نيسان April 2010
"فَأَقُولُ هذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ: أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضًا بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ... أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ" (أفسس 17:4 و22-24).
في مقال سابق تكلمنا عن "صلب الجسد"، أي الإنسان العتيق، أي الطبيعة القديمة الفاسدة. وهنا في هذه الآيات نتبيَّن أن تصرّف هذا الإنسان العتيق الفاسد هو "بحسب شهوات الغرور". وكلمة "غرور" هنا لا تعني الكبرياء، بل تعني الخداع، أي الشهوات الخداعة deceitful lusts، فالشهوة الرديئة تخدع الإنسان، كما جاء في رسالة يعقوب 14:1 "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ". في هذا المقال سنجري مقارنة بين صفات الملابس القديمة وصفات الملابس الجديدة؛ ملابس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر وقداسة الحق. وكلمة "ملابس" هنا هي تعبير مجازي لأن الملابس هي أول ما نلاحظه حين نتقابل مع أي شخص. وكذلك في حياة المؤمن هناك أشياء يلاحظها الناس فينا؛ هي تصرفاتنا وسلوكنا اليومي. لذلك يجب أن يكون سلوكنا السلوك الذي يمجد الرب. هذه المقارنة مبنية على الآيات التالية:
"لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ، وَتَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ.
اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا. لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ، وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا.
لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ. لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ"
(أفسس 25:4-29).
المقارنة
أولاً: الكذب أم الصدق
"لِذلِكَ اطْرَحُوا عَنْكُمُ الْكَذِبَ". كلمة "اطْرَحُوا" تعني اخلعوا. فهو يعتبر الكذب مثل ملابس ملوّثة لا تليق بالمؤمن. الشيطان هو اكلذاب وأبو الكذاب، ولكن المؤمنين ليسوا أولاد إبليس، بل هم أولاد الله. لا عجب إن كان غير المؤمن يستخدم الكذب متى بدا له أن هذا لفائدته للتخلص من موقف حرج. ولكننا نحن المؤمنين أتباع يسوع المسيح الذي قال: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ"
(يوحنا 6:14). إلهنا إله قدوس، لذلك يحرضنا قائلاً: "تَكَلَّمُوا بِالصِّدْقِ كُلُّ وَاحِدٍ مَعَ قَرِيبِهِ، لأَنَّنَا بَعْضَنَا أَعْضَاءُ الْبَعْضِ". بهذا يعطينا دافعاً قوياً للكلام بالصدق وهو أننا أعضاء بعضنا لبعض. ماذا يحدث لو أن العين تكذب على الرجلين. ألا يسبب هذا خطراً كبيراً، بل مصائب رهيبة. العين ترشد القدمين إلى الطريق السليم. فهناك تعاون بين أعضاء الجسد. إذاً، لا مجال للكذب بين أعضاء الجسد الواحد، ونحن المؤمنين جميعاً أعضاء جسد واحد هو جسد المسيح، "لأَنَّنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ" (أفسس 30:5). ولكن للأسف الشديد يتصرف أحياناً المؤمنون لا كأنهم أعضاء بل كأعداء. هناك أنواع من الكذب من السهل على المؤمن غير المدقّق في حياته أن يتهاون فيها، مثل المبالغة في الكلام، أو أن نقول كلاماً حقيقياً ولكن بأسلوب يؤدي إلى فهم خاطئ فنخدع المستمع لنا. ولكن الله هو فاحص القلوب والكلى.
ثانياً: الغضب أم المسامحة
"اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا". لا يليق بالمؤمن أن "يغضب على أخيه باطلاً". ولكن هناك مواقف قد تجلب الغضب. فمثلاً، إذا سمع أحدنا أن ابنه تصرف تصرفاً رديئاً مع أحد الجيران فإنه سيغضب. ولكن النصيحة التي يقدمها لنا هي أن نتحاشى الغضب، ولكن هذا لا يبرر ارتكابنا للخطيئة بالقول أو المشاعر أو العمل. ثم يقول أيضاً: "لاَ تَغْرُبِ الشَّمْسُ عَلَى غَيْظِكُمْ". هذه النصيحة نافعة لنا روحياً ومعنوياً وصحياً. الغضب، إذا استمرّ يسبّب تشويشاً في أفكارنا فلا نستطيع أن نصلي بحرية الروح القدس، أو نتأمل في كلمة الله، ويعطّل شهادتنا للرب، فنصبح غير نافعين في مجال الخدمة. ثم يقول: "وَلاَ تُعْطُوا إِبْلِيسَ مَكَانًا" لأن الشيطان يعلم أننا حين نكون في حالة غضب لا نكون حاملين سلاحنا، بل نصبح في منطقة خطيرة danger zone.
