Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2008

إن أعظم لقب يمكن أن يُمنح لإنسان هو لقب "رسول يسوع المسيح". هذا اللقب الشريف مُنح لبولس، الذي شرّف اللقب بقدر ما شرفه اللقب، فكان رسولاً حقيقياً للرب يسوع المسيح. ويكفي بولس فخراً إلى مدى الأجيال أن يحمل هذا اللقب الذي يعدّ امتيازاً فائقاً مقدَّماً من المسيح، ملك الملوك، إلى أصغر عبيده. ولربما لأجل هذا السبب اختار بولس اسمه الذي يعني "الصغير"، لكي يبقى صغيراً أمام الفضل الذي ميّزه به المسيح باختياره رسولاً له.

 

أما لقب "الأستاذ" فقد استُنتج مما هو مكتوب عن بولس في سفر أعمال الرسل وما كتبه هو في رسائله، ويقصد به الدلالة على خبرة الرسول بولس في مجالات الأدب، والفلسفة، واللاهوت، وعلم النفس، وهذا اللقب الجديد ليس استبدالاً للقب "الرسول" وإنما لقب آخر من مجموعة ألقاب يمكن لهذه الشخصية الفذة أن تتلقَّب بها. فقد كان ”الأستاذ بولس“:

أولاً: أديباً كبيراً

شيق العبارة، يشرف ذوقه على تركيبها تركيباً بنائياً محكم الانسجام، متناغم الأجزاء، يحاول بواسطتها أن ينقل إلى غيره ما في نفسه من صور الجمال الفكري، وتشهد له بهذا يده التي سطرت أمثال هذه الآيات الرائعات:

"من أجلكم افتقر وهو غني، لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2كورنثوس 9:7).

حُسبنا "كمُضِلِّين ونحن صادقون.

كمجهولين ونحن معروفون.

كمائتين وها نحن نحيا.

كمؤدَّبين ونحن غير مقتولين.

 كحزانى ونحن دائماً فرحون.

كفقراء ونحن نغني كثيرين.

كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (2كورنثوس 6: 8-10).

وأيضاً: "لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً" (2كورنثوس 17:4).

واشتهر بولس في أسلوب وضع المتوازيات (لاحظ الآيات أعلاه) في بناء الكلم، كالمقارنة والمقابلة والطباق وتجد هذه الأنواع من الأدب منثورة في جميع أثلام رسائله: (رومية 9:2 و10 و17:5 و22:9 و32 و12:13 و6:7).

ثانياً: لاهوتياً عميقاً

يبدو جلياً أن المعلم اللاهوتي الأول في الكنيسة المسيحية كان الرسول بولس؛ فهو أول من دوَّن العقائد المسيحية وبرهنها بشكل منسق لحد ما. يصعب على الرسول أن يكون لاهوتياً ويهتم بربح النفوس والوصول بالإنجيل إلى أقصى الأرض في آن معاً، ولكن الرسول بولس المبشر، رغم انشغالاته العديدة بالتبشير والتجوّل والاهتمام بجميع الكنائس، ظل يواجه المشاكل التعليمية بذهن اللاهوتي المدرَّب وتقنيته، ومع أننا لا نستطيع أن نقول عن تعاليم بولس، كما هي في الرسائل، أنها لاهوت نظامي، لكن كل الذين نظموا اللاهوت من أوريجانوس إلى اليوم بنوا نظامهم اللاهوتي على تعاليم بولس بعدما جمعوها ونسّقوها.

وتظهر مقدرة بولس كلاهوتي في رسائله إلى أهل رومية وكورنثوس وأفسس وفيلبي وكولوسي. أما المواضيع اللاهوتية التي تطرَّق إلى بحثها في رسائله فهي:

شخص المسيح،

الفداء، التبرير، المصالحة

الصليب، الدم، القيامة

الإيمان، النعمة، الخلاص

الخطية، الجسد

الناموس، الأخلاق، القداسة

الاختيار

الشيطان

المواهب الكنسية

الروح القدس

الكنيسة

المعمودية – مائدة الرب

المجيء الثاني

وهذه المواضيع تشكل إجمالاً فهارس كتب اللاهوت النظامي.

