حزيران June 2010
إن تصوُّر معظم الناس عن الله، هو أبعد ما يكون عن حقيقة الله، فبعض الناس يعتقدون أنه مهما كانت تصرفاتهم إزاءه وعصيانهم المتعمّد لوصاياه فهو يسمع دعاءهم في وقت شدتهم وضيقهم. ويعتقدون أن الله يبغض الخطية ويحب الخاطئ، وقد نسي هؤلاء أن الخطية من فعل
الخاطئ، فالخطية والخاطئ متلازمان، والله القدوس يبغض الفاعل والفعل.
الله الحي الحقيقي له صفات ألزم نفسه بها في كل معاملاته، فهو إله قدوس منزّه عن الخطأ والخطية، وهو إله عادل، وهو إله حكيم، وهو إله محبّ، والكتاب المقدس هو المرجع الوحيد الذي منه نعرف صفات الله.
ولأن الله تبارك وتعالى يتصرّف دائماً في حدود صفاته، فهو لا يقدر أن يكذب، لأنه «الحق»... وهو يحبّ ويبغض، فبغضته للخطية تعلن عن قداسته ولا تناقض بين حبه وبغضته، فحبه مؤسس على عدالته.
فصفات الله تبارك اسمه متوازية، لا تزيد فيه صفة عن الأخرى. فمحبته في نفس قياس عدالته، ورحمته في نفس قياس نقمته. وفي هذه الرسالة سأتحدّث عن قضية شائكة هي قضية بغض الله لفئات من الناس لدرجة الشماتة بهم حين تحيط بهم البلايا ويهاجمهم الخوف كعاصفة وكيف أنه بدل أنه ينقذهم فإنه يضحك عند بليتهم ويشمت عند مجيء خوفهم. وسأناقش في رسالتي كيف نتعامل نحن المؤمنين مع هؤلاء العصاة. وسأتحدث كذلك عن متى يغلق الرب باب الخلاص أمام هؤلاء الناس ولا يستجيب صلاتهم عندما يصرخون إليه.
أعلن الكتاب المقدس بكل وضوح أن الله يحب فئات من الناس ويبغض فئات من الناس، ونحن نقرأ في الكتاب المقدس الكلمات "وحي كلمة الرب لإسرائيل عن يد ملاخي أحببتكم قال الرب. وقلتم بم أحببتنا. أليس عيسو أخًا ليعقوب يقول الرب وأحببت يعقوب وأبغضت عيسو وجعلت جباله خرابًا وميراثه لذئاب البرية" (ملاخي 1:1-3). الله أبغض عيسو، وقد أزاح كاتب الرسالة إلى العبرانيين الستار، وأرانا ملامح من شخصية عيسو الذي أبغضه الله فقال "مُلاَحِظِين لِئَلاَّ يَخِيبَ أَحَدٌ مِنْ نِعْمَةِ اللهِ... لِئَلاَّ يَكُونَ أَحَدٌ زَانِيًا أَوْ مُسْتَبِيحًا كَعِيسُو، الَّذِي لأَجْلِ أَكْلَةٍ وَاحِدَةٍ بَاعَ بَكُورِيَّتَهُ. فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَيْضًا بَعْدَ ذلِكَ، لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرِثَ الْبَرَكَةَ رُفِضَ، إِذْ لَمْ يَجِدْ لِلتَّوْبَةِ مَكَانًا، مَعَ أَنَّهُ طَلَبَهَا بِدُمُوعٍ".
(عبرانيين 1215-17)
فئات الناس الذين يبغضهم الله
الله القدوس يبغض الشرير ومحب الظلم
"أَمَّا الشِّرِّيرُ وَمُحِبُّ الظُّلْمِ فَتُبْغِضُهُ نَفْسُهُ. يُمْطِرُ عَلَى الأَشْرَارِ فِخَاخًا، نَارًا وَكِبْرِيتًا، وَرِيحَ السَّمُومِ نَصِيبَ كَأْسِهِمْ" (مزمور 115-6).
