كانون الثاني (يناير) 2008
”طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها. كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر. ثم صلّى أيضاً فأعطت السماء مطراً وأخرجت الأرض ثمرها“ (يعقوب 16:5-15)
صلاة أوقفت المطر، وصلاة أعطت المطر.
كانت صلاة إيليا النبي مقتدرة في اتجاهين: أوقفت نزول المطر ثلاث سنين وستة أشهر، ثم أنزلت المطر لتخرج الأرض ثمرها.
تردّت إسرائيل - في الوقت الذي عاش فيه إيليا النبي - إلى أعماق التدهور والارتداد... كان أخآب هو ملك إسرائيل في ذلك الوقت، ”وعمل أخآب بن عمري الشر في عينيّ الرب أكثر من جميع الذين قبله. وكأنه كان أمراً زهيداً سلوكه في خطايا يربعام بن نباط، حتى اتّخذ إيزابل ابنة أثبعل ملك الصيدونيين امرأة، وسار وعبد البعل وسجد له“ (1ملوك 30:16-31).
كان شر أخآب عظيماً... وازداد شناعة بزواجه من ”إيزابل“ التي أخضعته بلسانها الناعم وصوتها الهادئ لسلطانها، وتدهورت الأمة الإسرائيلية تحت حكمه وعبدت البعل.
وكان لا بدّ أن يأتي العقاب... لكن أناة الله على الخطاة طويلة، وهدفها قيادتهم إلى التوبة، لكن كثيرين يستمرون في شرورهم، ”لأن القضاء على العمل الرديء لا يُجرى سريعاً، فلذلك قد امتلأ قلب بني البشر فيهم لفعل الشر“ (جامعة 11:8).
لكن لا بدّ أن يأتي يوم العقاب، و”مخيف هو الوقوع في يدَي الله الحي“ (عبرانيين 31:10).
”وقال إيليا التشبي... لأخآب: حي هو الرب إله إسرائيل الذي وقفت أمامه، إنه لا يكون طلّ ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي“ (1ملوك 1:17).
تدرّب إيليا على الوقوف في محضر الله... وأعلن له الرب أن من حق الأبرار أن يطلبوا منه مجازاة للأشرار (2تيموثاوس 14:4).
ونطق إيليا بالعقاب، وهو أن يتوقّف المطر وتجتاز الأمة التي عبدت البعل وارتدّت عن عبادة الرب مجاعة طويلة المدى.
توقّف المطر استجابة لصلاة إيليا... وتوقّفت الزراعة... وجاءت أيام القحط.
بعد ثلاث سنين وستة أشهر من الجفاف والجوع، طلب إيليا من أخآب أن يجمع أنبياء البعل... وتحدّاهم، وأثبت كذبهم وضلالهم. ثم أخذهم وذبحهم عند نهر قيشون... وبعد أن خلصت الأرض من الأنبياء الكذبة، ”صلى أيضاً فأعطت السماء مطراً وأٍٍٍٍٍخرجت الأرض ثمرها“.
”طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها“.
فما هي شروط الصلاة المقتدرة؟
1- أن تكون الصلاة مرفوعة من إنسان بار
”طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها“، ”الرب بعيدٌ عن الأشرار ويسمع صلاة الصديقين“ (أمثال 29:15). لكن أين هو الإنسان البار؟ والكتاب المقدس يقول: ”أنه ليس بار ولا واحد... إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله“ (رومية 10:3 و23). طريق التبرير هو نعمة الله المؤسسة على الفداء الذي أكمله المسيح بموته على الصليب، ”متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح“ (رومية 24:3).
فالإنسان الذي يؤمن بفداء المسيح، يصير باراً، وتصير صلاته مقتدرة في فعلها.
2- أن تكون الصلاة باسم المسيح
وهذا وعد المسيح: ”ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجّد الآب بالابن. إن سألتم شيئاً باسمي فإني أفعله“ (يوحنا 13:14-14). فما معنى الصلاة باسم المسيح؟ هل تعني أن ننهي طلباتنا بالعبارة المألوفة ”باسم المسيح، آمين“? الصلاة باسم المسيح تعني أن تتفق صلاتنا مع قداسة المسيح، فهو القدوس الذي ”انفصل عن الخطاة“ (عبرانيين 26:7)، وتتفق مع محبة المسيح. فهو ”قد أحبّ خاصته الذين في العالم، أحبّهم إلى المنتهى“ (يوحنا 1:13). وتتفق مع روح المسيح، وكل صلاة تقدَّم بهذا الاسم الكريم وبهذا المفهوم صلاة مقتدرة في فعلها.
3- أن تكون الصلاة بالإيمان
قال الرب يسوع لتلاميذه: ”لذلك أقول لكم: كل ما تطلبونه حينما تصلون، فآمنوا أن تنالوه، فيكون لكم“ (مرقس 24:11).
”ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه“ (عبرانيين 6:11).
فالإيمان شرط أساسي لاقتدار الصلاة.
بهذا الإيمان صلى إيليا صلاته في اتجاهين... بهذا الإيمان شُفيت ابنة المرأة الكنعانية إذ قال لها الرب: ”يا امرأة، عظيم إيمانك! ليكن لك كما تريدين. فشُفيت ابنتها في تلك الساعة“ (متى 28:15)... بهذا الإيمان نال غلام قائد المئة الشفاء إذ قال عنه الرب: ”الحق أقول لكم، لم أجد ولا في إسرائيل إيماناً بمقدار هذا“ (متى 10:8).
