آب Agust 2010
أيام ترحل، وماضٍ يبتعد... أحداث تنطوي، وحوادث تمضي... إلا أن التأثيرات والانطباعات تبقى راسخة ثابتة على شخصياتنا...
يُدفن الماضي في مقبرة الزمن حيث لا إمكانية للرجوع؛ لكن علاقته وثيقة بحاضرنا، وبالتالي بمستقبلنا. فهو حجارة أساساته... ودعامة بنائه... ونقطة ارتكازه... لكن لماذا ترانا نبحث منقبين ومتسائلين: أين الماضي؟ وأي ماضٍ؟!
ماضي البهجة الدائمة والسلام العميق... ماضي الصمود الجبار ضدّ ما يخالف كلمة الله وإرادته... ماضي العلاقة القوية والشركة الطيبة مع الرب....
نعم، لقد بنينا آنذاك آمالاً مفرحة، ومنّينا النفس بمستقبل باهر، إذ علينا الانتقال من قوة إلى قوة ومن نصرة إلى نصرة. وإذا بنا في حاضرٍ كنا نخشاه، ونرتعد من تصوّر عيشه... حاضر يعاكس الماضي، ببؤسه ومرارته، بقحله وبرودته، وكأنه يكاد ينسينا ما تذوّقناه وما تمتّعنا به.
ماذا جرى؟ فمعتقداتنا ما زالت سليمة، وخدمتنا مستمرة، ونحن لم نزل أعضاء كنائس محلية.
ماذا حدث؟ هل سمحنا لنفوسنا الآن بقبول ما رفضناه سابقًا بعنف وشدة؟ هل شخصياتنا اليوم تتنكّر لتلك بالأمس؟
هل ما قاومناه في نفوسنا بفرح آنذاك نقاومه الآن بانزعاج وتململ؟
أين الماضي؟ الماضي الذي فضّلنا فيه خدمة الرب على الراحة والنزهات؛ الذي أحببنا فيه الصلاة والشركة مع الرب بدلاً من قتل الوقت بالتسليات غير البنّاءة. أين هو ماضي الحياة الملتهبة والخدمة النارية القائمة على التضحية والجهاد برغبة وفرح؟ أين الماضي الذي كنا نسعى فيه للملء الدائم بالروح القدس عوضًا عن سعينا اليوم للشبع من خرنوب العالم؟
أخي، أين اكتسابات السنين من معرفة واختبار ونضج؟ هل ترضى بحاضر أدنى من ماضيك؟ فماذا للمستقبل إذًا؟
لنَدَعْ المبررات جانبًا، ولنواجه الحقيقة حاكمين على نفوسنا قبل أن يُحكم علينا.
فإن مطاليب الله للبركة لم ولن تتغيّر، وطريق البركة معبّد بالجهاد والتضحية... فإن كنا نعيش حياة الراحة واللامبالاة، فستبقى نيران ذكريات الماضي والوجاهة، تُشعِلُ من وقت لآخر ضمائرنا المسيحية، لكي نثور على الحاضر المظلم الذي نعيشه.
لنقف هنيهة ولنقارن حاضرنا بماضينا، ونسعَ للزرع المبارك لكي يكون مستقبلنا حصادًا مجيدًا. ولنتذكّر دائمًا بأن خطة الله لنا، هي حياة النموّ المستمر، من حسن إلى أحسن، ومن جيد إلى أفضل، أي ”أن نكون صادقين في المحبة ننمو في كل شيء إلى ذاك الذي هو الرأس المسيح“. وكما كتب بولس الرسول إلى كنيسة فيلبي قائلاً: ”ولكني أفعل شيئًا واحدًا، إذ أنا أنسى ما هو وراء وأمتدّ إلى ما هو قدام“.