ولماذا هذا العقاب الرهيب؟ تقول كلمة الله الصادقة "لأَنَّ الرَّبَّ عَادِلٌ وَيُحِبُّ الْعَدْلَ" (مزمور 7:11).
الله القدوس يبغض أصحاب الصفات التالية:
"هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرَهَةُ نَفْسِهِ: عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ" (أمثال 16:6-19).
الله القدوس يبغض ممارسة الأشرار للطقوس والفرائض الدينية، واتكالهم على وقوفهم في بيته وحياتهم غارقة في الشر والخطية
"اِسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ يَا قُضَاةَ سَدُومَ! أَصْغُوا إِلَى شَرِيعَةِ إِلهِنَا يَا شَعْبَ عَمُورَةَ: لِمَاذَا لِي كَثْرَةُ ذَبَائِحِكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ... لاَ تَعُودُوا تَأْتُونَ بِتَقْدِمَةٍ بَاطِلَةٍ. الْبَخُورُ هُوَ مَكْرَهَةٌ لِي... رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي" (إشعياء 10:1-14).
"بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ" (عاموس 21:5).
"هَا إِنَّكُمْ مُتَّكِلُونَ عَلَى كَلاَمِ الْكَذِبِ الَّذِي لاَ يَنْفَعُ. أَتَسْرِقُونَ وَتَقْتُلُونَ وَتَزْنُونَ وَتَحْلِفُونَ كَذِبًا وَتُبَخِّرُونَ لِلْبَعْلِ، وَتَسِيرُونَ وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لَمْ تَعْرِفُوهَا، ثُمَّ تَأْتُونَ وَتَقِفُونَ أَمَامِي فِي هذَا الْبَيْتِ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ وَتَقُولُونَ: قَدْ أُنْقِذْنَا. حَتَّى تَعْمَلُوا كُلَّ هذِهِ الرَّجَاسَاتِ؟ هَلْ صَارَ هذَا الْبَيْتُ الَّذِي دُعِيَ بِاسْمِي عَلَيْهِ مَغَارَةَ لُصُوصٍ فِي أَعْيُنِكُمْ؟... وَالآنَ مِنْ أَجْلِ عَمَلِكُمْ هذِهِ الأَعْمَالَ، يَقُولُ الرَّبُّ... أَطْرَحُكُمْ مِنْ أَمَامِي... وَأَنْتَ (يا إرميا) فَلاَ تُصَلِّ لأَجْلِ هذَا الشَّعْبِ وَلاَ تَرْفَعْ لأَجْلِهِمْ دُعَاءً وَلاَ صَلاَةً، وَلاَ تُلِحَّ عَلَيَّ لأَنِّي لاَ أَسْمَعُك" (إرميا 8:7-16).
والآن، كيف يتعامل المؤمنون الحقيقيون مع هذه الفئات؟
والجواب: إن المؤمنين الحقيقيين يجب أن يتمثّلوا بالله. ومن الخطأ أن يدّعي المؤمنون أن قلوبهم أكثر حناناً أو حباً من قلب الله، وأن يتنازلوا عن الحق في سبيل الحب الكاذب، فالحق فوق الحب الكاذب، لأن الحب الطاهر لا يفرح بالإثم بل يفرح بالحق (1كورنثوس 6:13).
والآن، تعال معي لنقرأ كيف تعامل القديسون في العهد القديم مع أولئك الذين يبغضهم الله.
إقرأ معي كلمات داود:
"لَيْتَكَ تَقْتُلُ الأَشْرَارَ يَا اَللهُ. فَيَا رِجَالَ الدِّمَاءِ، ابْعُدُوا عَنِّي. أَلاَ أُبْغِضُ مُبْغِضِيكَ يَا رَبُّ، وَأَمْقُتُ مُقَاوِمِيكَ؟ بُغْضًا تَامًّا أَبْغَضْتُهُمْ. صَارُوا لِي أَعْدَاءً"
(مزمور 19:139 و21-22).
"أَبْغَضْتُ جَمَاعَةَ الأَثَمَةِ، وَمَعَ الأَشْرَارِ لاَ أَجْلِسُ" (مزمور 5:26).
