Voice of Preaching the Gospel

vopg

كانون الثاني January 2010

حدى الخطوات الهادئة والهامة جداً في مسيرة الإيمان هي أن يتعلم المؤمن كيف ينتظر الرب. وليس ذلك بعملية روتينية تتم عَرَضاً في حياة كل مؤمن، إذ أنها مرتبطة إلى حدٍّ بعيد بكثير من التحدّيات كالطبع الذاتي للشخص المؤمن، ومدى

استجابته لدوافع التقدّم في حياة الطاعة والتسليم للمشيئة العليا، وتَخَلّيه عن كثير من القناعات المترسخة في نفسه بسبب التربية والأسرة والمدرسة والمحيط، والرغائب والمحفّزات والعواطف الشخصية.
ونحن إذ نطالع سِيَر الكثيرين من رجال الله في العهدين القديم والجديد نعثر على نماذج متباينة في هذا الموضوع بينما نجد أشخاصاً من كبار المؤمنين تدرّجوا في مدرسة انتظار الرب.
فإبراهيم أبو المؤمنين مثلاً، حين أطاع الله وخرج من أور الكلدانيين وأتى إلى أرض كنعان وكان عمره آنذاك خمساً وسبعين سنة، فقد وعده الله حينها بنسل كثير وبركة جزيلة. ولكن بعد عشر سنوات نجد أن قدرة سارة على الانتظار اهتزت فطلبت منه أن يتزوج جاريتها هاجر فيولد لهما بنون. وكانت تلك هزةً في انتظار إبراهيم أيضاً، ففعل. ولكن الله أكّد له بعد حين - حيث أصبح عمره تسعاً وتسعين سنة وعمر سارة تسعين سنة وكان إسماعيل ابنه من هاجر قد أصبح في الثالثة عشر من عمره – أنه سيعطيه نسلاً من سارة امرأته حيث يقول الكتاب "فَسَقَطَ إِبْرَاهِيمُ عَلَى وَجْهِهِ وَضَحِكَ، وَقَالَ فِي قَلْبِهِ: هَلْ يُولَدُ لابْنِ مِئَةِ سَنَةٍ؟ وَهَلْ تَلِدُ سَارَةُ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِينَ سَنَةً؟ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ ِللهِ: لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!" (تكوين 17:17-18). ولكنه فيما بعد وقد تعلّم درس انتظار الرب جيداً لم يعترض أو يشك حتى في قلبه أو يتردّد في الاستجابة لصوت الرب واثقاً بأن مقاصده دوماً صالحة. "فَقَالَ لَهُ [الرب]: يَا إِبْرَاهِيمُ!. فَقَالَ: هأَنَذَا. فَقَالَ: خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِي تُحِبُّهُ، إِسْحَاقَ، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِي أَقُولُ لَكَ. فَبَكَّرَ إِبْرَاهِيمُ صَبَاحًا وَشَدَّ عَلَى حِمَارِهِ، وَأَخَذَ اثْنَيْنِ مِنْ غِلْمَانِهِ مَعَهُ، وَإِسْحَاقَ ابْنَهُ، وَشَقَّقَ حَطَبًا لِمُحْرَقَةٍ... وَرَبَطَ إِسْحَاقَ ابْنَهُ وَوَضَعَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ فَوْقَ الْحَطَبِ. ثُمَّ مَدَّ إِبْرَاهِيمُ يَدَهُ وَأَخَذَ السِّكِّينَ لِيَذْبَحَ ابْنَهُ" (تكوين 2:22-10).
لقد بلغت أمثولة انتظار الرب في حياته حدّاً جعله مدرسة في هذا المجال!
وإذا أخذنا أيوب مثلاً نجد أنه في بدايات التجربة المريرة التي أثارها ضدّه إبليس، سبّ يومه الذي وُلد فيه. وحين بدأ يثقل عليه كلام أصحابه الثلاثة الذين جاءوا لتعزيته ولكنهم بدأوا يكيلون له التهم ويعتبرون مصيبته جزاء من الله لذنوبٍ اقترفها؛ تململ وتذمّر وعاتب الله "أَأَخْطَأْتُ؟ مَاذَا أَفْعَلُ لَكَ يَا رَقِيبَ النَّاسِ؟ لِمَاذَا جَعَلْتَنِي عَاثُورًا لِنَفْسِكَ حَتَّى أَكُونَ عَلَى نَفْسِي حِمْلاً؟" (أيوب 20:17). وأيضاً "قَدْ كَرِهَتْ نَفْسِي حَيَاتِي... أَتَكَلَّمُ فِي مَرَارَةِ نَفْسِي قَائِلاً ِللهِ: لاَ تَسْتَذْنِبْنِي. فَهِّمْنِي لِمَاذَا تُخَاصِمُنِي!" (أيوب1:10-2). ثم يخاطب الله باحتجاج صارخ: "إِلَيْكَ أَصْرُخُ فَمَا تَسْتَجِيبُ لِي. أَقُومُ فَمَا تَنْتَبِهُ إِلَيَّ. تَحَوَّلْتَ إِلَى جَافٍ مِنْ نَحْوِي. بِقُدْرَةِ يَدِكَ تَضْطَهِدُنِي. حَمَلْتَنِي، أَرْكَبْتَنِي الرِّيحَ وَذَوَّبْتَنِي تَشَوُّهًا" (أيوب 20:30-22). ولكن حينما تعلّم درس الانتظار جيداً قال: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ. فَمَنْ ذَا الَّذِي يُخْفِي الْقَضَاءَ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟ وَلكِنِّي قَدْ نَطَقْتُ بِمَا لَمْ أَفْهَمْ. بِعَجَائِبَ فَوْقِي لَمْ أَعْرِفْهَا. اِسْمَعِ الآنَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ. أَسْأَلُكَ فَتُعَلِّمُنِي. بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. لِذلِكَ أَرْفُضُ وَأَنْدَمُ فِي التُّرَابِ وَالرَّمَادِ" (أيوب 2:42-5). ويظهر لنا بوضوح مما تقدّم كيف تعلّم أيوب وفهم جيداً حينما رأى الرب بشكل واضح فاستراحت نفسه إلى حكمة وصلاح قصد الله وذلك هو لبّ الموضوع.
كذلك أنت عزيزي القارئ، فإن لم يرْقَ إيمانك القلبي لدرجة رؤية الرب بوضوح في إعلانه عن نفسه وصدق مواعيده فلا تستطيع أن تكون من منتظري الرب!!
وإذا أتينا إلى شخصيات الكتاب المقدس الأخرى وكيف تعامل كلٌ منهم مع مواعيد الرب ومواثيقه في أيام وجوده على الأرض نرى عجباً عجيباً من التنوّع الملفت، فحياة هؤلاء الأبطال تشكل باقة متعدّدة الألوان والأشكال.
فنحن نرى أخنوخ الملازم للرب في انتظاره يخشى أن يبتعد عنه قيد أنملة معبّراً عنه الكتاب بقوله: "وسار أخنوخ مع الرب". وقد لبّى له الرب شدة تمسّكه فأخذه إليه حياً!
ونرى نوح في انتظاره المتأني مسايراً بذلك أناة الله على الخطاة فقد وعظهم مئة سنة دون أن يرى ثمراً فلم يملّ ولم يفشل.
وموسى الذي ظلّ منتظراً رحمة الرب على الشعب القديم رغم تمرّد هذا الشعب وعناده ورغم رفضهم له وتعييرهم وصدودهم عنه.
ويوسف الذي انتظر بصمت رغم كل ما أصابه... إلى أن رفّعه الله وأناله حُسن جزائه.
ويشوع الذي ظلّ في انتظاره مجاهداً بكل ما أوتي من قوة كي يتحقّق وعد الله له بامتلاك أرض الموعد.
وداود الذي ظل منتظراً بثبات تحقيق وعد الله له بالمُلك. ورغم كل العداء الذي أظهره له شاول، ولكنه لم يقابله بالمثل، ولم يتعجّل الأمر بقتل عدوّه الذي كان يطارده للقضاء عليه، وقد وقع شاول بيده مرتين، وقيل له أن يقتله ولكنه لم يفعل بل ظل منتظراً تدبيرات الرب.
وإيليا النبي الذي كان متلهّفاً للقاء الرب، وقد تعجّل فترة انتظاره، فبعد انتصاره العظيم على جبل الكرمل ظن أن مهمته قد انتهت ولكنه ظل في سكونه مستعداً لتنفيذ مشيئة الله الصالحة بدون تردد أو تذمّر مع انتظار الخاتمة الإلهية! فأطعمه ملاك الله وجبتين سار بقوتهما أربعين يوماً وأربعين ليلة، ثم أكل ما جاءته به غربان السماء من لحم، وشَرِبَ من ماء النهر حتى جفّ، فأرسله الله إلى امرأة أممية أرملة ليس لها شروى نقير، ثم أمره الله بإتمام خدمته بمسح ملك لآرام وقائد للشعب ونبي عوضاً عنه، ثم أعلن له قرب انطلاقه، فسار ومعه أليشع النبي البديل إلى أن أخذته المركبة السماوية حياً إلى محضر الله.
