Voice of Preaching the Gospel

vopg

تموز July 2010

هل يؤمن المسيحيون حقاً بثلاثة آلهة؟
 هذا هو الاعتقاد الشائع بين بعض الطوائف غير المسيحية بما يختصّ بعقيدة الثالوث الأقدس. ونحن نريد في هذه العجالة أن نعرض لهذا الموضوع، بكل موضوعيّة، لنؤكد أولاً أن المسيحيين يؤمنون بإله واحدٍ وأنهم ليسوا مشركين أو كفاراً كما يغلو في اتهامهم بعض الذين لم يدركوا جوهر هذه العقيدة أو مضمونها، وثانياً أن المسيحية تحارب بكل ضراوة الإيمان بتعدد الآلهة، وهو موقف اتخذته الكنيسة المسيحية على اختلاف طوائفها منذ نشأتها وإلى هذا اليوم. وأية طائفة تؤمن بوجود ثلاثة آلهة هي طائفة هرطوقية.
 عندما أقدم أحد اليهود على سؤال المسيح عن أعظم الوصايا أجابه: "إن أول كل الوصايا هي: اسمع يا إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد..." وهي ترديد لما ورد في سفر التثنية 4:6-9.
 والباحث في جميع أسفار الكتاب المقدس لا يقع على دعوة تعدد الآلهة لأن ذلك مخالف لشريعة الله القدوس. وقد شدّد رسل المسيح على وحدانية الله. ثم لم تلبث الكنيسة، تفادياً لكل سوء فهمٍ، أن صاغت هذه العقيدة في قانون الإيمان المسيحي.
 إذن كيف نفسّر القول إننا نؤمن بإله واحدٍ في ثلاثة أقانيم وما هو الأقنوم؟ وكيف يمكن أن نقول: "الله الآب، والله الابن، والله الروح القدوس إله واحد؟".
 لا بُدّ لنا قبل أن نبحث في سرِّ هذا الثالوث الأقدس أن نلمِّح إلى بعض مظاهره كما تجلّت في العهد الجديد على الأقل.
 
 الظاهرة الأولى
 قبل أن يصعد السيد المسيح إلى السماء خاطب تلاميذه وحثهم أن يذهبوا ليكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها وأن يعمِّدوا المؤمنين "باسم الآب والابن والروح القدس". إن ما يلفت الانتباه في هذه الوصية هو استخدام لفظة "اسم..." بدل "أسماء" مع أنه يتحدث عن أقانيم ثلاثة. يقول النص: "وعمِّدوهم باسم.." هذا الاستخدام غير المألوف كان يهدف الى التأكيد على الوحدانية وليس على التعدّد، لأن الله واحد.
 
 الظاهرة الثانية
 ما جاء في الإنجيل كما دوّنه في يوحنا 1:1 "في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله". في هذه الآية حاول الوحي الإلهي من خلال ألفاظ اللغة البشرية العاجزة أن يكشف لنا عن العلاقة العضوية القائمة بين الكلمة، أي شخص المسيح، وبين الآب. تأمل معي في نصّ هذه الآية. إن لفظة "كلمة"، هي في صيغة المؤنث، ولكنها جاءت مسبوقة بفعل "كان" المذكّر: ”في البدء كان الكلمة“ وليس "كانت" كما يجب أن تكون تطبيقاً لقواعد اللغة. ويتدرّج بنا الوحي من كون "الكلمة" هو أزلي، إلى أنه كان عند الله، إلى كونه الله لأنه كان ككلمة في ذات الله. وكما أشار أحد اللاهوتيين إلى ذلك بقوله:
 إن الله الواحد موجود بذاته فأعلن مسمِّياً نفسه "الآب".
 وناطق بكلمته فأعلن مسمِّياً نفسه "الابن الكلمة".
 حيٌّ بروحه فأعلن مسمِّياً نفسه "الروح القدس".
 فالله من غير كلمة هو إله أخرس، ومن غير روح هو إله ميِّت وحاشا لله أن يكون أخرس، أو ميتاً. وقد أشارت الأسفار السماوية في الكتاب المقدس إلى هذه الحقيقة إذ تكلم الله قديماً وحديثاً مع أنبيائه ورسله، كما أرسل روحه ليوحي، ويبكّت ويؤنّب وليرشد. وكما أن الآب أزلي كذلك كلمته وروحه.
 
