمسيح في مجيئه الثاني سيأتي ليختطف المؤمنين من الأرض أحياءً كانوا أم أمواتاً  في مشهد عجيب ليرتفع بهم على سحاب المجد، هذه عملية تحدَّث عنها الإنجيل بوضوح.

والمستغرب بان بعض الذين يتحدّثون عن المجيء الثاني للمسيح يتحدّثون وكأنهم يشيرون إلى مسيح آخر غير الذي نعرفه، ونحن عندما نتحدث عن المسيح في مجيئه الثاني نعتمد مصادر الوحي وليس أفكار الناس أو اجتهاداتهم أو تخيلاتهم، بل ما يحكمنا هو النص الكتابي الصريح والواضح في أسفار الوحي.

كلمة أخيرة أهمسها في أذن كلّ من يهمه الأمر: مسيحٌ بهذِهِ الأوصاف، وبهذا الجلال لا نبادله بأحد آخر! فهو ليس للمبادلة، ولا نقبل بغيره أحداً، فالذين خلعوا عنهم ثوب المسيح واستبدلوه بغيره استبدلوا الربح بالخسارة فتعبوا وتأوَّهوا، وكثيرون ندموا لأن الصفقة الخاسرة أوهمتهم بأحلامٍ ظهرت فيما بعد بأنها سراب جرَّ وراءه اليأس والمرارة والضياع.

ولعلّ الوقت اليوم يشكِّل فرصة للتائه أن يعود.. قد عاد البعض من الذين نعرفهم حق المعرفة، وبالمناسبة نهنئهم على سلامة الوصول، ومن عاد من هؤلاء إخوة أو أخوات ففي العودة ربح، وطريق العودة قد يحمل من الأشواك ما يدمي، ولكن في العودة استعادة لإكليل سقط وتغبّر. انفضوا عنه الغبار وعودوا.  

كان توما من بين الذين تعثروا ففشل وغاب وانعزل عن رفاقه في المسيح...  لكنه عاد وقبله المسيح من جديد. وأقول للبعض الهارب من الحظيرة، متى تعود؟! ومتى تعودين؟! عودوا ففي العودة ربح.. وكما قال  يسوع: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه".

وكلّ عام وجميعكم بخير

المجموعة: 200804

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

512 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10473418