يحتفظ لنا التاريخ بقصة فتاة صغيرة اسمها أبيجايل دخلت إلى جورج مولر رجل الصلاة وقالت له: أريد أن أصلي إلى الرب ويستجيب صلاتي كما يستجيب صلاتك. وعلّمها مولر الآية ”كل ما تطلبونه حينما تصلون فآمنوا أن تنالوه فيكون لكم“. وقالت الفتاة الصغيرة: أريد أن أطلب من الرب صوفاً لأصنع شالاً وركع معها مولر وصلى... وخرجت الصغيرة لتلعب وعادت بعد نصف ساعة تهتف بصوت عالٍ: مستر مولر إننا لم نقل للرب عن لون الصوف الذي سيرسله وأنا أريد صوفاً ملوّناً.. وركع رجل الصلاة معها ثانية وطلب من الرب أن يرسل لها صوفاً ملوّناً كما أرادت.. وبعد يومين وصل طرد من الصوف الملوّن لأبيجايل.. كانت مدرّستها في المدرسة تنظّف بقايا الصوف الذي علّمت به الفتيات.. وأرشدها روح الله أن ترسل الكمية الموجودة لأبيجايل... وتعلمت أبيجايل أن الرب يستجيب صلاة الإيمان... فعندما تصلي اطلب بإيمان.
4- أن تكون الصلاة حسب مشيئة الله
”وهذه هي الثقة التي لنا عنده: أنه إن طلبنا شيئاً حسب مشيئته يسمع لنا“
(1يوحنا 14:5). وهذا الشرط يحتّم علينا أن ندرس الكتاب المقدس ونحفظ آياته لنعرف مشيئة الله فيه لأنه ”إن أراد أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم، هل هو من الله، أم أتكلم أنا من نفسي“ (يوحنا 17:7). ومشيئة الله أن تحيا حياة القداسة، ”لأن هذه هي إرادة الله: قداستكم“ (1تسالونيكي 3:4). وهذا يعني أن تكون حياتك مخصصة للرب تماماً. ومشيئة الله وضعها الروح القدس في الكلمات: ”انظروا أن لا يجازي أحد أحداً عن شرٍ بشرّ، بل كل حين اتَّبعوا الخير بعضكم لبعض وللجميع. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم“ (1تسالونيكي 15:5-18).
فإن أردت أن يستجيب الله صلاتك، فيجب أن تتّفق مع القداسة، والفرح كل حين، والشكر في كل شيء. وكل صلاة حسب مشيئة الله يستجيبها الله.
5- أن تكون الصلاة مصحوبة بطاعة وصايا الرب وعمل الأعمال المرضية أمامه
”ومهما سألنا ننال منه، لأننا نحفظ وصاياه، ونعمل الأعمال المرضية أمامه“ (1يوحنا 22:3).
طاعة وصايا الرب أمر هام لاستجابة الصلاة.. ظن شاول الملك أن الله يكتفي بمجرد تقديم الذبائح، ولكن صموئيل النبي قال له: ”هل مسرّة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع [طاعة] صوت الرب؟ هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرّد كخطية العرافة، والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب، رفضك من المُلك“ (1صموئيل 22:15-23). الله يُسرّ بالطاعة!
مع الطاعة لا بد أن نعمل الأعمال المرضية أمامه. والأعمال المرضية أمام الرب هي التي سبق فأعدّها لنا لكي نسلك فيها، ”لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدّها لنسلك فيها“ (أفسس 10:2).
عندما جاء إشعياء النبي للملك حزقيا قائلاً: ”هكذا يقول الرب: أوصِ بيتك لأنك تموت ولا تعيش. فوجّه حزقيا وجهه إلى الحائط وصلى إلى الرب وقال: آه يا رب، اذكر كيف سرت أمامك بالأمانة وبقلب سليم وفعلت الحسن في عينيك. وبكى حزقيا بكاء عظيماً“ (إشعياء 1:38-3). كانت صلاة حزقيا مؤسسة على الحياة الأمينة، وعمل ما هو مرضي عند الرب، واستجاب الرب صلاة حزقيا، فأرسل إليه إشعياء ثانية قائلاً: ”اذهب وقل لحزقيا: هكذا يقول الرب... قد سمعت صلاتك. قد رأيت دموعك. هأنذا أضيف إلى أيامك خمس عشرة سنة“ (إشعياء 4:38-5).
6- أن تكون الصلاة من قلب لا يحتفظ بالإثم
”إن راعيت إثماً في قلبي لا يستمع لي الرب“ (مزمور 18:66). فلكي يستجيب الله صلاتك، لا تحتفظ بإثم في قلبك.. أخرج الآلهة الغريبة منه.. واطرح بعيداً كل علاقة غير شريفة، وكل خطية محيطة بك بسهولة وقل مع داود الملك: ”اختبرني يا الله واعرف قلبي. امتحني واعرف أفكاري. وانظر إن كان فيّ طريق باطل واهدني طريقاً أبدياً“ (مزمور 23:139-24)، فيستجيب الرب صلاتك.
أنت الآن في أول عام جديد... فابدأ عامك بالصلاة.. وامتحن نفسك في محضر الله.. وتدرّب على الشعور بوجود الرب معك قائلاً مع داود: ”جعلت الرب أمامي في كل حين. لأنه عن يميني فلا أتزعزع“
(مزمور 8:16). إبدأ صلاتك بتعظيم الرب، وادرس صلوات القديسين في الكتاب المقدس: صلاة دانيآل (دانيآل 3:9-4)، وصلاة يهوشافاط (2أخبار 5:20-12)، وصلاة اللاويين في سفر نحميا (نحميا 5:9-38)، والصلوات الأخرى... فليست الصلاة أن تطلب النجاح لأولادك وأفراد أسرتك فقط... بل هي أن تعظم إلهك الذي فداك وأحبّك.
فليكن هذا العام الجديد، عام اختبار حلاوة الصلاة والشركة مع الله، وإبقاء خطوط الشركة مع الله مفتوحة بلا انقطاع.