ثالثاً: فيلسوفاً قديراً

إن الكلمة اليونانية التي تترجم "فيلسوفاً" مؤلفة من كلمتين: الأولى "فيلو" وتعني ”محباً“، و”صوفيا“، وتعني "الحكمة". ومن هنا يُعرف الفيلسوف، فهو شخص محب للحكمة يرغب في اقتنائها، لم يصل بعد إلى الحق بل يسعى جاهداً للوصول إليه. وما زال الفلاسفة يسعون للوصول إلى الحق. أما بالنسبة لبولس، فيلسوف عرف الحكمة والحق في شخص المسيح وأحبهما، فليس هو بعد باحثاً عن الحق بل هو مبشرٌ به، معلنٌ عن حصوله عليه في المسيح يسوع.

لذا يحذّر بولس المؤمنين لكي لا يُسبَوا بالفلسفة (كولوسي 8:2)، أو يتيهوا في "مخالفات العلم الكاذب الاسم" (1تيموثاوس 20:6) الذي يحاول أن يشيح بأنظار المؤمنين عن المسيح. وليس هذا فقط بل يشجع بولس المؤمنين  على أن يسعوا لكي يكون لهم كامل الإدراك "لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سر الله والمسيح" (كولوسي 2:2).

كانت فلسفة بولس فلسفة الإيمان والرجاء والمحبة، فلسفة المنطق القلبي لا المنطق العقلي، انطلق في تفكيره الفلسفي من النتيجة إلى السبب، فاتّضح له أن حكمة الله، الغريبة بالنسبة لأحكام العقل البشري، لا يقبلها الإنسان "المنطيقي"، فسطّر القول الفصل: "إن جهالة الله أحكم من الناس وضعف الله أقوى من الناس"  (1كورنثوس 25:1)، لأن الله بحكمته ارتأى أن لا يعرف الإنسان الله بالحكمة، بل بإعلان من الله (1كورنثوس 21:1)، كما ذكر في (أفسس 3:3) "أنه بإعلان عرّفني بالسر".

هذا الإعلان أنار ذهن "بليز باسكال"
(الفيلسوف وعالم الرياضيات الفرنسي) بعد ستة عشر قرناً فكتب قائلاً: إن للقلب أسباباً تدعوه للإيمان لا يفهمها العقل".

لم يكن تعليم بولس "الفلسفي" مقروناً بكلام الحكمة الإنسانية المقنع (المنطقي) بل ببرهان الروح والقوة لكي لا يكون إيمان التائبين إلى المسيح بحكمة الناس بل بقوة الله (1كورنثوس 4:2). كان بولس مقتنعاً تماماً أن حكمة الإنجيل الذي ينادي به لا يقبلها العقل المنطقي بل يقبلها القلب المؤمن، لذا كان يتكل على الروح القدس كي ينير بصيرة الإنسان القلبية بينما هو ينادي بالإنجيل، وعندها فقط يستطيع الإنسان أن يؤمن. هذا ما حدث مع ليدية عندما فتح الرب قلبها لتصغي إلى ما كان يقوله بولس  (أعمال 14:16).

بهذه الحكمة واجه فلاسفة اليونان الأبيكوريين والرواقيين في آريوس باغوس فأفحمهم وربح للمسيح واحداً من المجمع الأريوباغي وآخرين معه.

كانت فلسفته تؤثر على المسلك والحياة وتغير الناس لأنها من صلب إنجيل المسيح، بينما بقيت كل الفلسفات الأخرى في المجال الذي تدور فيه النظريات وما تزال.

