Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران (يونيو) 2008

في العدد السابق توصلنا إلى بناء هيكل للبحث في الخطوات التي يقتضيها الإيمان بحسب ما دوّنه الكتاب المقدس عن سِيَر الكثيرين من المؤمنين، وأوردنا كمثالٍ لذلك مقطعاً من سفر التكوين: ”وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم فقال: يا إبراهيم. فقال: هأنذا. فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق واذهب إلى أرض المريّا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك“ (تكوين 1:22-2).

 

فإذا ما استوقفنا هذا الكلام وتساءلنا: هل كان الله محتاجاً لامتحان مؤلم كهذا كي يعرف إيمان إبراهيم؟ فهو يعرف أعماق القلوب ولا يُخفى عليه أمر.. بل هل يُسرّ الله بأن يذلّ المؤمن فيضعه تحت ضغط التجارب المرّة القاسية؟

قد نجد صعوبة في الإجابة عن هذه التساؤلات، ولكن ما نستجليه من كلمة الله يبيّن لنا:

أولاً: إن التجارب والاختبارات التي يسمح بها الله أحياناً يتسبّب بها المشتكي ”إبليس“ كما حدث مع أيوب، ولكن لا بد من أن يظهر الله فيه صلاحه وعدله وصدق مواعيده.

ثانياً: قد تكون التجربة أحياناً من ذواتنا وليس من الله إطلاقاً حسب قول الكتاب: ”لا يقل أحد إذا جُرِّب إني أُجرَّب من قِبَل الله، لأن الله غير مجرّب بالشرور وهو لا يجرّب أحداً. ولكن كل واحد يجرّب إذا انجذب وانخدع من شهوته“ (يعقوب 13:1-14).

ثالثاً: حين يسمح الله أو يأمر بامتحان فيكون ذلك ليس لأجل تثبيت معلومة لديه، فهو كلي العلم والمعرفة بل يفعل ذلك من أجل المؤمن ذاته لكي يجلو إيمانه ويزكّيه، فبالتجربة خرج ”حب إسحاق“ من قلب إبراهيم فتوحّد قلبه بمحبّة الله فوق كل شيء آخر. وخرج ”البر الذاتي“ من نفس أيوب فقال: ”بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن قد رأتك عينيّ“ (أيوب 5:42).

رابعاً: يسمح الله بالتجربة أحياناً كي يضع المؤمن مواجهة مع نفسه وهو حرّ مستقلّ الإرادة للاتكال على نعمة الله دون الارتداد من خلفه في التجارب والضيقات لأن الله كامل في عدله فهو لا يحكم على النوايا بل على الإنسان.

خامساً: قد يسمح الله بالتجربة أحياناً لمنح المؤمن فرصة التدرّب على احتمال المشقات والضيقات من أجل اسمه، وبذلك يتقوّى في الإيمان ويُطوَّب ”طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة، لأنه إذا تزكّى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه“ (يعقوب 12:1). فلكل مؤمن تدريبات يجيزه الله فيها لكي يمتحنه لأجل تزكية إيمانه. ”لكي تكون تزكية إيمانكم، وهي أثمن من الذهب الفاني، مع أنه يُمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح“ (1بطرس 7:1). فإن كان الذهب الفاني يُمتحن بالنار ولا يخشى عليه من التلف، فكم بالأحرى إيمان المؤمن يُجلى ويتزكّى بالتجارب التي تشكل تدريبات قاسية كما نرى في حياة إبراهيم:

1- حين قال له الله: ”اخرج من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أقول لك“ - وتوضّح الرسالة إلى العبرانيين ذلك: ”بالإيمان إبراهيم لما دُعي أطاع أن يخرج إلى المكان الذي كان عتيداً أن يأخذه ميراثاً، فخرج وهو لا يعلم إلى أين يأتي“ (عبرانيين 8:11). فهو لم يناقش ولم يتردّد بل خرج حسب أمر الرب وتغرّب في الأرض التي قال له عنها رغم أنه كان يعيش في منطقة كانت تُعتبر من أفضل المناطق آنذاك.

2- حين وعده الله بنسل عن طريق سارة امرأته التي كانت عاقراً، وقد تأخر الله بإتمام وعده ذاك مدة خمس وعشرين سنة، لم يشكّ إبراهيم خلالها رغم فوات فرص حمل سارة ورغم أن جميع المؤشرات والإمكانيات المعقولة لإتمام ذلك الوعد كانت صفراً بالنسبة لحسابات البشر، ولكن الكتاب يقول: ”فآمن بالرب فحسبه له براً“ (تكوين 6:15).

3- حين طلب الله منه أن يذبح إسحاق ”ابن الموعد“، ويقدّمه محرقة، لم يشك بأمانة الرب ولم يتزعزع قلبه، ولكن إيمانه تنامى وتقوّى، فهو لم يتردّد في إتمام أمر الرب له رغم أنه كان عسيراً جداً - يقول الكتاب: ”بالإيمان قدّم إبراهيم إسحاق وهو مجرّب - قدّم الذي قبل المواعيد، وحيده الذي قيل له: إنه بإسحاق يُدعى لك نسل“ (عبرانيين 17:11-18). فهذه التجارب كانت بالنسبة له تدريبات صقلت إيمانه وجعلت الله نفسه يشهد لإيمان إبراهيم ويعده بالبركة بقسم!

