أيار May 2010
سفر إشعياء مليء بالنبوءات الثمينة، فهو يخبرنا عن ولادة المسيح من العذراء. وأن هذا المولود العجيب يُدعى اسمه عجيباً مشيراً إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام! وأنه يأتي لخلاص الإنسان. لأننا "كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه، والرب وضع عليه إثم جميعنا". ولكن موضوعنا الآن يتعلّق بجزء من سفر إشعياء النبي يبدأ بالفصل الأربعين، وهو مليء بالتعزيات والتشجيعات للمؤمنين في كل العصور، ويفتتح بالقول: "عَزُّوا، عَزُّوا شَعْبِي، يَقُولُ إِلهُكُمْ" (إشعياء 1:40).
في إشعياء 11:40 يتكلم عن رعاية الرب لنا، فيقول: "كَرَاعٍ يَرْعَى قَطِيعَهُ. بِذِرَاعِهِ يَجْمَعُ الْحُمْلاَنَ، وَفِي حِضْنِهِ يَحْمِلُهَا، وَيَقُودُ الْمُرْضِعَاتِ". فيا له من راعٍ شفوق وحكيم يعرف أحوال واحتياجات الأفراد. يعرف أنه هناك من هم ضعفاء كالحملان الصغار، أي الخراف المولودة حديثاً. فلا يجمعها بعصاه أو عكازه، بل بذراعه القويّة الحنونة، ويحملها في حضنه. ويعرف الخراف التي ترضع الحملان فيقودها بمهارة يديه.
في 28:40-31 يتكلم عن قوة وقدرة الرب الإله، وأنه يمنح هذه القول أيضاً للإنسان المتوكّل عليه، فيقول: "أَمَا عَرَفْتَ أَمْ لَمْ تَسْمَعْ؟ إِلهُ الدَّهْرِ الرَّبُّ خَالِقُ أَطْرَافِ الأَرْضِ لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَعْيَا. لَيْسَ عَنْ فَهْمِهِ فَحْصٌ. يُعْطِي الْمُعْيِيَ قُدْرَةً، وَلِعَدِيمِ الْقُوَّةِ يُكَثِّرُ شِدَّةً. اَلْغِلْمَانُ يُعْيُونَ وَيَتْعَبُونَ، وَالْفِتْيَانُ يَتَعَثَّرُونَ تَعَثُّرًا. وَأَمَّا مُنْتَظِرُو الرَّبِّ فَيُجَدِّدُونَ قُوَّةً. يَرْفَعُونَ أَجْنِحَةً كَالنُّسُورِ. يَرْكُضُونَ وَلاَ يَتْعَبُونَ. يَمْشُونَ وَلاَ يُعْيُونَ". يا لها من كلمات جميلة تفرح القلب! ليتنا جميعنا نتأمل فيها، لكي نرفع أجنحة كالنسور، ولكي نركض في ميدان هذه الحياة ولا نتعب، بل نذهب "من قوة إلى قوة".
في 10:41 يقول: "لاَ تَخَفْ لأَنِّي مَعَكَ. لاَ تَتَلَفَّتْ لأَنِّي إِلهُكَ. قَدْ أَيَّدْتُكَ وَأَعَنْتُكَ وَعَضَدْتُكَ بِيَمِينِ بِرِّي"، وفي عدد 13 "لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ الْمُمْسِكُ بِيَمِينِكَ، الْقَائِلُ لَكَ: لاَ تَخَفْ. أَنَا أُعِينُكَ". لماذا إذاً نخاف إن كان هو معنا يؤيدنا ويعيننا ويعضدنا؟ بل يمكننا أن نقول مع داود: "اَلرَّبُّ نُورِي وَخَلاَصِي، مِمَّنْ أَخَافُ؟ الرَّبُّ حِصْنُ حَيَاتِي، مِمَّنْ أَرْتَعِبُ؟" (مزمور 1:27). وأيضاً "اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْنًا فِي الضِّيْقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا" (مزمور 1:46).
وفي 17:41-18 "اَلْبَائِسُونَ وَالْمَسَاكِينُ طَالِبُونَ مَاءً وَلاَ يُوجَدُ. لِسَانُهُمْ مِنَ الْعَطَشِ قَدْ يَبِسَ. أَنَا الرَّبُّ أَسْتَجِيبُ لَهُمْ... لاَ أَتْرُكُهُمْ. أَفْتَحُ عَلَى الْهِضَابِ أَنْهَارًا، وَفِي وَسَطِ الْبِقَاعِ يَنَابِيعَ. أَجْعَلُ الْقَفْرَ أَجَمَةَ (أي بركة) مَاءٍ، وَالأَرْضَ الْيَابِسَةَ مَفَاجِرَ مِيَاهٍ". حقاً ما أسعدنا "لأَنَّ اللهَ هذَا هُوَ إِلهُنَا إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ. هُوَ يَهْدِينَا حَتَّى إِلَى الْمَوْتِ" (مزمور 14:48).
