تشرين الثاني (نوفمبر) 2008
كتب الفيلسوف والمؤلف البريطاني الذائع الصيت برتراند رسل الراحل يقول: "كلنا نعلم أننا سنموت في يوم من الأيام. والقسم الأكبر منا يتمنى أن يظل على قيد الحياة. لكن الجبان والمغفل فقط هو الذي يصرف وقتاً في التفكير في موته. "إن الرجل الذكي يهتم بصحته، يكتب وصيته ويؤمن على حياته ثم ينسى أنه ليس بإنسان خالد على الأرض".
نظراً لازدياد عدد الإصابات بأمراض القلب سنة بعد أخرى ارتأيت أن أكتب حول هذا الموضوع راجياً أن يستفيد مما أكتب العديد من القراء.
من الواضح لدى كل مطلع على الشؤون الصحية أن أمراض القلب هي السبب الأول للوفاة في البلدان المتقدمة بل ومعظم البلدان النامية. وهي أشد فتكاً من أمراض السرطان، النزلة الصدرية، الأنفلونزا أو السل.
فمنذ ألفي سنة في أيام الرومان كان معدل طول الحياة نحو خمس وعشرين سنة. وهذا الرقم المنخفض ظل على حاله لعدة قرون، وحتى في القرن التاسع عشر لم يكن متوسط العمر أكثر من ثلاثين أو خمس وثلاثين سنة. والآن تجاوز هذا الرقم 75 أو 80 سنة.
إذن الناس اليوم يعيشون حياة أطول ولهذا السبب يرتفع معدل الإصابات بأمراض القلب فيما بينهم. إن أسباب الزيادة في أمراض القلب هي: التشخيص الأفضل بواسطة المخطط الصوتي الكهربائي للقلب، الطب النووي أشعة إكس، وغيرها... وعلى أية حال فالإنسان سيموت من شيء ما غير الشيخوخة.
فيما يلي بعض أنواع أمراض القلب التي يتوجب على كل إنسان مثقف أن يلمَّ بها:
1- مرض القلب الناجم عن تصلب الشرايين التاجية وأعراضه هي الذبحة الصدرية، التجلط التاجي أو الاحتشاء القلبي (خلل في عضلة القلب).
2- التوتر الشديد في القلب ويعود إلى ارتفاع ضغط الدم.
3- مرض القلب الروماتزمي وهو مرض من أمراض الطفولة مسؤول بالدرجة الأولى عن رشوح صمامات القلب.
4- مرض القلب الوراثي الذي هو سبب "الوليد الأزرق".
5- مرض القلب العائد إلى زيادة إفراز الغدة الدرقية الواقعة في أسفل الرقبة. وهذا ما يسبب خفقان القلب وانهياره.
6- التهاب بطانة القلب بسبب البكتريا. لكن هذه الحالة يمكن علاجها بنجاح بفضل الأدوية الحديثة المقاومة للجراثيم.
7- بعض أمراض الرئتين المزمنة، وبعض أمراض الطفولة. وفي هذه المقالة أود أن أتحدث عن أهم مرض للقلب يمكن للمريض أن يساعد طبيبه في تشخيصه.