والآن، كيف تعامل القديسون
في العهد الجديد مع الذين يبغضهم الله؟
اقرأ كلمات بولس الرسول: "إِسْكَنْدَرُ النَّحَّاسُ أَظْهَرَ لِي شُرُورًا كَثِيرَةً. لِيُجَازِهِ الرَّبُّ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. فَاحْتَفِظْ مِنْهُ أَنْتَ أَيْضًا، لأَنَّهُ قَاوَمَ أَقْوَالَنَا جِدًّا" (2تيموثاوس 14:4).
"لاَ تَكُونُوا تَحْتَ نِيرٍ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لأَنَّهُ أَيَّةُ خِلْطَةٍ لِلْبِرِّ وَالإِثْمِ؟ وَأَيَّةُ شَرِكَةٍ لِلنُّورِ مَعَ الظُّلْمَةِ؟ وَأَيُّ اتِّفَاق لِلْمَسِيحِ مَعَ بَلِيعَالَ؟ وَأَيُّ نَصِيبٍ لِلْمُؤْمِنِ مَعَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ؟ وَأَيَّةُ مُوَافَقَةٍ لِهَيْكَلِ اللهِ مَعَ الأَوْثَانِ؟ فَإِنَّكُمْ أَنْتُمْ هَيْكَلُ اللهِ الْحَيِّ، كَمَا قَالَ اللهُ: إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. لِذلِكَ اخْرُجُوا مِنْ وَسْطِهِمْ وَاعْتَزِلُوا، يَقُولُ الرَّبُّ. وَلاَ تَمَسُّوا نَجِسًا فَأَقْبَلَكُمْ، وَأَكُونَ لَكُمْ أَبًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي بَنِينَ وَبَنَاتٍ، يَقُولُ الرَّبُّ، الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (2كورنثوس 14:6-18).
واقرأ معي أيضاً كلمات يوحنا الرسول إلى كيرية المختارة:
"فرحت جداً لأني وجدت من أولادك بعضاً سالكين في الحق كما أخذنا وصية من الآب. والآن أطلب منك يا كيرية لا كأني أكتب إليك وصية جديدة بل التي كانت عندنا من البدء أن يحب بعضنا بعضاً. وهذه هي المحبة أن نسلك بحسب وصاياه. هذه هي الوصية كما سمعتم من البدء أن تسلكوا فيها. لأنه قد دخل الى العالم مضلّون كثيرون لا يعترفون بيسوع المسيح آتياً في الجسد. هذا هو المضلّ والضد للمسيح. انظروا إلى أنفسكم لئلا نضيّع ما عملناه بل ننال أجراً تاماً. كل من تعدى ولم يثبت في تعليم المسيح فليس له الله. ومن يثبت في تعليم المسيح فهذا له الآب والابن جميعاً. إن كان أحد يأتيكم ولا يجيء بهذا التعليم فلا تقبلوه في البيت ولا تقولوا له سلام. لأن من يسلم عليه يشترك في أعماله الشريرة" (2يوحنا 4-11).
هذا هو الموقف السليم الذي يجب أن يقفه كل مؤمن إزاء الذين يبغضهم الرب، فتسليم المبغضين للرب لنقمته، أمر صريح. فالرب وحده له النقمة والجزاء، والاعتزال عن الأشرار أمر يطالب به الرب المؤمنين الحقيقيين.
أما المناداة بحب كاذب نتغاضى فيه عن كلمة الله وما تنادي به في سبيل الوحدة الزائفة فهو أمر ليس من الله.
