Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2010

يجدر بنا أن نعلم أن نمو المؤمن في الدوائر المرتبطة بالنفس منوط بشكل وثيق بنموّه في المجال الروحي، أي العلاقة الشخصية مع الله. بحيث يتقدم من دائرة المعرفة إلى دائرة التواصل حتى يبلغ دائرة الحب الكامل من كل القلب والنفس والفكر والقدرة، ويصل أخيرًا إلى درجة الهيام بالرب إذا صحّ التعبير، والتفكير دائمًا بعمل ما يرضيه، والابتعاد عن كل ما يغيظه أو ينقص من معزّته وإكرامه، أو يشرك شيئًا في القلب مع محبته، أو أمورًا أخرى مهما كانت حميمة للنفس وعزيزة في المشاعر والعواطف.

  ونحن نعلم أن العناصر التي تتألف منها النفس البشرية هي: الذهن، والعواطف، والإرادة. وقد تطرقت في الحلقة السابقة إلى نموّ المؤمن في الذهن ثم في العواطف والميول، ولا بد لنا من البحث في تقدم المؤمن ونموّه:
 
 ثالثًا: في دائرة الإرادة
 وهذا العنصر يبين أن الشخصية الأدبية ليست آلة مسيّرة بقوّة خارجة عن النفس، ولكنها تتمتّع بالحرية التي منحها الله لكل إنسان: حرية الفكر والرأي والتصرف؛ وتلك مستمدة من خصائص الله ذاته الذي خلق الإنسان على صورته الأدبية ومثاله. ونمو إرادة المؤمن يعني تقدمها باتجاه منسجم مع إرادة الله الصالحة لأجله بحيث تصير رافضة لكل ما هو معاكس ومعادي لإرادة الله، وطالبة لكل ما هو مطابق لصلاحه ومقبول لديه. وبما أن صلاح الله مطلق فالصلاح النسبي الذي تُحقّقه الإرادة المتجددة بالإيمان والثقة وبمعونة الروح القدس في حياة الفرد يخدم صلاح الله المطلق في الكنيسة. فبالنظر الدائم إلى شخص المسيح البار كالمثال الأسمى في كل شيء يستطيع المؤمن مع الأيام أن يرى جلال لاهوت المسيح في كمال ناسوته ويصبح لديه الدافع لكي يعرفه "وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته".
 
 أما عيوب الإرادة التي يجب على المؤمن أن يسعى للتغلّب عليها فهي:
 
 1- ضعف الإرادة: يملك الكثيرون إرادة ضعيفة غير ثابتة. مكتوب عن الوالي الروماني الذي حاكم الرب يسوع ولم يجد فيه علة: "فناداهم أيضًا بيلاطس [أي رؤساء الكهنة والشعب] وهو يريد أن يطلق يسوع" (لوقا 20:23). ولكننا نقرأ في عدد 24 "فحكم بيلاطس أن تكون طلبتهم"! كم كان هذا الوالي ضعيف الإرادة؟
 
 ويصيب ضعف الإرادة أيضًا المؤمن الجسدي كما يصوّر ذلك الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية "فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ" (رومية 18:7-20).
 
 والإرادة تضعف بسبب ضغط المؤثرات الخارجية أو الداخلية، ولكن الإرادة المسلّمة بين يدي الله تكون محفوظة من الضعف وثابتة التوجّه دائمًا.
 
 2- انقسام الإرادة: يتكلم الرسول يعقوب عن هذه العلة فيقول: "رجل ذو رأيين هو متقلقل في جميع طرقه" (يعقوب 8:1). ويقول هوشع النبي عن إسرائيل: "قَدْ قَسَمُوا قُلُوبَهُمْ. اَلآنَ يُعَاقَبُونَ" (هوشع 2:10). فكم يوجد من أناس لهم إرادة منقسمة تتجه بهم حسب متناقضات لا يستطيعون الخلاص منها، بعضها قد ترسخت بسبب التقليد وبعضها تستجدّ بسبب شهوات الغرور؟!
 
 3- ضلال الإرادة: يقول الرسول بطرس: "لأَنَّ هذَا يَخْفَى عَلَيْهِمْ بِإِرَادَتِهِمْ: أَنَّ السَّمَاوَاتِ كَانَتْ مُنْذُ الْقَدِيمِ، وَالأَرْضَ بِكَلِمَةِ اللهِ قَائِمَةً مِنَ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ" (2بطرس 5:3). أي أن ضلال هؤلاء عن الحق نابع من إرادتهم الذاتية، وليس ذلك فقط بل إن ضلال هؤلاء يدفعهم لإضلال الآخرين كما يفعل أصحاب البدع والديانات الباطلة؛ فهم غيورون على نشر ضلالهم ويصمّون آذانهم عن سماع الحق، ويغلقون قلوبهم عن قبوله؛ وكل ذلك بسبب الخطية المتأصلة في القلب ولا يزيحها سوى دم المسيح.
 
 4- عبودية الإرادة: رغم إنه من المفروض أن تكون إرادة الإنسان "المخلوق على صورة الله" حرة لاتخاذ قراراته وتوجّهاته في طريق الخير، غير أن الكثيرين تُستعبد إرادتهم لمؤثرات وقوى مختلفة فتعمل في الاتجاه الخاطئ كما يقول الرسول بولس: "وَأَمَّا الآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ، فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضًا إِلَى الأَرْكَانِ الضَّعِيفَةِ الْفَقِيرَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أَنْ تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مِنْ جَدِيدٍ؟" (غلاطية 9:4). ويقول أيضًا: "فَيَسْتَفِيقُوا مِنْ فَخِّ إِبْلِيسَ إِذْ قَدِ اقْتَنَصَهُمْ لإِرَادَتِهِ" (2تيموثاوس 26:2). فالإرادة قد تُستعبد لأهواء الجسد وشهواته أو للشيطان إله هذا الدهر الذي "أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلاَّ تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ".
 
