Voice of Preaching the Gospel

vopg

تشرين الثاني November 2010

هذا السؤال الذي يبدو غامضًا - لأنه لم يوضح من هو "أنا"، ومن هو "الآخر" - يشير إلى سمة مميزة في الإنسان، ألا وهي الموقف. فكما قال أحدهم "الإنسان موقف" مما يعني أن الذي يميز الإنسان عن المخلوقات الأخرى هو قدرته على إدراك الأشياء التي من حوله، واتخاذه موقفًا منها. فعندما أدرك الإنسان الشمس، مثلاً، أخذ منها موقفًا هو العبادة، ولما زاد إدراكه لها واكتشف أنها لا تحمل أية قوة إلهية بدأ يغير موقفه منها تدريجيًا... وكلما ازداد فهمه وإدراكه لها تغيّر موقفه، إلى أن صار اليوم سيدًا يسخِّر الشمس أوالطاقة الشمسية لخدمته.

  وهكذا كان موقف الإنسان من أي شيء رآه وأدركه كالحيوانات، والأنهار، والأشجار، والأمطار، والسحب، إلخ... إلى أن وصل إلى إدراك وجود إله وذلك بمحاولاته الدؤوبة للوصول إليه؛ بالبحث خلف سر الوجود، وبالإحساس الداخلي بوجود كائن أعلى وأعظم يشده إليه، في نفس الوقت الذي كان الله فيه يعلن عن نفسه سواء من خلال الطبيعة أو الإنسان. ولأن الإنسان بمفرده كان عاجزًا عن الوصول إلى الله بحكم محدوديته فضلاً عن عدم طهارته، لذلك كان لا بد لله أن يتخذ المبادرة لأنه هو القادر على ذلك. فهو يملك الحكمة والقوة والشوق للإنسان. وهكذا كان قمة إعلان الله للإنسان في الإنسان يسوع المسيح.
 
 هذا الإعلان الكامل من الله عن شخصه، كان لا بد وأن يواجَه تلقائيًا بموقف من الإنسان، سواء سلبًا أو إيجابًا، والذين ينحون إلى الاتجاه السلبي، يتخذونه بواحد من أسلوبين: إما إنكار وجود الله تمامًا، أو الاعتراف بوجوده وإهماله في نفس الوقت (أي لا يكون الله لهم مركز الحياة)، وهكذا نستطيع أن نجد أن الإنسان - قصد أو لم يقصد - لا بد وأن يكون له موقف من الله الذي خلقه. لذلك عليك أن تسأل ذاتك هذا السؤال: ما هو موقفي من الله؟ وقبل أن تجيب عن السؤال أود أن أقدّم لك بعض النقاط فقد تجعلك تغير مفهومك عن الله وبالتالي تغير موقفك.
 
 1- الله وحريتي كإنسان
 لقد رفض الكثيرون الله بدعوى أنه يقيّد حرية الإنسان... يلغي كيانه ويصبح هو المرجع الوحيد له. فالماركسية تقول: "إن الإنسان المتعب المقيّد الخانع يقذف كل آماله في الحرية والوجود إلى شخص آخر يتخيله أنه هو الله ويصبح عبدًا لذلك الإله الذي لم يحقق له حريته وإرادته في الأرض ليحققها له بعد الموت".
 
 ولقد رفض ماركس الإله المتجبر الطاغي المسيطر على الإنسان الذي يحدّ من حريته، يحييه متى شاء، ويميته متى شاء... يحدد له موعدًا لكل حدث في حياته... يجعله يستكين للفقر والجهل والمرض لأنها كلها من عند الله، وكأن قدرة الله الكلية تعني حتمًا الطغيان.
 
 ولكني أستطيع أن أقول إن كمال اقتدار الله يتجلى في سيطرته على قدرته أن يستخدم هذه القدرة لإيجاد المخلوق ثم يتخلى عنها ليهب المخلوق وجودًا ذاتيًا وحرية. فعندما أوجد الله الإنسان خلقه على صورته كشبهه في الإرادة والحرية. إن الله عندما خلق الإنسان تقبَّل أن تنتصب حرية تجاه حريته وأن تُرفض إذا شاءت إلى أبعد حدود الرفض. فالحرية معناها إمكانية الطاعة وإمكانية التمرد أيضًا.
 