الذبحة الصدرية: كلمة ذبحة تعني إحساس بالصدمة وكلمة صدرية تشير إلى الصدر. وهذا يعني أن الذبحة تتسبب في ألم مبرح في الصدر يمتد عادة إلى الذراع الأيسر والألم يبدأ تحت عظمة الصدر أو القص حيث يقع القلب. أي بعكس ما يعتقده الرجل العادي من أن القلب يقع في الجانب الأيسر من الصدر. إن شعوراً بالانقباض والاختناق يصاحب هذا الألم مع أنه نادراً ما توجد صعوبة حقيقية في التنفس. وهذا الألم الذي غالباً ما يحدث بشكل مفاجئ يكون عنيفاً، ضاغطاً، حارقاً وجارحاً، والمصاب به يصير شاحب اللون عديم الحركة، بارد الجسم يتصبب عرقاً. كما يبطؤ نبضه وينتابه شعور بالخوف كأنما هو ينتظر الموت. أما فترة الذبحة فتدوم من دقيقتين إلى ثلاث دقائق وقد تدوم أكثر من ذلك. على أن هذه ليست مدعاة للخوف لأن هناك أمراضاً أخرى تسبب ألماً في الصدر وشبيهة بالذبحة الصدرية. لذا أنصح القارئ في حال إصابته بمثل هذه النوبات من الألم المحرق الضاغط تحت عظمة الصدر والجانب الأيسر منه إلى الكتف الأيسر أو أسفل الجانب الداخلي للذراع حتى نقرة المعدة وتدوم عدة دقائق ثم تزول بالاستراحة أنه حان الوقت لاستشارة الطبيب. "إن إخفاء المرض مميت. فواجه المرض في سياق حدوثه لأن اكتشافه يعني نصف معالجته". ولكن أيها القارئ العزيز، حالما يتم التشخيص ويتأكد على يد الطبيب، أرجوك ألا تخفْ لأنك لست أنت فقط بل ألوف الأشخاص من أمثالك تمكنوا من أن يعيشوا حياة سعيدة مفيدة لأكثر من عشر، عشرين وحتى ثلاثين سنة بعد الذبحة الأولى. وأنت بإمكانك أن توقف تقدّم المرض بسهولة إما بالمعالجة الطبية أو الاهتمام الجيد بنفسك.
وكما قال غلادستون: "إن مرض الضمير الشرير هو خارج عن نطاق ممارسة جميع الأطباء في كل بلدان العالم". وهو تماماً كزجاجة مكسورة لمصباح يعمل بالكيروسين (الكاز) فإن ربة البيت تعتني بها عناية فائقة أثناء تنظيفها كي تخدم مدة أطول بعكس الزجاجة الصحيحة التي لا توليها هذا القدر من الاهتمام.
حالة أخرى هامة تسبب ألماً في الصدر هي الاحتشاء القلبي الحاد أو التجلط التاجي.
الاحتشاء يعني موت عضلة أو أنسجة، والتجلط هو تخثر الدم. والتجلط التاجي يشير إلى تكوّن جلطة في أحد الشرايين التاجية.
والآن لنعرف ما هو التصلب؟
كما ذكر سابقاً هو تقسٍّ في الشريان. والشريان عبارة عن أنبوب مرن يتسع مع كل ضربة قلب ثم يعود إلى وضعه السابق. وهو مؤلف من ثلاث طبقات. الطبقة الداخلية تدعى الباطنة وتتكوّن من بطانة رقيقة لماعة. وعندما يحدث التصلب تثخن الباطنة وتتسع الطبقة العضلية المحيطة بها حتى تمسي عاجزة عن نقل الكمية المطلوبة من الدم إلى العضو الذي تزوده به. فتكون بذلك كأنبوب ماء صدئ لا ينقل من الماء ما ينقله الأنبوب الجديد.
قد تندهش عندما تعلم أن الدم الذي يدخل حجرات القلب يخرج نحو سبعين مرة أو أكثر في كل دقيقة من دقائق الليل والنهار. ومع أن هذا الدم يبلغ عدة لترات إلا أنه لا يمد القلب بالغذاء.
