نيسان April 2010
”لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: رَنِّمُوا لِيَعْقُوبَ فَرَحًا... سَمِّعُوا، سَبِّحُوا.. وَقُولُوا: خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ... أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيق مُسْتَقِيمَةٍ لاَ يَعْثُرُونَ فِيهَا...“ (إرميا 7:31-9).
في هذه الأيام كثر التذمّر، وازداد الأنين، وظهرت علائم الحزن والكآبة على وجوه الكثيرين. فما أن يقع بصرك على أحدهم إلا وتجده عابساً ومقطّب الجبين... فبدأت أحسّ بضيق شديد على ما وصل إليه الكثيرون، وبدأت أبحث عن الأسباب التي أدّت إلى هذه الحالة، ولم آخذ وقتاً في التفكير، وتوصّلت إلى السبب الحقيقي لها وهو بُعد الناس عن الرب يسوع، ووقوعهم تحت سلطة إبليس عدوّ كل برّ، وعدوّ كل خير، الذي دائماً يخدع تابعيه معلناً لهم أنهم سيكونون في قمة الأفراح.
وقد يبدو كلامه صحيحاً.. فالأشرار"يَحْمِلُونَ الدُّفَّ وَالْعُودَ، وَيُطْرِبُونَ بِصَوْتِ الْمِزْمَارِ" (أيوب 12:21)، كما حدث مع الابن الضال الذي جمع كل ما له وسافر إلى كورة بعيدة، وبدأت الأفراح تهلّ عليه، ولكنها لم تدم طويلاً إذ بذّر ماله بعيشٍ مسرف، فأنفق كل شيء وبدأ يحتاج. فامتلأ قلبه بالأحزان والآلام ووصلت قمتها عندما عمل راعياً للخنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله ولم يعطه أحد.
ولكي أخرج من حالة الضيق التي انتابتني لجأت إلى كلمة الله، وقادني روح الرب إلى إرميا 31 فقرأت الأعداد التسعة الأولى فانفرجت أساريري عندما قرأت عن العلاقة القوية التي تربط الله بشعبه وكيف أنه يفرّحهم حتى يسبحوا ويهتفوا بصوت عالٍ ليعلنوا أفراحهم لكل من حولهم. وللفائدة نتأمل في ثلاث ملاحظات:
أولاً: دعوة للسعادة والهناء
ثانياً: أمر بالصلاة والدعاء
ثالثاً: وعد إحياء الأمل والرجاء
أولاً: دعوة للسعادة والهناء
”رَنِّمُوا... وَاهْتِفُوا... سَبِّحُوا“ - لو تأملنا في الوقت الذي قُدّمت فيه هذه الدعوة للأفراح سنرى أن الوقت غير مناسب. فالشعب في حالة سبيٍ، وكلنا نعلم أن للسبي آلامه وأحزانه، ويظهر هذا من حالة الشعب في السبي الأول... كانوا يبكون... وتوقفت أفراحهم وترنيماتهم، وعلّقوا أعوادهم على أشجار الصفصاف، ورفضوا الترنيم في أرض غريبة (مزمور 1:137-4).
الرب يدعونا للأفراح والهناء، وربما نسأل:
ما الذي يفرحنا ونحن في برية الآلام، وشمسها المحرقة، ورمالها الساخنة؟
سأذكر بعض البركات التي تفرحنا أفراحاً قلبية:
1- الخلاص من الخطية
قال أحد المؤمنين: "إن الخطية حمل ثقيل، ومرض وبيل، وقيدٌ مرير". وقال آخر بأسلوب عامي: إن الخطية تفلس وتجرّس وتنجّس". فمن منا لا يفرح لأن حمل الخطية قد انزاح عن كاهله، ومرضاً خطيراً شُفي منه، وقيداً مريراً تحرّر منه وتخلّص من العار والنجاسة؟!!