أما من جهة أسلوبه في الكتابة، فكان قوي الحجة يفحم القارئ إذ كان يقدِّم أولاً التعليم فيشرحه ثم يناقضه بسؤال وبعد ذلك يجيب عن السؤال فلا يترك ثغرة يدخل منها منتقد، ولا أشكالاً يستفيد منه محوّر. راجع حججه الواردة في رسائله إلى أهل رومية 3:2-5 و12-16 و17-29 و1:3 و5 و9 و1:4 و1:6 و15  و7:7 و14:9 و30 و1:11 و11.

رابعاً: محللاً نفسياً بارعاً

يقدّم بولس لنا في رسالة رومية 7:7-25 واحداً من أهم التحاليل النفسية للإنسان الباطن، إذ يعتبر النفس الإنسانية مؤلفة من ثلاثة عناصر:

1- الذهن: قاعدة الناموس الإلهي (بذهني أخدم ناموس الله – رومية 25:7)

2- الجسد: منشأ الشهوة الردية (بالجسد [أخدم] ناموس الخطية – رومية 25:7).

3- "الأنا": المرتبطة بالإرادة والتي عليها أن تختار بين أن تطيع ناموس الله أو ترضخ لشهوة الجسد. فيقول: "فاني [الأنا] أسرّ بناموس الله بحسب الإنسان الباطن ولكني أرى ناموساً آخر في أعضائي [الجسد] يحارب ناموس ذهني [الذي يريد أن يرضي ناموس الله] ويسبيني إلى ناموس الخطية.

"أشكر الله بيسوع المسيح ربنا" (رومية 25:7). قال بولس هذه العبارة ليؤكد أن خلاص "الأنا" من عبودية "الجسد" يتم فقط عند الإيمان بالمسيح، وبالمسيح وحده. لأن "قانون" روح الحياة في المسيح يسوع قد اعتقني من "قانون" الخطية والموت"
(رومية 2:8).

والدليل الأهم على براعة بولس في التحليل النفسي هو توصله إلى تقسيم الشخصية إلى عناصر ثلاث قبل أن يتوصل "سيغموند فرويد" إلى ذلك بتسعة عشر قرناً، إذ أن نظرية فرويد في تقسيم الشخصية إلى ثلاثة أقسام: "الأنا" و"الأنا الأعلى" و"الهو" مشابهة إلى حدّ كبير لتحليل بولس.

فـ ”الأنا الأعلى“ عند فرويد [الذهن عند بولس] هو ذلك الجزء من الجهاز العقلي الذي ينتقد ”الأنا“ حالما يميل ”الأنا“ إلى قبول الدوافع الصادرة عن محط الدوافع الغريزية، أي عن الهو [الجسد عند بولس] كما لو كان رقيباً داخلياً، أي ضميراً لاشعورياً.

والهو عند فرويد [الجسد عند بولس] هو الجزء اللاشعوري العميق من النفس والذي يضم الدوافع الغريزية ومختلف الرغبات المكبوتة، وتسيطر عليه الميول والاندفاعية العمياء وهو خاضع لمبدأ اللذة. 

والأنا عند فرويد [الأنا عند بولس] هو الجزء السطحي من "الهو" الذي تعدّل بتأثير العالم الخارجي في الحواس تأثيراً مباشراً والذي أصبح متشبِّعاً بالشعور. ووظائفه أن يفحص الواقع وأن يتقبّل عن طريق الاختبار والضبط بعض المطالب والرغبات التي تمليها الدوافع الصادرة عن "الهو".

لا شك أن لو كان "الأستاذ" بولس بيننا اليوم لكان لا يعرف ماذا يقرر من كثرة الدعوات التي تصله كل يوم من أمهات جامعات العالم لكي يحاضر فيها - ويا لنعم المحاضر - ولكن الأرجح أنه لو كان معنا لكان يفضّل أن يبشّر بالمسيح في أسواق "أثينا" عن أن يجلس على كرسي الأستاذية في أكبر جامعة.

المجموعة: 200806

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

80 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10473461