 الظاهرة الثالثة
 وهي أن العلاقة بين الآب والابن هي ليست علاقة جسدية، بل هي علاقة روحية لأن "الكلمة" هي انبثاق أو ولادة تعبيرية. فعلى سبيل المثال نقول في لغتنا العربية عن قصيدة ما: هذه القصيدة هي من بنات أفكار الشاعر فلان... أي تعبير عن ذاته وما خالجه من أفكارٍ وأحاسيسٍ وأحلامٍ ورؤى. فالمسيح بصفته "الكلمة" انبثق أو كان معبِّراً عن فكر الله وأعماقه. ولقد أكّد المسيح على هذه الحقيقة عندما قال في الإنجيل كما دوّنه متى 27:11 "ليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب. ولا أحد يعرف الآب إلا الابن".
 وهذه المعرفة هي ليست معرفة سطحية بل معرفة حميمة لا تعترضها الحواجز، لأن الابن وحده هو الذي رأى الآب. أشار المسيح إلى هذا الأمر في حديثه عن علاقته بالآب (يوحنا 18:1) "الله لم يره أحد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر". ولفظة "حضن" هنا هي لفظة مجازية للتعبير عن الصلة الحميمة بين الآب والابن.
 إذن، عندما نتحدّث عن إله واحد في ثلاثة أقانيم إنما نشير إلى وحدة لا تجزُّؤ فيها. ولعلّ ما أشار إليه القمص إبراهيم لوقا في كتابه "المسيحية في الإسلام" يقدّم لنا تفسيراً منطقياً واضحاً لهذه الوحدة أو الوحدانية. يقول: "... فولادة الابن العجيبة من الآب وانبثاق الروح القدس، كمثل صدور "الحرارة" وانبثاق "النور" من "لهب" النار. فحيثما وُجد اللهب كان النور وكانت الحرارة. ولعلّ بعضهم يظنّون أن اللهب هو علّة النور والحرارة، وظنهم هذا كان يمسي حقيقة لو كان "اللهب" بمفرده ناراً، وكانت "الحرارة" بمفردها ناراً، وكان "النور" بمفرده ناراً. أما وإن كان اللهب والحرارة والنور ناراً واحدة فلن يصح الظن، ولن يستقيم القول لأنها نار بجوهر واحد وخواص ثلاث ولن يمكن إطلاق كلمة "نار" على أحد هذه الخواص إلاّ بشرط وجود الخاصتين الأخريين. فإذا قلنا إن أحد الأقانيم الإلهية هو الله فإننا نقصد أن الأقنومين الأخريين ملازمان له، وأن كلاً منهم مساوٍ للآخر في جوهره، له كل ما له في كل شيء خلا الخاصيّة المتميّز بها. فالآب أب أبدًا، والابن ابن منذ الأزل، والروح القدس منبثق انبثاقاً سرمدياً. فالقول بثلاثة أقانيم لا يعني القول بثلاثة آلهة لأن تعدّد الخواص والصفات لا يستلزم تعدّد الذات وإلاّ قلنا في المثل السابق بثلاث نيران، وهذا محال". هذا من ناحية ومن ناحية أخرى قد يتساءل البعض كيف يمكن أن يكون ثلاثة في واحد؟ فواحدٌ + واحد + واحد لا يمكن أن يساوي واحداً. هذا صحيح ، ولكن ما نقوله نحن على سبيل المثال أن 1×1×1=1. فالحاصل كما ترى هو واحد على أنه يشمل في ذاته ثلاث وحدات متساوية متمايزة في خواصها، متحدة في جوهرها، ومشكلة وحدانية من غير أن تفقد أية وحدة شيئاً من خصائصها المعبرّة عن شخصيتها وعملها ووظيفتها.
 
 وأخيرًا
 لا بدّ أن ألمّح هنا الى الآية القرآنية الواردة في سورة العنكبوت 46
 "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن.. وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وإليكم، وإلهنا وإلهكم واحد".
 وهنا نتساءَل: كيف يقول القرآن بل يحض المسلمين أن يرددوا أمام المسيحيين: "إلهنا وإلهكم واحد" والمسيحيون يؤمنون بالتثليث؟ كيف يقرّ القرآن معترفاً بإله النصارى والنصارى يعتنقون مبدأ التثليث الذي هو في لبّ العقيدة المسيحية؟ فإن كان "إلهنا وإلهكم واحد" فإِن الإسلام، في التحليل النهائي، يؤمن بما يؤمن به المسيحيون من تثليث أصيل كما عبّر عنه الكتاب المقدس، وليس التثليث الهرطوقي الذي كان شائعاً في عصر محمد. كقول أصحاب البدعة المريمانية التي كانت تدّعي أن العذراء مريم هي الأقنوم الثالث إضافة إلى أُقنومَي الآب والابن؛ أو عقيدة الأبيونيين التي أَطلقت على الروح القدس لقب "أُمّنا الروح القدس"، فجاءت الآيات القرآنية رداً على مثل هذه الهرطقات، واستنكرت أن يكون للرحمن ولد. ومن ذلك ما ورد في البيان القرآني: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلَهَيْن من دون الله"؛ أو ما نصّه: "يا عيسى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلَهَين من دون الله؟". والمعروف أن البدعة المريمانية قد تلاشت من الوجـود منـذ ألف عام أو يزيد.
 أما التثليث المسيحي الحقيقي الذي لا يؤمن إلا بإله واحد في ثلاثة أقانيم متساوية في الجوهر، فهو باق بقاء كنيسة المسيح على الأرض، وهي الكنيسة التي لن تقوى أبواب الجحيم عليها.

المجموعة: 201007

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

194 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11578522