Voice of Preaching the Gospel

vopg

حزيران June 2010

«لقد سئمتُ المجيءَ إلى المكتب، كما سئِمَتْ نفسيَ الاستماع إلى كل قرارٍ جديد. حاولتُ أن أصون نفسي بأن أُبعدَها عن تطبيق أيِّ قرار اتُّخذ ، على اعتبار أنَّه لا يهمُّني أنا شخصياً وما هو إلا قانونٌ آخر زيدَ على سابقيه. ورحت أُطلق العنان لأفكاري لكي تسعفني فتأتيني بالمزيد من كلمات اللوم والانتقاد لكلِّ ما يجري وراء الكواليس من اجتماعات ومناقشات وتداولات اعتبرتُها مضيعةً للوقت والجهد. كما وجَّهتُ انتقاديَ

الجارح إلى العديد من الشخصيات البارزة القائمة على إدارة ذلك المكتب المسيحي. وعليه فقد خاصمْت الكثير من زملائي وزميلاتي، بسبب الشكوى والتذمر المستمرين من كل ما يُخطَّط له من مشاريع من أجل تطوير الخدمة وتحسينها وجعلها مواكبة لعصر التقدم والتطور. أجل لم يعجبني كلُّ هذا، ولم أرَ في ذلك إلا بذخاً وإسرافاً لأموال المتبرِّعين.
ولم أستفقْ على نفسي يوماً إلا عندما استُدعيت إلى مكتب المدير لأتلقى منه رسالة تحذيرٍ وترهيبٍ بسبب موقفي السلبي ونظرتي القاتمة إلى الأمور والأشخاص. وأيضاً،  لأنَّ كلامي الساخط قد أثَّر على علاقتي مع زملائي وجرحَ الكثيرين منهم، حتى باتَ بعضُهم يفكر في ترك العمل أو التنحِّي عن الخدمة بسبب الجو الموبوء الذي سبَّبته. وعندما شرعت أنا بتبرير نفسي ومواقفي، قال لي المدير: أرجوكِ يا «إينغا» أن تأخذي وقتًا لنفسك، لتفكري بالموضوع وتصحِّحي موقفك فتتخلي عن نقدك اللاذع لكل ما نقوم به من عمل وخدمة وما نتَّخذه من قرارات جديدة. ولا عودةَ  لكِ بعد اليوم ما لم تقومي باستشارةِ مرشدٍ مسيحي عساه يساعدك في معرفة السبب الكامن وراء تصرفاتك هذه، وكلامك الهدَّام تجاه الإدارة والناس من حولك وأنت لا تدرين.
وقع كلامُ المدير على رأسي كوقع الصاعقة. فخرجت لتوِّي من حضرته، وذهبت إلى البيت وجمعت أغراضي للحال، وسافرت على متن أول طائرة عائدة من هولندا إلى فلوريدا. وهناك التقيت المرشد المسيحي الذي استمع إلى شكواي بكل انتباه واهتمام. وبعد ذلك بيَّن لي بأننَّي أعاني من مشكلة حقيقية ألا وهي الموقف السلبي أو Negative Attitude جعلني أنظر إلى الأمور بجملتها بنظرة سوداوية، نظرة تذمُّر وشكوى وانتقاد دائم نحو الآخرين. وأنَّ موقفي هذا أثَّر على علاقاتي وصداقاتي وحتى على عائلتي. وقال لي بالحرف الواحد  بأنَّني لن أخرج من هذه البالوعة العميقة، إلا إذا اعترفت أولا بأنَّ موقفي خاطئ.  وأراني من كلمة الله المقدسة  بأنَّني بحاجة إلى توبة حقيقية لكي يحصل التغيير في داخلي فتزول المرارة والحقد والغضب. وهذا ما تمَّ بالضبط يا إخوتي وأخواتي. لم أعترف فقط أمام المرشد المسيحي بخطأي ذاك، بل اعترفت أمام المسؤولين وكل زملائي العاملين معي في ذلك المكتب. وبكيت بحرقةٍ طالبة منهم السماح والغفران. عندها غُسلتِ القلوبُ وعادت العلاقةُ سليمة معافاة وأغدقَ الرب ببركاته الجمَّة على حياتي من جديد. نعم، كم أنا نادمة على ما فعلت، وها أنا الآن أعترف لكم أنتم أيضاً زملائي وزميلاتي في الخدمة بخطأ موقفي الذي ربما تسرّب إلى مسامعكم من الفرع في هولندا، فهل تغفرون لي يا إخوتي؟” نظر كل واحدٍ منا إلى الآخر فرأى محاجر العيون مليئة بالدموع؛ والفرح يغمر الوجوه بعودة الزميلة إلى مكانها في الخدمة. وسرعان ما توجَّهنا نحوها بعد انتهاء الاجتماع لكي نعانقَها ونعبِّر لها عن سرورنا برجوعها إلى دائرة الشركة والعشرة الطيبة مع الجميع.
نعم يا قارئي، هذه قصة حقيقية شاهدتها بأمِّ عينيَّ، وسمعتها بملء أذنيَّ، حين وقفَت إنغا Inga تلك الصبية الأمريكية تحكيها لنا نحن العاملين في خدمة الإذاعة،  يوم زارت الفرع في مونتي كارلو، الذي كنت أخدم فيه مع زوجي. لكَم أحببت ما شاركتْ به لأنه من صميم الحياة اليومية. وبالحق أقول لقد كبر مقامها في ناظريّ.