وإرميا المنتظر في خضمّ الحزن والدموع. ودانيآل المنتظر في السبي بكل تصميم وإباء. وحبقوق الذي تعلّم من الرب بأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية تتكلم ولا تكذب. عرف كيف ينتظرها رغم الجوع والحاجة وفقدان جميع الموارد، حتى ولو توانت!!
ونأتي إلى بعض شخصيات العهد الجديد فنرى إستفانوس في انتظاره المتسارع وهو ينظر خلف الاضطهاد المرّ وتحت شدّة الأذى والتهشيم الذي كانت تعمله في جسده حجارة راجميه، فيرى السماء مفتوحة ويسوع قائماً عن يمين الآب لضمّه إليه فيصرخ متشفّعاً براجميه وطالباً لهم الغفران "يا رب لا تقم لهم هذه الخطية". وفي تقديري أن تلك العبارة هي التي أضرمت نار التبكيت في قلب شاول الطرسوسي الذي كان يقود أولئك الذين رجموا إستفانوس. ولكن بسبب عناده وتعصّبه كان يحاول إخماد تلك النار التي كانت تستعر في داخله من وقت لآخر. ففي ذهابه إلى دمشق بمهمة جديدة لإيذاء المؤمنين بيسوع، لا شك أنه كان يقول في نفسه: "ماذا لو كان ما يقول هؤلاء المسيحيون عن الله وعن فداء المسيح صحيحاً؟ وماذا لو أسأتُ لشخص آخر ظهر لي فيه مثل الروح التي رأيتها في إستفانوس وقوة السلام والغفران التي كانت في قلبه؟ وماذا لو كان ما أنا فاعله الآن هو ضدّ مقاصد الله الحقيقية، أفلا يمكن أن أخسر أبديتي ويكون كل ما فعلته وهماً باطلاً وعناداً قاتلاً؟"
كانت تلك هي المناخس التي أشار إليها الرب يسوع عندما ظهر له بمجد أبهى من لمعان الشمس فسقط على الأرض وسمع صوتاً يقول له: "شَاوُلُ، شَاوُلُ! لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟... صَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ".
 والمنخس هو عود مدبّب مربوط بخيط فوق ظهر الدابة يستعمله راكبها فيغرزه في مقدمة ظهرها عندما تتباطأ في السير أو تحيد عن الطريق. وهي من ألمها ترفس ولكن هيهات لتلك الرفسات أن تصل إلى ذلك المنخس أو أن توقف عمله في ظهرها مرة بعد أخرى! - كثيرون ممن يضطهدون أولاد الله وكنيسة المسيح يحاولون إسكات ذلك الصوت الصارخ في أعماقهم والذي يحذّرهم من عواقب أعمالهم الشريرة ولكنهم يرفسون ثم ينحدرون إلى أعماق الجحيم، دون أن يعرفوا هول ما تجني أيديهم قبل فوات الأوان – تغيّر شاول حالاً وأصبح بولس الرسول العظيم الذي تعلّم بقوة كيف ينتظر الرب بصبر واحتمال حتى الموت واضعاً عنقه لتُقطع بيد الرومان بعد أن جاهد الجهاد الحسن، أكمل السعي وحفظ الإيمان!!
ويوحنا الرسول الذي طلب مرة أن تنزل نار على مدينة من السامرة، أصبح من منتظري الرب الأشداء، فبعد كل الضيقات والاضطهادات ومحاولات قتله ظلّ منتظراً في الوحشة القاسية في جزيرة بطمس إلى أن صُلب معكوساً بناء على طلبه.
وأخيراً وليس آخراً، أعظم المنتظرين هو الرب يسوع الذي احتمل الإهانة والرفض والتعيير والبغض وقاسى كل أنواع الألم في النفس والجسد إلى أن مات معلّقاً على صليب العار لأجل الخطاة وقد صلى لأجل صالبيه.
(للبحث تتمة)

المجموعة: 201001

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

581 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577727