بقي سؤال لا بدّ من الإجابة عليه في هذه الرسالة، هو: متى يُغلق الرب باب التوبة وطلب الخلاص واستجابة الصلاة أمام مبغضيه؟
هناك حدود وشروط ووقت لطلب خلاص الرب واستجابة الصلاة. واتخاذ مثال اللص على الصليب للقول إن الله يقبلك حتى في شيخوختك وأنت على فراش الموت.. ليس مثالاً صحيحاً. فنحن لا ندري هل سمع هذا اللص عن المسيح أو التقى به قبل صلبه؟ الذي نعرفه جيداً أنه لا يوجد مثال واحد في كل الكتاب المقدس عن شخص آمن وهو في شيخوخته بعد رفضه المتواصل لرسالة الخلاص... أو عن شخص دعاه الرب يسوع ليكون بين رسله في شيخوخته. وإنها لأكذوبة خطرة أن نقرأ - عن كل شخص يحمل اسماً مسيحياً ثم مات - في صفحة الوفيات أنه ذهب إلى الأمجاد السماوية بينما عاش الكثيرون من المسيحيين الإسميين في الشر والخطية.
إن كلمات الكتاب المقدس واضحة: "فَاذْكُرْ خَالِقَكَ فِي أَيَّامِ شَبَابِكَ، قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَ أَيَّامُ الشَّرِّ أَوْ تَجِيءَ السِّنُونَ إِذْ تَقُولُ: لَيْسَ لِي فِيهَا سُرُورٌ" (جامعة 121).
ونجد في كلمات سفر الأمثال الجواب الشافي لسؤالنا: متى يُغلق الرب باب التوبة وطلب الخلاص واستجابة الصلاة أمام الإنسان. وهذه كلمات سفر الأمثال:
"لأَنِّي دَعَوْتُ فَأَبَيْتُمْ، وَمَدَدْتُ يَدِي وَلَيْسَ مَنْ يُبَالِي، بَلْ رَفَضْتُمْ كُلَّ مَشُورَتِي، وَلَمْ تَرْضَوْا تَوْبِيخِي" (أمثال 24:1-25).
ما نتيجة رفض دعوة الرب أو رفض مصافحة يد الرب الممدودة لمصالحتنا؛ ورفض مشورته وتوبيخه؟
يقول الرب: "فَأَنَا أَيْضًا أَضْحَكُ عِنْدَ بَلِيَّتِكُمْ. أَشْمَتُ عِنْدَ مَجِيءِ خَوْفِكُمْ. إِذَا جَاءَ خَوْفُكُمْ كَعَاصِفَةٍ، وَأَتَتْ بَلِيَّتُكُمْ كَالزَّوْبَعَةِ، إِذَا جَاءَتْ عَلَيْكُمْ شِدَّةٌ وَضِيقٌ. حِينَئِذٍ يَدْعُونَنِي فَلاَ أَسْتَجِيبُ. يُبَكِّرُونَ إِلَيَّ فَلاَ يَجِدُونَنِي. لأَنَّهُمْ أَبْغَضُوا الْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ. لَمْ يَرْضَوْا مَشُورَتِي. رَذَلُوا كُلَّ تَوْبِيخِي. فَلِذلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ، وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ، وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِنًا، وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ" (أمثال 26:1-33).
الله ليس في حاجة إليك، أنت في حاجة إليه.. هو يدعوك لينقذك من الهلاك، فلا تقسِّ قلبك أمام دعوته!
واذكر الكلمات: "اَلْكَثِيرُ التَّوَبُّخِ، الْمُقَسِّي عُنُقَهُ، بَغْتَةً يُكَسَّرُ وَلاَ شِفَاءَ" (أمثال 1:29).
لقد قسّى فرعون قلبه، رغم نزول ضربات الله المتوالية على بلاده، وكانت النتيجة هي قتل جميع أبكار شعبه، ثم غرقه مع جيشه في مياه البحر الأحمر.
فأسرِعْ بالتوبة الحقيقية وبالإيمان القلبي بيسوع المسيح الذي مات على الصليب، ودفع أجرة الخطية التي هي الموت، ليعطيك الحياة الأبدية إن آمنت به، وأسرعت إليه، وفتحت له قلبك، وأعطيته مكان السيادة والربوبية في حياتك.
"لِذلِكَ كَمَا يَقُولُ الرُّوحُ الْقُدُسُ:
اليوم إِنْ سَمِعْتُمْ صَوْتَهُ فَلاَ تُقَسُّوا قُلُوبَكُمْ" (عبرانيين 7:3).