تموز July 2010
كان فؤاد الشقي مشهورًا جدًا بين الأولاد ذوي الثالثة عشرة من العمر، فقد قُبض عليه وهو يسرق إحدى السيارات، أكثر من مرة. أما سرقة الحوانيت، بالكسر والخلع، فقد كانت أمرًا ليليًا بالنسبة إليه. وعن شقاوته في المدرسة، حدِّث ولا حَرَج... فإنه رمى أحد المعلمين مرة بحجر شدخ رأسه. ومع أنه لم يكن قد جاوز السادسة عشرة، فقد رفضت أكثر من مدرسة قبوله، وكان يُطرد من المدرسة الواحدة أكثر من مرة حتى
يعافه القيّمون، ويخلى سبيله نهائيًا. وعندما يطيب له المكوث في إحدى المدارس شهرًا، كان يدأب على التأخّر، والهزء بالمعلمين، ومضايقة رفاقه. إنه لم يكن فاسدًا وحسب، بل كان مفسدًا أيضًا، حتى لم يكن أي صوت يلذّ لأذنيه أكثر من قرقعة الزجاج وهو يتحطّم.
ومرة حفر بعض الشتائم على منبر إحدى الكنائس، فكانت تلك الفعلة آخر ضربة فأس تهوي على انفلاته؛ إذ قُبض عليه وهو متلبّسًا بالجرم المشهود، وأخضعته الشرطة المختصة للمعالجة النفسانية في إحدى الإصلاحيات.
هناك قابلته. ولما سألت عن مكان سكناه، تبيّن لي أنه يقطن مع أخته البالغة من العمر سبعة عشر عامًا، والمتزوّجة من شاب عمره ثمانية عشر عامًا، في أحد البيوت الحقيرة.
أما والدته فقد هجرت والده وإخوته الثلاثة، وله من العمر أربعة أعوام. ولما فشل والده في إعادة الأمور إلى نصابها، بعث بالولدين الأصغرين إلى عمتهما في الريف، وأرسل فؤادًا وأخته الكبرى إلى دار الأيتام، ومنذ ذلك الوقت لم يعودا يسمعان عنه شيئاً. وتبعًا لذلك، تقلّب فؤاد بين اثنين من بيوت الأيتام، قضى في الواحد عامًا، وفي الآخر ستة أشهر، وتخرّج بعد ذلك إلى الشوارع، ثم أقام مع أخته التي تزوجت، حتى انتهى أخيرًا إلى الإصلاحية.
قد تقول: ”إن فؤادًا غير مسؤول، إنما المسؤول الوحيد هو المحيط والظروف“.
أو قد تتساءل: ”أكان مسؤولاً مَنْ ظروف نشأته جعلته ضحية للأحداث؟ إنه غير مسؤول، لأن البيئة أجبرته والظروف أرغمته! إن أبويه جنيا عليه... أفلا تشفع به نشأته غير المحظوظة عند ربه؟“.
لك الحق أن تقول ما شئت، أو تتساءل كما أردت. ولكن، دعنا ننظر إلى ما يقول الوحي في خروج 5:20.
”لأني أنا الرب إلهك إله غيور، أفتقد ذنوب الآباء في الأبناء في الجيل الثالث والرابع من مبغضيّ“.
إن كثيرين يودّون لو أنهم لا يسمعون هذه الآية أعلاه. وآخرون يميلون إلى الاعتقاد بأن كل إنسان هو المسؤول الوحيد عن تصرفه، وبأنه من الخطأ أن يُقال إن سماح الله للأولاد بالانقياد في مهاوي الخطية أو معاناة عواقبها نتيجة لتصرفات آبائهم وأجدادهم هو أمر ثابت. فمعظم الناس يستصعبون هذه الآية.
إلا أننا نرى أن هذا الأمر متكرّر الحدوث، ذلك لأن المآسي غالباً ما تتأتّى من البيوت المتداعية أو المنحطّة أخلاقيًا. فالوالدان العاطلا التصرّف يلدان أولادًا مثلهم، والأولاد يصبحون آباء يلدون أولادًا مثلهم، وهكذا دواليك، جيلاً بعد جيل، حتى تلد اللامسؤولية لامسؤوليات كثيرات.
إذن، لماذا لا نلوم آباءنا على مشاكلنا؟ ولماذا لا يلوم آباؤنا آباءهم، والآباء يلومون الأجداد، حتى يلام أخيرًا آدم وحواء، فإنهما أصل المشكلة، كما أن آباءنا هم أصول مشكلاتنا، ولقد زرعا، فحصدت البشرية، وزرع آباؤنا فحصدنا نحن!
أجل... أليس هذا هو ما يقول الوحي في رومية 12:5؟ ”من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم، وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع“.
أيكون من الحق إذن، أن ننحي اللوم على غيرنا، ممن سلفونا، ومن سلفنا يلوم من سلفه، حتى يلوم كل خلف سلفه؟ ونحن جميعاً خطاة!