 إن صورة الله المفروضة على البشر بقوة السلاح أو سطوة المال، لا بالاهتداء الشخصي والحرية المطلقة للإنسان، جعلت الإنسان يرفض هذا الإله المتجبر الطاغي. يقول أحد الفلاسفة الوجوديين: "الله موجود، إذًا فالإنسان عبد. الإنسان ذكي عادل حرّ، إذًا فالله غير موجود". لكن المسيحية تعطي للإنسان ملء قامته، إنها تدعوه ليكون شريكًا في الطبيعة الإلهية باستخدامه حريته وإرادته.
 
 إن إلهنا ليس إله أموات بل إله أحياء، إنه يقول في القديم: "إِنِّي سَأَسْكُنُ فِيهِمْ وَأَسِيرُ بَيْنَهُمْ، وَأَكُونُ لَهُمْ إِلهًا، وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا". من هذا يتضح لنا أن هدف الله، ليس هو أن يستعبدني بل أن يمدني بوجوده. وقد حدث هذا في المسيح الذي جاء ليعيدنا إلى صورة وشبه الله كما خلقنا، وليذكّرنا بهذه الحقيقة دائمًا كلما تأملنا في شخصه وفي حياته.
 
 إن جهنم هي المظهر السلبي لحرية الإنسان التي وهبها الله له. إنها اختيار رفض الله. هذا الاحترام الإلهي لحرية الإنسان يحدد بالضبط طبيعة الإيمان، فالإيمان يقين لكنه يقين حرّ، ذلك لأن الله يريد أن يُقْبِل الناس إليه تلقائيًا، لذلك فعوض أن يفرض وجوده علينا كما تفرض الحقائق الحسية أو العلمية ذاتها فرضًا، يحتجب لكي يتسنى لنا أن نُقْبِل إليه بحرية الحب... فالإيمان هو عمل اختيار حرّ.
 
 2- الله وقراراتي اليومية
 ولكي أدرك علاقة الله بالقرارات اليومية التي اتخذها في حياتي تتداعى إلى الذهن فكرة الوكالة. فالوكالة هي حق قانوني يعطيه المالك إلى شخص آخر لا يملكه يُدعى الوكيل، به يملك التصرف في ممتلكات المالك في حدود نوعية الوكالة التي وهبها له.
 
 ويوجد نوعان من الوكالة:
 
 وكالة عامة، يتصرف بها الوكيل في كل ممتلكات المالك. ووكالة خاصة، حيث يتصرف الوكيل في جزء محدود من ممتلكات المالك ينص عليه في عقد الوكالة، "منزل، سيارة، إلخ...".
 
 وبالرجوع إلى قصة خلق الإنسان نجد أن الله خلق آدم وجعله وكيلاً عامًا، ثم خان آدم هذه الوكالة بسقوطه في الخطيئة فلم يعد هناك من البشر من هو مستحق لهذه الوكالة العامة، وبذلك أصبح كل إنسان وكيلاً عن جزء مما يمتلكه الله وهو الخاص بهذا الإنسان من ثروة ومواهب وإلخ... فكل ما يملكه الإنسان هو وكيل عام عنه، وفي نفس الوقت ما يملكه هو جزء من ملكية الله العامة، فيُعتبر وكيلاً خاصًا في هذا الجزء. ومن أهم بنود عقد الوكالة ما يلي:
 
 أ- أن تكون تصرفات الوكيل نافذة
 فالوكيل لا يملك ولكنه يأخذ صورة المالك... له الحق أن يبيع، ويشتري، ويؤجر، ويرهن، ويتعامل باسمه الشخصي، وتكون تصرفاته نافذة كأن المالك هو الذي قام بها تمامًا. وهكذا نرى أن الله لا يتدخّل في قراراتي اليومية لكنه يملك في النهاية حق محاسبتي كوكيل له. هو في كل وقت معي لكن القرار قراري.
 