  والآن وبعد مرور سنين عديدة على تلك الحادثة، أقول: حريٌّ بنا جميعاً نحن المؤمنين وبغضّ النظر عن عرقنا ولوننا وجنسيتنا وخلفيتنا، أن نعترف لبعضنا البعض بالزلاّت الصغيرة التي تنتج عن احتكاكنا المتواصل في عائلة بيت الله. تماماً كما حثّنا الرسول يعقوب بالروح القدس: «اِعْتَرِفُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ بِالزَّّلاَتِ، وَصَلُّوا بَعْضُكُمْ لأَجْلِ بَعْضٍ، لِكَيْ تُشْفَوْا» (يعقوب 16:5). وما أجمل أن نفحص نفوسنا وبشكلٍ دائم وهكذا نتخلَّص من الهفوات والسقطات التي وقعنا فيها وأوقعنا معنا آخرين فصاروا مجروحين بسبب كلمة ما، أو بسبب نقدٍ أو تصرُّف غيرِ لائق قد صدر عنا. أجل، أقول لنفحص قلوبنا على ضوء كلمة الله المقدسة فنقول مع داود النبي: «نَامُوسُ الرَّبِّ كَامِلٌ يَرُدُّ النَّفْسَ.. أَيْضًا عَبْدُكَ يُحَذَّرُ بِهَا، وَفِي حِفْظِهَا ثَوَابٌ عَظِيمٌ.. اَلسَّهَوَاتُ مَنْ يَشْعُرُ بِهَا؟ مِنَ الْخَطَايَا الْمُسْتَتِرَةِ أَبْرِئْنِي» (مزمور 7:19، 11-12). وإذا حدث وتجاوبْنا مع روح الله القدوس وعمله في حياتنا فإن هفواتنا هذه وزلاتنا تجاه بعضنا البعض لن تعود  تتراكم عبر الأيام والسنين، لتصبح مواقف عنيدة وصلبة، تماماً كالقلاع المنيعة لا يمكن اختراقها كما حصل مع «إنغا» ولا يزال يحصل اليوم مع الكثيرين.  فلا نعود نعي كيف نتصرف، أو حتى كيف نتكلم، أو كيف نسلك، لأنَّ مواقفنا السلبية قد أضحت سدّاً قائماً بيننا وبين الآخرين من إخوتنا، زملائنا، شركائنا في الخدمة. وكما قال الرسول بولس: فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ... وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ (غلاطية 15:5-16، 22).
نعم، لن تهوي هذه السدود، إلاَّ بعد اختبارٍ أليم لا يعاني منه فقط المسيء، بل أيضاً  المُساءُ إليه. فماذا نختار يا ترى؟ أليس الاعتراف الفوري؟ لأن الاعتراف بالخطأ فضيلة. وهكذا نسمع صوت الروح القدس في داخلنا ونسلك بالروح فنثمر ثمار الروح؟ هل تعلم يا قارئي أن اعترافنا نحن المؤمنين وخاصةً العرب - وهنا خصصت لأن الاعتراف بالخطأ في مجتمعاتنا العربية وكنائسنا قليلٌ لا بل نادر الحدوث لأنه ليس من طبيعة خلفيتنا وثقافتنا وإذا حدث فإنَّنا نعتبره ضعفاً -  نعم اعترافنا نحن المؤمنين داخل نطاق العائلة، وكذا عائلة بيت الله المقدسة، هو الذي يحافظ على العلاقة طاهرة، ونقية، وهو ما يساعد على نمو الانسجام والتآلف بين بعضنا البعض؟! وأنه هو الذي يفتح أمامنا أبواب السماء ليغدق علينا الله من بركاته ونعمه وعطاياه الجزيلة. وإلا فإنَّ علاقتنا الأسرية سوف تتزعزع، وكذا علاقتنا الأخوية ستتردَّى وربما تنتهي في أحيان أخرى، ونكون بالتالي سبباً مباشراً لانتزاع البركة من بيوتنا والنهضة في كنائسنا وخدماتنا. فهل نصلي ونقول: «إِلَيْكَ وَحْدَكَ أَخْطَأْتُ، وَالشَّرَّ قُدَّامَ عَيْنَيْكَ صَنَعْتُ... قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ، وَرُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي... رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ، وَبِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ أعضدني» (مزمور 4:51، 10، 12). ليس نوعية الخطأ المرتكب هو المهم، إنما ما هو أهم أنه موجَّه ضد الله أولاً ومن ثم إلى أخينا أو أختنا.
فهل نكون مرهَفي الحسّ لنسمع صوت الله ينادينا؟ وكذلك شفافين نهبّ لنعترف ونتوب عن موقفنا ونصحح أخطاءنا فنعيش بصفاء ونقاء؟ تذكر يا أخي القارئ أنه قبل أن تقرّب قربانك قدام المذبح أن تصطلح أولاً مع أخيك.

المجموعة: 201006

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

380 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10476705