لا، لا نلم أحدًا، فإننا خطاة باختيارنا، وبحكم كوننا ضحية أسلافنا في آن معًا. أي إننا لسنا خطاة بالطبيعة والتربية وحسب، بل وبالعمل الإرادي الحر أيضًا.
إن المسؤولية ليست أمرًا يسيرًا أنّى شئت ألقيته، ولا هي قضية كون الإنسان مذنبًا أو بريئًا أو ضحية أحداث بعينها؛ فإن الله وحده له حقّ الحكم فيها.
فلا حاجة بي لأن أنحي باللائمة على أحد ما، إنما أحتاج إلى أن أضبط نفسي حتى لا أدع أحدًا يخطئ. ”لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ الْعَثَرَاتُ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِلَّذِي تَأْتِي بِوَاسِطَتِهِ!“
(لوقا 1:17)؛ ”فلا نحاكم بعضنا بعضاً، بل بالحري احكموا بهذا: أن لا يوضع للأخ مصدمة أو معثرة“ (رومية 13:14).
هل أنا مسؤول؟
نعم، وبكل تأكيد... كلنا مسؤولون، وقد لا يكون عن خطايانا فقط، بل عن معاثرنا للآخرين. وكثر هم المسؤولون أكثر مما هو فؤاد، حتى الذين يبدون ليس كنقطة من بحره تجاه المجتمع؛ فكلنا خطاة.
ويقيني أن حقيقة وجود الخطية تديننا أكثر مما تفعل نوعيتها. ولذلك نقف جميعاً، مذنبين أمام الله. فنحن خطاة إذن، فعلاً وطبيعة. ”ليس بار ولا واحد“ (رومية 10:3)، ”إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله“ (رومية 23:3).
وبماذا نستطيع أن نقوم حيال حقيقة كوننا خطاة؟ ألا نقدر أن نحمّل أنفسنا مسؤولية خطايانا، ونحاول ألاّ نعوّض عن مسؤولية الماضي؟ لا... إن هذا لا يجدي نفعًا ما، ولا سيما لأننا لا نقدر أن نقوم بأي أمر البتة لمحو خطايانا الماضية، إذ مهما نحاول أن نمحو سواد اللوح الأسود يبقى اللوح أسود.
هب شخصًا ما قد صدم طفلاً بسيارته المسرعة، فتأذّى الطفل، وجُرح جرحًا بليغًا. فهل يقدر السائق أن يسوّي الأذية التي حصلت؟ قد يدفع تعويضًا، أو نظيرًا لخدمات المستشفى؛ ولكن، هل يبرهن هذا على أنه غير مسؤول؟ لا... إنه مسؤول، وأثر الجرح خير دليل على ذلك. ونحن أيضًا، مسؤولون عن خطايانا، وخير دليل على مسؤليتنا هو آثار خطايانا... فماذا نفعل إذن؟
شكرًا لله على العطية التي لا يُعبّر عنها، ابنه يسوع المسيح، الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا. إلينا تُزفّ البشارة، والصورة قاتمة السواد، أن الرب يسوع قد دفع العقاب كاملاً بموته البديلي، وقيامته الظافرة، وصعوده المجيد، وشفاعته القدسية، ومجيئه؛ كلها لها دور في ذلك، إذ تسانده وتبرهن عليه.
إن الرب يسوع لا يخرجنا من دائرة المسؤولية الجاثمة كالطود على رؤوسنا فقط، بل يسامحنا على الماضي البغيض، ويضمننا حاضرًا ومستقبلاً.
وما يتوجّب علينا عمله هو الاعتراف والتوبة والإيمان.
أما الاعتراف، فبأننا خطاة فعلاً وطبيعة.
وأما التوبة، فنتوب إلى الله عن الماضي.
أما الإيمان، فنؤمن بكفارة المسيح وعمله الكامل وقدرته على خلقنا وتجديدنا.
وسواء كنا مسؤولين أم لم نكن - والثابت أننا جميعًا مسؤولون - فإننا إن قمنا بما يتوجّب علينا، قام الله بما يطهرنا ويقدسنا ويبررنا، فتمحى خطايانا، وتُنزع مسؤولياتنا - عن خطايانا فقط - ويصير لنا مسؤوليات جديدة.
فهلا قمت بذلك الآن؟!..
لا تُضعْ وقتًا بالتفكير في مدى مسؤوليتك عن خطاياك، بل عالجها بالوسيلة الوحيدة الفعالة - بقبول الرب يسوع المسيح. ”فإذًا كما بخطية واحدة [أي بمعصية آدم] صار الحكم إلى جميع
الناس للدينونة، هكذا ببرّ واحد [أي بعمل الرب يسوع المسيح] صارت الهبة إلى جميع الناس، لتبرير الحياة. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا“ (رومية 18:5-19).