في 3:42 يقول عن المسيح بروح النبوة: "قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ". وهذا مقتبس أيضاً عن المسيح في متى 20:12. وكم من المؤمنين يقولون معي: شكراً يا رب لأنك وجدتني إذ كنت قصبة مرضوضة فلم تكسرني بل شفيتني! القصبة المرضوضة هي بلا فائدة، لا يستطيع الإنسان أن يستند عليها، بل يكسرها ويطرحها بعيداً، لكن فادينا المجيد جاء ليشفينا. قال عن نفسه أنه: "لَمْ يَأْتِ لِيُهْلِكَ أَنْفُسَ النَّاسِ، بَلْ لِيُخَلِّصَ" (لوقا 56:9). والفتيلة المدخّنة لا تعطي ضوءاً، بل تؤذي العينين وتضايق التنفّس، ولكنه لا يخمدها بل يجعلها تضيء، ويجعل المؤمنين به "نور العالم" وذلك بنوره هو.
في 16:42 يقول: "وَأُسَيِّرُ الْعُمْيَ فِي طَرِيق لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ الظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُورًا، وَالْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هذِهِ الأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ". الشيطان أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح (2كورنثوس 4:4). هذا هو عمل الشيطان. أما المسيح فجاء ليمنح البصر للعميان، لكي يسيروا في طريق جديد لم يعرفوه قبل الإيمان. هو النور الحقيقي الذي حَقَّ له أن يقول: "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 12:8).
في 1:43-2 يقول: "وَالآنَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ، خَالِقُكَ... لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ". ما أعظم إلهنا وما أطيبه! ذات مرة تقدَّم رجل إلى المسيح جاثياً وقال له: "يَا سَيِّدُ، ارْحَمِ ابْني فَإِنَّهُ يُصْرَعُ وَيَتَأَلَّمُ شَدِيدًا، وَيَقَعُ كَثِيرًا فِي النَّارِ وَكَثِيرًا فِي الْمَاءِ" (متى 15:17). هذا هو عمل الروح النجس، عمل إبليس وجنوده، ولكن "لأَجْلِ هذَا أُظْهِرَ ابْنُ اللهِ لِكَيْ يَنْقُضَ أَعْمَالَ إِبْلِيسَ" (1يوحنا 8:3).
لا النار، ولا الأنهار تستطيع أن تؤذي المؤمن. لذلك قال المرنم في الترنيمة الشهيرة التي عنوانها: "نرى في كلام الإله الصمد".. هذه الكلمات مبنية على ما جاء في إشعياء 1:43-2
إذا خُضْتَ لُجَّ المياه العميق
فلا تقدرنّ عليك اللجج
ولا توقع النار فيك الضرر
فإني أنقّيك مثل الذهب
هذا هو الوعد الإلهي، وعد الآب السماوي الذي أحبنا، وليس هناك ما يستطيع أن يفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا (انظر رومية 38:8-39).
وفي إشعياء 25:43 "أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا". ويؤكد لنا ذلك في 22:44 "قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ". حقاً هو غافر الإثم والمعصية والخطية (خروج 7:34). هذه الحقيقة وحدها يجب أن تملأ قلب المؤمن بفرح مستمرّ، فيقول مع الرسول بولس: "إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ" (رومية 1:8). وأيضاً "فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 1:5).
في 21:45 يقول الرب عن نفسه أنه "إله بار ومخلّص" - يا للعجب! هذا الإله القدوس البار الذي عيناه أطهر من أن تنظرا إلى الشر، ينظر إلى الإنسان بعين الشفقة والرأفة ويسعى لخلاصه من خطاياه، لذلك يدعو الجميع قائلاً: "اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ" (عدد 22).
وأخيراً، نختم بالنصيحة الثمينة التي يقدمها لنا في 18:48 والتي لا تحتاج إلى تعليق:
"لَيْتَكَ أَصْغَيْتَ لِوَصَايَايَ، فَكَانَ كَنَهْرٍ سَلاَمُكَ وَبِرُّكَ كَلُجَجِ الْبَحْرِ".