ثالثاً: السرقة أم العطاء
"لاَ يَسْرِقِ السَّارِقُ فِي مَا بَعْدُ، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَتْعَبُ عَامِلاً الصَّالِحَ بِيَدَيْهِ، لِيَكُونَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ مَنْ لَهُ احْتِيَاجٌ". السرقة تشمل ما يعمله اللص وكذلك من يغش في التجارة أو الضرائب وغير ذلك. وبعض المؤمنين كانوا قبل الإيمان لصوصاً والبعض غير أمناء أو غشاشين. ولكن بعد الإيمان بالمسيح، أي قبوله في القلب رباً ومخلصاً، وُلدوا ولادة جديدة. هذه الولادة الجديدة لها نتائج عملية. فالذي كان قبلاً لصاً يصبح إنساناً محسناً. لا يكتفي بالامتناع عن السرقة. الذي كان يريد ما ليس له يصبح مستعداً أن يعطي مما له. ولنلاحظ ثلاثة أشياء:
1) كان يفضل أن يحصل على المال بدون عمل، والآن يفضل أن يتعب عاملاً الصالح بيديه (أي أعمال تتصف بالأمانة – لا لوم عليها).
2) يعمل ليكون قادراً على الحصول على ما يحتاج إليه هو وعائلته، فلا يكون عالة على أحد.
3) يعمل لكي يعطي من له احتياج.
هذا هو ما تعمله نعمة الله في الإنسان الذي يقبل يسوع المسيح مخلصاً شخصياً له. فهو لا ينال فقط الخلاص من عقاب الخطيئة، بل أيضاً من سلطتها عليه. كانت الشريعة تنهي عن السرقة، أما النعمة فهي تأتي بنا إلى مستوى أعلى بكثير من الشريعة. وما أجمل تأثير هذا كله على الآخرين إذ يرون شخصاً كان لصاً أصبح إنساناً محسناً.
رابعاً: الكلام الصالح أم الكلام الرديء
"لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ، بَلْ كُلُّ مَا كَانَ صَالِحًا لِلْبُنْيَانِ، حَسَبَ الْحَاجَةِ، كَيْ يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ". كثيرون من الناس يستهينون بموضوع الكلام، حتى بين المؤمنين، للأسف الشديد! ولكن الكتاب المقدس، الذي هو كلام الله الموحى به، يتكلم كثيراً عن أهمية الكلام. قال الرب يسوع المسيح: " وَلكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَابًا يَوْمَ الدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ" (متى 36:12-37). يجدر بكل مؤمن أن يدرس ما جاء في يعقوب 3 عن اللسان وخطورته. وقال سليمان الحكيم أن الحياة والموت في يد اللسان (أمثال 21:18). لا يسعنا المجال أن نقتبس كل ما جاء في كلمة الله عن اللسان. يقول هنا: "لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ". ما أردأ ما يخرج من أفواه كثيرين من الناس! "حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الأَصْلاَلِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً" (رومية 13:3-14). ولكن هذا لا يليق أبداً بالمؤمن الحقيقي لأنه وُلد ولادة جديدة فأصبح إنساناً جديداً. النصيحة التي يقدمها لنا هنا هي:
أولاً: من الناحية السلبية: "لاَ تَخْرُجْ كَلِمَةٌ رَدِيَّةٌ مِنْ أَفْوَاهِكُمْ".
ثانياً: من الناحية الإيجابية: يكون كلامنا صالحاً ولنتذكر أنه من فضلة القلب يتكلم الفم، وليس صالحاً فقط بل بحكمة يكون مناسباً لاحتياج السامعين، وهذا يحتاج إلى حكمة وإرشاد سماوي، وبذلك "يُعْطِيَ نِعْمَةً لِلسَّامِعِينَ". فالهدف هو بركة الآخرين. ليت إلهنا يعيننا لكي نتمم هذا لمجد اسمه وبركة الآخرين.
الخلاصة: إن ملابس الإنسان الجديد تتصف بالصدق، والمسامحة، والعطاء السخي، والكلام الصالح.