 ب- أن يكون الوكيل أمينًا
 وهنا نقف قليلاً لندرك معنى الأمانة. ليس معنى أن أكون أمينًا لله هو أن ألغي أفكاري الخاصة. إن وجود الله في حياتي وأمانتي له لا يلغيان تفكيري بل يقدسانه، فليس الهدف هو عمل غسيل مخ لي، لكن الإنسان بثقافته وتكوينه الفكري يظل كما هو. وهذا ما فعله الله مع كل من تعامل معه، فهو لم يلغِ فكر إسحق نيوتن، أو جاليليو، أو لويس باستير، ولكنه قدس أفكارهم، وهكذا أيضًا لا يلغي الله نظرتنا للمال والجنس والمجتمع لكنه يقدسها.
 
 إن وجود شخص الله في حياتي لا يلغيني، ولكن يطهرني ويقدسني.
 
 ليس معنى أن أكون أمينًا لله هو ألا تكون لي شخصيتي المتميّزة؛ فكون الله يعمل في فكري، ليس معناه أن يجعلنا نسخة واحدة متكررة، فالله ليس في ذهنه صورة واحدة أو قالب واحد يريد صب الجميع فيه، لكنه يتعامل مع كل فرد على حدة، فلا يوجد إنسان مثل الآخر. إننا نخطئ كثيرًا إذا نظرنا إلى نموذج ما وقلنا هذا هو المسيحي الحق. إن المبادئ الأخلاقية أو المسيحية تختلف طرق تطبيقها من مكان لآخر، ومن زمن لآخر، ومن شخص لآخر. فلا يوجد اثنان يتطابقان تمامًا في علاقتهما بالله، لأن الله لا يعاملنا كقطيع أو جماعة، ولكن يعاملنا كأفراد متفرّدين، وعلى ذلك فالقرارات اليومية لا يتدخل فيها الله بصورة مباشرة ليملي قرارًا أو يمنع صدور آخر.
 
 ولأن الإنسان مهما فعل أو بذل من جهد لا يمكن أن يصل إلى الكمال في الأمانة، لذلك دبّر الله له الحل في آدم جديد وهبه وكالة عامة حتى أن كل الذين قبلوه قبلهم الله أيضًا، ومن خلاله صار للإنسان القدرة على أن يتصالح مع الله ثانية، وذلك بالإيمان في المسيح الذي جمعهما معًا في ذاته.
 
 3- الله وتمتعي بالقوة والقدرة
 
إن قبولي لله في حياتي وبناء علاقة شخصية معه يجعلانني أتمتع بأشياء كثيرة ومتعددة. فوجوده في حياتي يهبني قوة وقدرة لا يمكنهما أن يتحققا لي إن لم يكن هو بشخصه معي... هذه القوة تزداد عمقًا في علاقتي معه، فكلما ازددت عمقًا في علاقتي مع الله كان تمتعي بالقوة والمقدرة أكبر وأكثر.
 
 ونحن كثيرًا ما نتحدث عن الله عندما نتحدث في الروحانيات وننسى أن الله يهتمّ جدًا بأن يكون أولاده ناجحين في مجتمعهم وأسرهم وعلاقاتهم. إن الله يستطيع أن يرفعك فوق المصاعب والمشاكل التي تواجهك. إن وجود المسيح في حياتك يعطيك معنى القوة والقدرة اللتين تجدهما في الله في كل مناحي الحياة. فهو يملأ بالقوة، وعند اليأس يعطي رجاء، وفي الفشل صمودًا، وفي النجاح تواضعًا.
 
 إن الإله الذي أودّ أن تدركه ليس الإله المتجبّر الطاغي الذي يحدّ حريتك ويستمتع بهذا، بل هو الإله الذي يتلذّذ بحريتك، ويستمتع بالثقة فيك، ويجعلك وكيلاً عنه في كل قراراتك اليومية... الذي يشتاق أن يملأك بالقوة والقدرة... والذي يتلهّف ليسمع منك إجابة عن السؤال:
 أين أنا منك؟!

المجموعة: 201011

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

132 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
10539915