 5- عصيان الإرادة: وقد ورث البشر عن أبوينا الأولين هذا العصيان، فإنهما قد استخدما الحرية التي مُنحت لهما من الله ليوجّها إرادتيهما نحو طريق عصيان الوصية الإلهية، فكسرا وصية الله الصالحة لكي يُقيما مشورة إبليس الخادعة. وتوجد في التاريخ المقدس أمثلة لا حصر لها عن عصيان إرادة الكثيرين لله في كل الأزمنة. يقول الرب عن بني إسرائيل على لسان حزقيال النبي: "فَتَمَرَّدُوا عَلَيَّ وَلَمْ يُرِيدُوا أَنْ يَسْمَعُوا لِي، وَلَمْ يَطْرَحِ الإِنْسَانُ مِنْهُمْ أَرْجَاسَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَتْرُكُوا أَصْنَامَ مِصْرَ..." (حزقيال 8:20). وقد قال الرب يسوع للشعب حين أطلّ على أورشليم من جبل الزيتون: "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا!" (متى 37:23). ويقول أيضًا على لسان إرميا النبي: "بَلْ إِنَّمَا أَوْصَيْتُهُمْ بِهذَا الأَمْرِ قَائِلاً: اسْمَعُوا صَوْتِي فَأَكُونَ لَكُمْ إِلهًا، وَأَنْتُمْ تَكُونُونَ لِي شَعْبًا، وَسِيرُوا فِي كُلِّ الطَّرِيقِ الَّذِي أُوصِيكُمْ بِهِ لِيُحْسَنَ إِلَيْكُمْ. فَلَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يُمِيلُوا أُذْنَهُمْ، بَلْ سَارُوا فِي مَشُورَاتِ وَعِنَادِ قَلْبِهِمِ الشِّرِّيرِ، وَأَعْطَوْا الْقَفَا لاَ الْوَجْهَ" (إرميا 23:7-24).
 
 والإرادة هي التي توجّه طريق الإنسان إما في طرق البر والحقّ والخير أو طرق الشر والبطل والفساد. وجميع الذين ليس لديهم سلطان كامل على إرادتهم لتوجيهها في طرق الرب يحتاجون إلى قوة خاصة ونعمة بالروح القدس لكي يستطيعوا أن يقبلوا توجيهات الكلمة الإلهية التي تنمّي إرادتهم وتقويها. وهنا يصبح المؤمن قادرًا على ضبط إرادته إما سلبًا بالامتناع عن الأعمال التي تحرّكها الشهوات أو المؤثرات الخارجية، وإما إيجابيًا بالمبادرة للقيام بالأعمال التي تتفق مع مشيئة الله وروح الكلمة المقدسة.
 
 أما بخصوص النمو روحيًا كما تقدم فإنه أهم أشكال النمو للشخصية الأدبية، إنه يعني:
 
 أ- تقدم المؤمن في حياة الطاعة الكاملة للرب بكل الحب والإكرام.
 
 ب- الثقة بصدق وإخلاص المواعيد الإلهية وانتظار تحقيقها بكل صبر.
 
 ج- العيش المدقق في حياة التقوى والقداسة ومخافة الرب.
 
 د- الشعور أكثر فأكثر بالقرب من الرب والاتكال عليه في جميع الأمور.
 
 ﻫ- التسليم الكامل لمشيئة الله الصالحة وعدم الاعتماد على مشورات الجسد.
 
 و- الارتفاع فوق العالم والشهوات.
 
 ز- انتظار الرجاء الأسمى ومجيء ربنا يسوع المسيح.
 
 وبهذا يتحقق لنا قول الكلمة الإلهية على لسان الرسول بولس: "بَلْ صَادِقِينَ فِي الْمَحَبَّةِ، نَنْمُو فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذَاكَ الَّذِي هُوَ الرَّأْسُ: الْمَسِيحُ، الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ مُرَكَّبًا مَعًا، وَمُقْتَرِنًا بِمُؤَازَرَةِ كُلِّ مَفْصِل، حَسَبَ عَمَل، عَلَى قِيَاسِ كُلِّ جُزْءٍ، يُحَصِّلُ نُمُوَّ الْجَسَدِ لِبُنْيَانِهِ فِي الْمَحَبَّةِ" (أفسس 15:4-16). فغاية الإيمان هي النمو المؤدي إلى ذلك المستوى الروحي للشخصية الأدبية الذي يقول عنه الكتاب أيضًا:
 
 "إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ" (أفسس 13:4).
 
 فلنهدم كل المباني القديمة التي بُنيت على أساس وأركان ضعيفة متهاوية ولنتخلّ عن كل الوصفات التي تأتينا من هنا وهناك وتقدّم لنا علاجات وهمية لبناء ونموّ شخصياتنا الأدبية، فجميع تلك الوصفات، حتى ولو عملت تحسينات ظاهرية كاذبة فهي لا تؤدي إلى نتائج حقيقية، ولكن لنكن كما يقول الكتاب:
 
 "مَبْنِيِّينَ عَلَى أَسَاسِ الرُّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزَّاوِيَةِ، الَّذِي فِيهِ كُلُّ الْبِنَاءِ مُرَكَّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدَّسًا فِي الرَّبِّ. الَّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيُّونَ مَعًا، مَسْكَنًا ِللهِ فِي الرُّوحِ" (أفسس 20:2-22).
 

المجموعة: 201011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

116 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10558840