فرح الخصي الحبشي بخلاصه، وأقام سجّان مدينة فيلبي وليمة وتهلل مع أهل بيته إذ كان قد آمن بالله.
نجد في بشارة الملاك للرعاة بولادة الرب يسوع قوله لهم: "فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ". من هذا النص نرى العلاقة بين الفرح والخلاص.
2- أعظم معين
في ندوة كنسية طلب قائد الندوة من الأعضاء ان يكتب كل واحد منهم أعظم وعد في الكتاب المقدس. فوجد القائد أن 99 ٪ من الأعضاء كتبوا الوعد المبارك العظيم: "وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ". من منا لا يفرح بوجود الرب معه؟! قال يوحنا عن التلاميذ: "فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ". إن وجود الرب معنا يملأ قلوبنا بالأفراح، ونفوسنا بالانشراح، وكياننا بالارتياح.
دهشت كثيراً عندما قرأت عن التلاميذ أنهم رجعوا بفرح إلى أورشليم بعد صعود المسيح، ولكن زالت دهشتي عندما تذكرت وعد الرب لهم بالمعية وبذلك تيقّنوا أن هذا الصعود شكليّ فقط.
3- الكلمة المقدسة
كلمة الرب تفرحنا وتسعدنا كما يقول الوحي: "وَصَايَا الرَّبِّ مُسْتَقِيمَةٌ تُفَرِّحُ الْقَلْبَ".. تفرحنا أفراحاً عظيمة. "أَبْتَهِجُ أَنَا بِكَلاَمِكَ كَمَنْ وَجَدَ غَنِيمَةً وَافِرَةً". يفرح الإنسان إذا عثر على كنز فرحاً شديداً... بينما الكنوز المادية إلى زوال فالذهب يزول، والفضة تفنى، والمال يتبدّد، لكن كلمة الله هي الحية الباقية إلى الأبد..
كلمة الرب هي سر حياتنا، فنحن نحيا بكل كلمة تخرج من فم الله.
كلمة الرب هي سرّ قوتنا. قال دانيآل النبي: "وَلَمَّا كَلَّمَنِي تَقَوَّيْتُ".
كلمة الله تحتوي على مواعيد عظيمة وثمينة تغطي كل احتياجاتنا.
4- أشرف بنوية
البنوّة هي أعظم علاقة تربط بيننا وبين الله. فكل "الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ". و"اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ".. الإنسان يصير ابناً لله!!!
الإنسان المولود بالخطية... الضال الساقط يصبح ابناً لله القدوس الذي السماء ليست بطاهرة قدام عينيه وَإِلَى "مَلاَئِكَتِهِ يَنْسِبُ حَمَاقَةً"، يا لعظمة نعمة الرب التي لم تجعلنا عبيداً بل أولاداً أحباء؛ مع أن العبودية للرب شرف كبير للإنسان! يقول المسيح له كل المجد: "لاَ أَعُودُ أُسَمِّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيِّدُهُ، لكِنِّي قَدْ سَمَّيْتُكُمْ أَحِبَّاءَ لأَنِّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلِّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي".
5- رجاء الحياة الأبدية
نحن لا نستحق دخول الحياة الأبدية، ولكن الله وهبنا إياها "وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا"؛ أطلق عليها الكتاب المقدس "فرح سيدك" كما يظهر من مكافأة السيد لعبديه اللذين أخذا الوزنات وتاجرا بها وربحا "نِعِمَّا أَيُّهَا الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَالأَمِينُ... اُدْخُلْ إِلَى فَرَحِ سَيِّدِكَ". وما يفرحنا في الحياة الأبدية ليست أوصاف أرضها الذهبية، وأبوابها اللؤلؤية، ولكن وجودنا مع الرب يسوع المسيح لأننا "سنكون كل حين مع الرب".. وهناك سنفرح ونرنم مستخدمين قيثاراتنا في ترنيمة جديدة.