إن القلب شبيه بمصباح الكيروسين. أي يعطي الضوء لمن هم حوله دون أن يحصل هو نفسه عليه. أو كأمين صندوق في بنك يأخذ الدراهم ويعطيها للناس وهي لا تخصه ولا ينال منها سوى راتبه الشهري. وكذا الحال مع القلب الذي يحصل إلا على ما يكفيه من دم لسد حاجته. إذن كيف يتزود القلب بالدم؟ هناك شريانان رئيسيان يمدان القلب بالدم يقعان في قسمه العلوي ويتفرّعان إلى أوعية دقيقة لا حصر لها تنتشر وتلتف فوق وتحت جوانب القلب على شكل تاج. وبالإضافة إلى هذين الشريانين التاجيين الرئيسيين هناك أوعية أخرى خاصة تسحب الدم من حجرة القلب إلى عضلة القلب. إذن فعندما لا تعود عضلة القلب تتزود بحاجتها من الدم بسبب التصلب ينسد الشريانان التاجيان ويسببان تجلطاً تاجياً. لذلك فعندما تتكون جلطة في أحد الشريانين التاجيين تكون النتيجة احتشاء قلبياً. وهذا يشبه النبتة التي لا تحصل على الماء في فصل الجفاف. ولمنع حدوث التصلب في الشرايين بواسطة الطعام ينبغي أن تكون الوجبة فقيرة بالكولسترول والدهن. فللمحافظة على سلامة قلبك أنصحك بما يلي:
1- امتنع عن التدخين. فالإنسان ليس هو الذي يدخن السيجارة وإنما السيجارة التي تدخن الإنسان (صحته). أشار الدكتور جورج غودير نقيب أطباء بريطانيا الأسبق إلى أن تدخين السجائر مسؤول عن تسع من كل عشر إصابات بسرطان الرئة وعن ثلاث من كل أربع ميتات بالتهاب الشعب الرئوية المزمن وعن واحد من كل أربع ميتات بالمرض القلبي التاجي. ومنذ زمن ليس ببعيد قدر الجراح العام في الولايات المتحدة أن 300,000 ميتة سابقة لأوانها تتأتى كل سنة عن تدخين السجائر.
2- امتنع عن الشرب: "فكرامة الإنسان لا يمكن الحفاظ عليها بالكحول" (لوريمر). قال إشعياء: "ويل للمبكرين صباحاً يتبعون المسكر". نعم، ألوف يشربون حتى الموت قبل أن يموت واحدهم من العطش. إن الطريقة الوحيدة لاستعمال الكحول بأمان هي فركها على الجلد للتطهير. لكن عند تناولها، فإنها تفرك السطح الداخلي للمعدة، وتسبب ضرراً بالغاً للقلب، والكبد، وأعضاء أخرى من الجسم، كما تسلب الشارب عقله وجيبه.
3- تجنب زيادة الوزن (الوزن الزائد يشكل عبئاً زائداً على قلبك). "الطعام يشفي أكثر من الأطباء". والبدانة سبب رئيسي أعظم للذبحات القلبية وخصوصاً عندما يرافقها التدخين والخمول الجسدي.
إن الرجل الزائد الوزن معرض أكثر بخمسين بالمئة للإصابة بأول ذبحة قلبية من الرجل الأخف وزناً. والبدانة تتأتى عن الإفراط في تناول الطعام الضروري لاستمرار الحياة.
تذكر الأمور التالية التي تساعدك على ضبط وزنك:
× تناول ثلاث وجبات منتظمة وأحرص على أن يكون الفطور جيداً.
× أكثر من تناول الخضار والفواكه وأعتدل في أكل الحبوب والخبز وقلل من تناول الدهنيات والحلويات. إن الطعام الذي تأكله بعد الثالثة بعد الظهر هو الذي يزيد الوزن.
× تجنب التعب والإرهاق (فعندما تنام أو تستريح يخف عبء القلب).
× تجنب الإجهاد (قلل من التمارين الرياضية العنيفة بعد الأربعين).
× تجنب التشخيص الذاتي (عندما تشعر بأية أعراض استشر الطبيب). "ويل للحكماء في عين أنفسهم".
× تجنب القلق. (لا شيء يعالج ويمنع بالقلق. فالحياة السعيدة تؤتي صفاء العقل".
قال أوليفر كرومول: "احفظ بارودك ناشفاً وثق بالله"
طبق القواعد المدرجة أعلاه واتكل على الطبيب السماوي.
عن مجلة ”نداء الصحة“ اللبنانية