منذ أن بدأت رحلتي العلمية، تعلمت أن شكل الحكومات ينحصر في الحكومات الرأسمالية، والحكومات الشيوعية، والحكومات الاستبدادية الدكتاتورية، والحكومات الثورية، أي المناضلة من أجل الحرية أو حكومات المنفى، والحكومات الملكية، والحكومات الدينية المتطرفة أو المعتدلة، والحكومات البوليسية أو دولة الجيش والردع القانوني بدون محاكمة أو إجراءات شرعية وغيرها. إنها أشكال متنوعة من الحكام والدساتير والصلاحيات والمناهج والعقليات.

وبدأت مرحلة جديدة، بدأتها منذ 50 سنة مضت، فزرت بلاداً متعددة في العالم لمرة أو لمرات، ومنها لبنان، والأردن، وسوريا، والأراضي المقدسة، وقبرص، وهولندا، وبلجيكا، وكوريا، واليابان، وايطاليا، وتركيا، وفرنسا، واليونان، وأسبانيا، وإنجلترا، والمكسيك، وكندا، وألمانيا، وأستراليا. وعلمتني الأيام، والسفريات، والتخصصات العلمية، والعلاقات، ودراسة الناس، ونمط السياسات أن الدول الآن تتجه نحو تغير هائل تماماً. فالدولة الواحدة إما أن تكون على مستوى الانفتاح العالمي أو لا تكون. ومن هنا لا بد للدولة أن تكون اشتراكية على المستوى الدولي كجزء من هذا الكم الكبير، وديمقراطية على المستوى المحلي بالأخذ بمبدأ الشورى، ورأسمالية أي لها ميزانها المالي وماليتها الخاصة. لا مجال للدكتاتورية في عالمنا الصغير فقد انتهى عصر الرقيق، ولا فرصة سانحة لظهور دولة الشعارات مع أنه ما زالت تملأ الأدمغة العتيقة التي تردّد الشعارات، وتخدع البسطاء، وتعيش في الأحلام والتصوّرات. وما رأيك في دولة العصابات والعصبيات أو دولة الأغلبية التي تنتهك الحريات؟ إن هؤلاء يتجاهلون العيون الفضائية والصور الالكترونية والمراقبة الصحفية والهواتف ذات الشفرات السرية والجواسيس البشرية الرخيصة الثمن.
المهم، أنه بدأ جيلي بتفتيت الملكيات الذي بدأ بقرارات التأميم، إلى المشاركة في الحكم، ودخول المعارضة والعناصر المناوئة لساحات الشرفاء. وأصبحت قضايا الخلافة والمهجرين والمهاجرين تحتل مكانتها في مناقشات الأقطاب ومؤتمرات القمة أو اجتماعات الوزارات جنباً إلى جنب كدراسة الاقتصاد والظروف الاجتماعية أو البرامج الثقافية. وأصبح كل الناس كأسنان المشط وإن شئت فقل كطقم أسنان العجوز.
ما هو الضرر من الحوارات الدينية؟ إن الضرر يكمن في الفروض المسبقة والأدمغة المتحجّرة والدفاع عن لقمة العيش. قال أحد أصدقائي المشهورين في العالم مرة: لا تصدّق كل التقارير. لو صحت كل هذه التقارير لما احتاج عالمنا المعاصر بعد إلى دعاة ورعاة روحيين لأنه يفترض عندئذ أن الجميع متديّنون. كنت أشاهد برنامجاً علمياً عن توصّل العلماء إلى نتائج أبحاث تثبت أن الحياة بدأت تحت القشرة الأرضية أو في قاع المحيطات. ولكن هذه الأبحاث أغفلت التقلّبات الطبيعية، وعوامل التعرية، وتأثير الزلازل والبراكين. أنا لا أشك في ضرورة الأبحاث أو النظريات العلمية مطلقاً لأن تطبيق النظرية يثبت صحتها أو ضعفها. إن استخدام الوقود الحيوي، أو الحبوب الغذائية لاستخراج ”الإثانول“ بدلا من وقود السيارات النفطي، مثلاً، سبق علمي رائع. كان نابليون يكره الكلمتين: "لا أعرف"، وكان يعالجها بـ "تعلّم فتعرف"، ثم "لا أقدر"، وكان يعالجها بـ "حاول فتقدر"، ثم "يستحيل". وكان يقول: "لا يستحيل على القلب الشجاع شيء". قال بوذا لتلاميذه قبل وفاته: "خلّصوا أنفسكم باجتهادكم"، أما مسيح الكتاب المقدس فيؤكد: "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد". فهل اختبرت هذا الخلاص، والغفران، والسلام، والحب الإلهي، والحظوة الروحية مع الله بواسطة المسيح وعمله على الصليب؟ إنه اختبار روحي لكل من يقبله ويحبه ويصلي إليه. هذا هو تطبيق الأحداث التاريخية في سياق الزمن ليتم القول أنه قد صارت ممالك العالم ملكاً للرب ومسيحه.
والخلاصة، أصبحت أراضي كل دولة ملكاً للمواطنين، والمهاجرين، والمهجّرين، والعابرين، والتائهين، وقد تعجّ بالمتشرّدين والإرهابيين. لذلك لنعمّر الصحاري، ولنزرع الأراضي، ولنزيّن الطرقات بالأشجار، والميادين بالورود والزهور. لنستفد من تهجين الحيوانات، وتطوير الجينيات أو المورثات البشرية، وقدرة بعض البلاد في المفاعلات الذرية أو الأبنية جاهزة الصنع، أو الالكترونيات الحديثة، أو الزراعة المتطورة، أو تكنولوجيا المباني الشاهقة، والجسور المعلقة. لنفتح المعابر، ونطلق حرية التنقل، وننهي الحصار والعقوبات في مقابل جيش موحّد وسلام شامل وتبادل أسرى وإنهاء حالة الحرب الباردة وتشغيل القوى الراكدة والمشاركة في التعمير والغرس والتعليم. إنها الايجابية الموضوعية وليس السلبية المزاجية.

• السابق