ثانياً: أمر بالصلاة والدعاء
”وَقُولُوا: خَلِّصْ يَا رَبُّ شَعْبَكَ“
نطلب الخلاص من الرب فقط:
1- لأنه هو المخلص الوحيد...
إنه يخلص من الخطية "التفتوا إليّ واخلصوا"، "وَلَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلاَصُ. لأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ ".
يخلص من الشدائد والضيقات "فَيَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ فِي ضِيقِهِمْ، وَمِنْ شَدَائِدِهِمْ يُخَلِّصُهُمْ. يُهْدِئُ الْعَاصِفَةَ فَتَسْكُنُ، وَتَسْكُتُ أَمْوَاجُهَا. فَيَفْرَحُونَ لأَنَّهُمْ هَدَأُوا".
يخلص من الأعداء، "لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ سَائِرٌ مَعَكُمْ لِكَيْ يُحَارِبَ عَنْكُمْ أَعْدَاءَكُمْ لِيُخَلِّصَكُمْ ".
2- لأنه المجيب الفريد: الرب يسمع الصلاة ويستجيبها.
"كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ... ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا". قال الرب يسوع: "اسْأَلُوا تُعْطَوْا، اُطْلُبُوا تَجِدُوا، اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ"؛ و"مَهْمَا سَأَلْتُمْ بِاسْمِي فَذلِكَ أَفْعَلُهُ لِيَتَمَجَّدَ الآبُ بِالابْنِ".
3- لأنه هو القوي الشديد: "هَلْ يَسْتَحِيلُ عَلَى الرَّبِّ شَيْءٌ؟" كلا، لأنه "غَيْرُ الْمُسْتَطَاعِ عِنْدَ النَّاسِ مُسْتَطَاعٌ عِنْدَ اللهِ". خرج أيوب من تجاربه باختبار عظيم "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ".
ثالثاً: وعدُ إحياء الأمل والرجاء
قدم لهم وعداً ثلاثياً:
1- وعد بجمع شتاتهم: "هأَنَذَا آتِي بِهِمْ... وَأَجْمَعُهُمْ مِنْ أَطْرَافِ الأَرْضِ"، لتحلّ المشكلة التي كان تؤرقهم وتقضّ مضجعهم وهي مشكلة تشتيتهم في أماكن متفرّقة.
وُصفت مواعيد الرب بوصفين: عُظمى وثمينة، وهما ليستا كلمتين مترادفتين، لكن لكل وصف معنى. فالعُظمى لأنها من الله العظيم، والثمينة لأنها تتناسب مع احتياجاتنا.
2- وعد بقيادتهم: "أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيق مُسْتَقِيمَةٍ". ما أعظم أن يكون الرب قائداً لسفينة حياتنا! كان القائد المنظور لشعب الرب هو موسى، ولكن الله كان هو القائد غير المنظور "وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ". أعجبت بعبارة سمعتها منذ ايام أن الله لم يعدنا بهدوء الرحلة ولكن وعدنا بسلامة الوصول، فهو قائدنا العظيم الذي سيصل بنا إلى البر الأمين بسلام.
3- وعد بحفظهم: "أُسَيِّرُهُمْ إِلَى أَنْهَارِ مَاءٍ فِي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمَةٍ لاَ يَعْثُرُونَ فِيهَا". وعد الرب شعبه بالحفظ "أرجل أتقيائه يحرس"، "لأَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ لِكَيْ يَحْفَظُوكَ فِي كُلِّ طُرُقِكَ". يحفظنا في خروجنا ودخولنا... يحفظنا من ضربة الشمس بالنهار ومن القمر في الليل..
وفي الختام أقول: إننا نعبد إلهاً عظيماً يملأ كل احتياجاتنا... يفرّحنا... يسمع صلاتنا... ويقدم لنا أجمل المواعيد... فليقل كل واحد منا: أمسكته ولم أرخه... أدخلته إلى خباء قلبي.