Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2010

قـال: السماءُ كئيبةٌ وتجهَّما
قلت: ابتسمْ يكفي التجهُّم في السما
قال: التي كانت سمائي في الهوى
صارتْ لنفسي في الغرام جهنَّما


قلت: ابتسم واطربْ فلو قارنْتَها
لقضيتَ عمرَك كلّـَه متألّما
قال: الصِّبا ولّى! فقلتُ له ابتسم
لن يُرجعَ الأسفُ الصِّبا المُنْصَرما
قال: الليالي جرَّعتْني علقَـما
قلت: ابتسم ولَئِن جرعتَ العلقما
فلعلَّ غيرَكَ إن رآكَ مرنِّما
طرَح الكآبةَ جانبا وترنّما
أتُراكَ تغنَمُ بالتبرُّم دِرْهَما
أم أنت تخسرُ بالبشاشةِ مغنما؟
قال: البشاشةُ ليستْ تُسعدُ كائناً
يأتي إلى الدنيا ويذهب مرغما
قلت: ابتسمْ ما دامَ بينك والرَّدى
شبرٌ فإنَّك بعدُ لنْ تتبَّسما

هذا الشعر بالذات، للشاعر اللبناني إيليا أبو ماضي، غزا ذاكرتي مؤخراً إثرَ التجهُّم الذي عاينْتُه على محيَّا البعض. ليس التجهُّم فحسب بل التبرُّم أيضاً ومن كل شيء، فهم لا يرون سوى النفق المظلم أمام أعينهم، ويتغاضون عن رؤية النور في نهاية النفق. وعندما تُحاجُّهم تجدهم يدافعون عن موقفهم، يلومون الزمن الجائر على كل ما يواجهونه من متاعب ومصاعب. فيئنُّون ويتذمَّرون ويتبرَّمون ويلومون. وفي نهاية المطاف نراهم يجرُّوننا نحن معهم في موكب الاكتئاب هذا ودونَ أن ندري. فهل قابلتَ قارئي أمثال هؤلاء الناس؟
هل تعلم أنَّ العواطفَ الإيجابية هي سلاح فعّال ضد تحديات الحياة؟ ”فالعواطف الإيجابية حيالَ الكثير من المواقف قد تساعد المرء على مواجهة التحديات والنظر بتفاؤل إلى الحياة والشعور بالسعادة.“ هذا ما صرَّحت به الأستاذة الأمريكية في علم النفس Barbara Fredrickston باربرا فريدريكستون، وهي أستاذة في علم النفس في كلية الفنون والعلوم وباحثة في مختبر العواطف الإيجابية والنفسية في الولايات المتحدة. وقالت أيضا: "إنَّ ما أظهرته هذه الدراسة هو أنه إذا كانت السعادة هي هدفك في الحياة فعليك التركيز وبشكل يومي على تلك اللحظات القليلة التي تطلقُ فيها العنان لعواطفك الإيجابية." ورأت فريدريكستون أن "هذه اللحظات القليلة تجعل براعم العواطف الإيجابية تتفتح... وتجعلنا أكثر انفتاحاً على الآخرين، وذلك يساعدنا على الحصول على الموارد التي تخفف الضغط النفسي عنا والتخلص من الكآبة ومواصلة النمو."
كما ذكر موقع "ساينس دايلي" أن الباحثين طلبوا من ستة وثمانين مشاركاً في الدراسة تقديم تقارير يومية عن الحالة النفسية والعاطفية التي يمرون بها بدلَ مجرد الإجابة عن أسئلة عامة مثل "كم مرة شعرتَ خلال الأشهر الماضية بالسعادة؟" وقالت فريدريكستون: "إن تلك التقارير اليومية ساعدتنا على فهم أفضل للعواطف وأتاحت لنا معرفة اللحظات العاطفية التي كان يمر بها هؤلاء خلال صعودها وهبوطها". مشيرة إلى أنه: في الكثير من الأحيان نجد أنفسنا منغمسين في التفكير بشأن مستقبلنا. وأفضل مقاربة تكون في الانفتاح والمرونة والنظر بتقدير إلى أشياء جيدة قد تراها في حياتك اليومية بدل طرح أسئلة افتراضية أخرى مثل: هل سأكون سعيداً لو انتقلت إلى مكان آخر؟ أو "هل سأكون سعيداً إذا تزوجت؟" كان هذا تقريراً أُدرج على صفحة دراسات في صحيفة "العرب" التي تصدر في لوس أنجلوس. فهل السعادة هي هدفنا في الحياة أم أننا نسعى إلى التعاسة وبشكل يومي؟ وبدل أن نطلق العواطف الإيجابية لتسيطر على تفكيرنا وكلماتنا وسلوكنا، يجد البعض منا نفسه ينخرط في عالم مكتئب متجهِّم يائس يندب فيه حظه العاثر ويتبرَّم من معاملات الزمان المهينة. وبدل أن يعي نفسه، وينتبه إلى تصرفاته، نراه يهوي في بالوعة اليأس والقنوط. (وهنا لا أقصد بالطبع اتِّباع ما ينادي به البعض بـ "التفكير الإيجابي").