لقد سار رجال الله بخطىً ثابتة أهّلتهم لأن ينالوا المدح منه ويحصلوا على هباته. ومن أهم تلك الخطوات:

 ولنأخذ إبراهيم مثالاً لهذا؛ فكلما كلّمه الله كان يسمع ويجيب هأنذا. هو لم يسدّ أذنيه عن طلبات الله الصعبة، ولم يعتبر أن الكلام لا يخصه ولا يعنيه. كثيرون يحسبون أنفسهم غير مهيّئين لاستماع صوت الله أو غير معنيين بتلبية ما يطلبه منهم، لأنه توجد أمراض روحية كثيرة تصيب حاسة السمع عند الكثيرين حتى من المتدينين، فنحن نقرأ عن:

1- المسامع الثقيلة

كما تقول الآية: ”لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها“ (متى 15:13أ). وأيضاً ”فأبوا أن يصغوا وأعطوا كتفاً معاندة، وثقّلوا آذانهم عن السمع“ (زكريا 11:7). ومن هؤلاء نماذج كثيرة يذكرها الكتاب وهي موجودة في كل زمان ومكان.

2- المسامع المستحكة

كما يقول الكتاب: ”لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلّمين مستحكّة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات“
(2تيموثاوس 3:4-4). وكم من الناس اليوم استحكت آذانهم فطلبوا لأنفسهم معلمين وتعاليم باطلة فانحرفوا إلى خرافات لا تنفع شيئاً!!

3- مسامع غلفاء

يتحدث الكتاب عن غلفة الجسد ويركز على غلفات كثيرة هي أشر وأصعب كغلفة القلب، وغلفة الذهن، وغلفة الأذن. ”من أكلمهم وأنذرهم فيسمعوا؟ ها إن أذنهم غلفاء فلا يقدرون أن يصغوا. ها إن كلمة الرب صارت لهم عاراً. لا يسرون بها“ (إرميا 10:6). أليس هذا مرضاً منتشراً أيضاً في كل مكان؟

4- مسامع صماء

يقول الرب: ”لهم حمة مثل حمة الحية. مثل الصل الأصمّ يسدّ أذنه، الذي لا يستمع إلى صوت الحواة الراقين رقى حكيم“ (مزمور 4:58-5). يقول بفم إشعياء النبي: ”أخرج الشعب الأعمى وله عيون، والأصم وله آذان“ (إشعياء 8:43). والغريب حقاً أن الرب يتكلم هنا عن صمم مصطنع اختاره البعض فسدوا آذانهم لكي لا يسمعوا!

5- مسامع مرتبكة

آذان مشوشة مضطربة يضيع فيها صوت الله بين الأصوات الأخرى الكثيرة التي يرغب الناس استماعها، كصوت محبة العالم، ومحبة المال، والشهوات الجسدية، والكبرياء، والملذات الزائلة، وغيرها.

وعلى خلاف هؤلاء فأولاد الله الحقيقيون كانوا وما زالوا ينصتون لصوت الله ويعرفون مقاصده السامية. يقول البعض إن أولئك القديسين الأوائل كانوا يسمعون لصوت الله لأنه كان يخاطبهم مباشرة، ونحن الآن لا يخاطبنا الله بشكل شخصي، فكيف نسمع صوته؟

نعم، لقد عاش إبراهيم في عهد الضمير - أي قبل أن يكون هناك كتاب أو شريعة - حيث كان الله يتعامل مع الناس شفاهاً عن طريق الصوت أو بواسطة الملائكة. ولكن نحن اليوم لدينا جميع إعلانات الله وفكره من نحونا مدونة بإحكام في كلمته الحية التي بين أيدينا - وهي الكتاب المقدس - فنقرأها، ونعقلها، ونسمعها أيضاً من خدام الإنجيل في الكنائس، وعن طريق الوسائل المكتوبة، والمشاهدة، والمسموعة، فمن له مسامع الإيمان وذهن الإيمان لا بد أن يصغي لصوت الله المتكلم في أعماقه. يقول الكتاب: ”طوبى للإنسان الذي يسمع لي ساهراً كل يوم عند مصاريعي، حافظاً قوائم أبوابي“
(أمثال 34:8). ويقول على لسان يوحنا الرائي: ”طوبى للذي يقرأ وللذين يسمعون أقوال النبوة، ويحفظون ما هو مكتوب فيها، لأن الوقت قريب“ (رؤيا 3:1).

أما مسألة تمييز صوت الرب ومعرفة ما يخصنا من كلامه فهي مسألة إحساس داخلي في قلب الإنسان المؤمن وضميره، يستطيع أن يتبيّنه بوضوح حينما يسلم إرادته لقيادة الروح القدس، والاستماع الذي هو عظيم القيمة في نظر الله. يقول الكتاب على لسان صموئيل النبي: ”هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش“. ويقول على لسان داود: ”بذبيحة وتقدمة لم تسرّ. أذنيّ فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب“ (مزمور 6:40). ويقول الرب يسوع في نهايات أمثاله وتعاليمه: ”من له أذنان للسمع فليسمع“.

يجب أن تكون لدى الإنسان الرغبة والشوق لاستماع صوت الرب، حينئذ يفتح الرب أذنيه ويعطيه المسامع السليمة التي تستطيع أن تميّز صوت الله وتعرف مقاصده. فالذي يطهر القلب يقدر أن يطهر اليد، والفم، والعين، والأذن، حيث يصبح كل الجسد المغسول بدم المسيح نقياً وهيكلاً للروح القدس ومستعداً لكل عمل صالح.

المجموعة: 200806

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

372 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577081