فحذارِ من الانخراط في عالم هؤلاء لأنه عالم مكتئب وحزين ومتجهّم. تماماً كما وصفه الشاعر في قصيدته. لا يكتئب هذا الإنسان بسبب خيانة الحبيب فحسب،  بل نراه عابساً بسبب كل ما يجري له ومعه وحوله، ويضع العراقيل والعقبات دائماً في طريق كل شيءٍ جميل أيضاً. ولا تقتصر هذه الحالات على المجتمع المدني بل نجدها مع الأسف في محيطنا الكنَسي وبين مؤمنين يَعتبرون أنفسهم متقدّمين في الإيمان. بالحق  ما أبعدَ هؤلاء عن إنسانةٍ متقدِّمة في العمر قد غطَّى الشيبُ رأسَها، وأقعدَها المرضُ في الفراش، حتى صارت تُخدَم. هذه لم تترُكْ لليأس مكاناً في حياتها، بل كان كلُّ ما يَفيضُ به لسانُها هو كلماتُ الشكر والتقدير لله القدير،  والإطراءُ والمديحُ لكل شخصٍ يقوم بخدمتها. حتى باتتْ نجمةً لامعة في دار العجزة حيث تقيم. وعندما أقوم أنا بزيارتها أتعجَّب من بسمتها الدائمة على وجهها، وفرحتها بمجيئي إليها. إنَّها أمي الحنون التي علمتني أن أبتسمَ في كل الظروف. فعلى الرَّغم من مرضها الأليم، إلاَّ أنَّها لا زالت تقدِّر وتشكرُ وتُقرُّ بأفضالِ الله عليها في كلِّ لحظة.
قال أحدُ المؤمنين مرةً: سألتُ الله أن يرشدني لأعرفَ كيف أعيش على هذه الأرض فهمس في أذني قائلاً: كن كالشمس، اصحَ دوماً باكراً، ولا تذهبْ إلى الفراش متأخرًا. كن كالقمر الذي يضيء وسطَ الظلام، لكن لا تنسَ أبداً أن تَخضع للنور الأعظم. كن كالعصافير، كلْ واشرب وغنِّ واطربْ، وحلِّق في الفضاء. كن كالزهور محبًّا للشمس لكن صادقاً أبداً لأصولِك. كنْ أميناً لإلهك وربِّك. كن كثمارِ الفاكهة جميلة المنظر وطيبة النكهة. كن كالنهار الذي يأتي ويذهب من دون تفاخر. وكن كالواحة الغنَّاء، أعطِ ماءً للعطشان. كن كالنهر دائماً يجري إلى الأمام. وفوقَ هذا كلِّه كن كالسماء الفسيحة حيث مسكن العلي.
لا بدَّ أن يشعرَ المؤمنُ الحقيقي بفتراتٍ من الهبوط في بعض الأحيان، تماماً كما شعرَ بنو قورح في المزمور الثاني والأربعين فتساءلوا وقالوا: لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟ ارْتَجِي اللهَ، لأَنِّي بَعْدُ أَحْمَدُهُ، لأَجْلِ خَلاَصِ وَجْهِهِ. يَا إِلهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ، لِذلِكَ أَذْكُرُكَ مِنْ أَرْضِ الأُرْدُنِّ وَجِبَالِ حَرْمُونَ، مِنْ جَبَلِ مِصْعَرَ.... كَمَا يَشْتَاقُ الإِيَّلُ إِلَى جَدَاوِلِ الْمِيَاهِ، هكَذَا تَشْتَاقُ نَفْسِي إِلَيْكَ يَا اللهُ. عَطِشَتْ نَفْسِي إِلَى اللهِ، إِلَى الإِلهِ الْحَيِّ. مَتَى أَجِيءُ وَأَتَرَاءَى قُدَّامَ اللهِ؟ عاد وأقرَّ بنو قورح أن اللهَ الحي هو من يُروي النفس العطشى، وهو مصدر رجاء الإنسان وأمله المشرق. وحين تشوِّشُ عقلَ المؤمن الأفكارُ السلبية التي تزحف إليه بخطىً وئيدة، ويبعد نظره عن منبع الرجاء والفرح لا بد أن يقعَ فريسةَ الاكتئاب والقنوط.
ترى، هل نعطي أذناً سامعة لكلام الرب يسوع المسيح وكذا قلباً عاملاً بالكلمة؟  إذ يعلِّمنا أن لا نهتمّ أو نغتمّ فيقول: اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ، وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟... وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَدًا فِي التَّنُّورِ، يُلْبِسُهُ اللهُ هكَذَا، أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدًّا يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ (متى 6: 25 – 30)
فكيف تصنّف نفسك يا قارئي؟ المؤمن الفرح؟ أم المؤمن القلق والمكتئب؟ وإذا كنت حقاً ذلك المؤمن الفرح والمبتسم، فإنَّ وجهك البشوش لسوفَ يعلن للملا عن سعادةٍ حقيقية غامرة تفيض من القلب، وهكذا يتجاوبون مع كلامك. وليس كذلك المؤمن العابس الذي قدَّم مرة نبذةً لأحد المارة فرماها في وجهه وقال: لا لا أريد أن أصبح متجهِّما مثلك. فكُنْ كالبراعم التي تتفتَّح لتصبح زهوراً يانعة تبتسم للحياة وتتمايل تحت أشعة الشمس مع كل نسيم عليل، تماماً كما تنحني أيضاً تحت ثقلِ قطَرات المطر المنعشة معلنةً تسليمها الكامل لمانحِ الحياة وباريها.

المجموعة: 201002

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

449 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10554439