آب Agust 2011
وتنطلقُ الصيحاتُ مع كل هتافٍ تعبيرًا عن رغبات القلب الدّفينة. وتخرجُ الصرَخاتُ من حنايا النفس، عساها تصلُ آذان مَنْ في أيديهم القضيبُ والصَّولجان. وتعلو الهتافاتُ حاملةً معها أنَّات الإنسان، واختلاجاتِ الوجدان علَّها تجدُ صدىً في القلوب، أو ردًا إيجابيًا لدى الأسياد القابعين على كراسي الحكم والسلطان. وهكذا يخرج المواطن من تحت وطأة الطغيان والاستبداد، لكي يطالب بحريته واستقلاله في جماعاتٍ وحشودٍ يملأون الأزقَّة والشوارع والساحات.
ويختلطُ الهتاف مع الأصوات المتحشرجة للأفراد والشعوب التي ترفعُ اللافتات مناديةً بالشعارات والمطالب المُحقَّة. وعندما ترتفعُ الأنظار وتشرئبُّ الأعناقُ نحوَ القادةِ المنظِّمين في الصفوف الأولى، يعودُ الأملُ ليدغدغ َ قلبَ هذا الإنسان المكبّل في فك الأسر ونوال الحرية.
وتنطلقُ الصيحاتُ مع كل هتافٍ تعبيرًا عن رغبات القلب الدّفينة. وتخرجُ الصرَخاتُ من حنايا النفس، عساها تصلُ آذان مَنْ في أيديهم القضيبُ والصَّولجان. وتعلو الهتافاتُ حاملةً معها أنَّات الإنسان، واختلاجاتِ الوجدان علَّها تجدُ صدىً في القلوب، أو ردًا إيجابيًا لدى الأسياد القابعين على كراسي الحكم والسلطان. وهكذا يخرج المواطن من تحت وطأة الطغيان والاستبداد، لكي يطالب بحريته واستقلاله في جماعاتٍ وحشودٍ يملأون الأزقَّة والشوارع والساحات. ويختلطُ الهتاف مع الأصوات المتحشرجة للأفراد والشعوب التي ترفعُ اللافتات مناديةً بالشعارات والمطالب المُحقَّة. وعندما ترتفعُ الأنظار وتشرئبُّ الأعناقُ نحوَ القادةِ المنظِّمين في الصفوف الأولى، يعودُ الأملُ ليدغدغ َ قلبَ هذا الإنسان المكبّل في فك الأسر ونوال الحرية. كلا، هذه ليس صورةً من عبر التاريخ أو غابر الأزمان، أو وصفًا من الخيال، أو تعبيرًا من تعابير المجاز، أو مسرحية تُمثَّلُ على المسرح، بل إنّه الواقع الأليم الذي سادَ في بلادنا العربية الحبيبة، منذُ مطلع العَقد الثاني في هذا القرن، القرن الحادي والعشرين. ولا يمرُّ يوم إلا ونرى فيه النزاعَ يتفاقم ويزداد حدَّةً بين المواطن والحكومات، والشعب والسلطة، ويسقط الإنسان الذي يصبو إلى التغيير، مضرَّجًا بدماه وصائرًا ضحيةً في سبيل لؤلؤةٍ يبحث عنها، وجوهرةٍ يريدُ اقتناءها ألا وهي المسمَّاةُ بـ "الحرية". وتصطبغ أرضُ الوطن بدماء الشهداء يومًا بعد يوم، ويقضي الكثيرون من جرَّاء العنف والاضطراب والمواجهات، حتى لَيَصحُّ فيهم قولُ أمير الشعراء أحمد شوقي: وللحريةِِ الحمراءِ بابٌ بكلِّ يدٍٍ مضرجة يدقُّ هذه هي صورة الواقع الآن في مجتمع الإنسان في بلادنا العربية. وما تبرحُ الأصواتُ تخرج مدويةً لتصلَ إلى العالم عبرَ أجهزة التواصل المرئية والمسموعة والمقروءة، والشبكات الإلكترونية الخاصة والاجتماعية، وهي تنادي بالحرية واسترجاع الكرامة المهدورة. وتسقطُ النفوسُ صرعى على أرض الوطن، وتتَّشح الأمهات بالسواد، ويبكي القلبُ حسرةً على المفقودين في سبيل الحرية. ترى، هل اختلف الإنسانُ الحديث عن إنسان الماضي؟ الذي رفض هو الآخر القمعَ والخنوعَ والظُلم منذُ وجودِه؟ بالطبع كلا، وإن اختلفت الوسائل أو الأساليب. فالإنسان يَنشد الحرية منذ أن خُلق ويبغي التحرر من كل القيود والأغلال التي تكبّله. وهو دائم السعي في سبيل الحصول على ضالته المنشودة لينعَمَ بالانطلاق ويعيشَ حرًا طليقًا كما يعيش العصفور محلِّقًا في الفضاء. لكن، فاتَ على الإنسان وإنْ تقدَّمت به الأيام أو توالت عليه السنون والعقود والقرون - ونحن هنا لا نقلِّل بالطبع من قيمة سعي الإنسان وأينما كان، من أجل الحرية أو المطالبة بها ولا بأي شكل من الأشكال - غاب عن ذهنه أنه حتى ولو وصل إلى الحرية المبتغاة وعاش في ظلِّها وتمتَّع بها في وطنه، ومارس من ضمنها حقوقه المشروعة، فإنَّه لسوف يظلُّ مكبّلاً في داخله بسبب قيودٍ تحيط بروحه، حتى وإن لم يعِ ذلك في أحيانٍ كثيرة. ويبقى ما يتوق إليه من حرية حقة ضالَّته المنشودة حتى وإنْ تحرَّر من الظلم أو استرجعَ حقوقه المسلوبة. وليس إنسان القرن الحادي والعشرين الذي يبحث عن هذه اللؤلؤة (الحرية)، بل هو الإنسانُ منذ الزمان الغابر. ومنذ أكثرَ من ألفي سنة دارَ حديثٌ عن هذه الضالَّة المنشودة عينِها، بينَ الرب يسوع المسيح وبين شلّةٍ من اليهود المتعصّبين، حمَلةِ الناموس وحافظي الشريعة، وكانت النتيجة أن بُهِروا بكلامه وتعجَّبوا من تصريحاته عن نفسه وعن شخصه. وعلى الرغم من أنَّ كثيرين آمنوا به بينما كان يتكلم، إلا أنَّ يسوع أراد أن يمتحن قدرَ استيعابهم لحقيقة تعليمه فقال لليهود الذين آمنوا به: "إنْ ثبتُّم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي. وتعرفون الحقَّ والحقُّ يحِّررُكم" (يوحنا 31:8-32). "ترى مَن هو هذا الذي نَسيَ أو تناسى مَن نحن؟" جاء لسانُ حالهم. فأجابوه للحال ومن دون انتظار: "إنَّنا ذريةُ إبراهيم ولم نُستعبدْ لأحد قط. كيف تقول أنتَ إنكم تصيرون أحرارًا؟" (عدد 33). نحن نسلُ إبراهيم أبينا، ولم نكن يومًا عبيدًا لأحد. فإذا لم نكن عبيدًا فمِمَّن سنتحرر؟ لم يكن تصريحهم هذا صحيحًا بالطبع، لأنهم كشعب كانوا تحتَ نير العبودية في مصر مدة أربعة قرون متتالية. وبعد ذلك يخبرنا الوحي المقدس بأنهم استُعبدوا للأشوريين، ومن ثمَّ للبابليين وبعد ذلك للفرس، وَتَلاهم اليونان. وحين تكلَّم يسوع في الهيكل إليهم عن أنَّ الحقَّ وحدَه هو الذي يحرِّرهم، تنكَّروا بأنَّهم لم يستعبدوا لأحد قطُّ وهم الذين كانوا عندئذٍ يرزحون تحت حكم الرومان. نعم، تجاهلوا كلَّ ذلك التاريخ الحافل بالاستعباد، وصرَّحوا بأنهم أحرارٌ أبًا عن جَدّ. لقد علِم الربُّ يسوع - وهو العالم بالقلوب وفاحص الكلى - بأنَّهم لم يُدركوا قصدَه الأسمى، فأجابهم من جديد: "الحقَّ الحقَّ أقول لكم إنَّ كلَّ مَنْ يعمل الخطية هو عبد للخطية... فإنْ حرَّركم الابنُ فبالحقيقة تكونون أحرارًا" (عدد 34 و36). ولا أحدََ آخرََ البتة، غيرُ "الابن" كلمةُ الله الذي حلَّ بيننا وصارَ بشرًا. هو الذي يعرفُ حالةَ الإنسان من الداخل، حالةَ قلبه وفكره ونفسه وروحه، يعرف كيانه الداخلي المكبَّل والمقيَّد بفعل الخطية. وهذا بالضبط ما أدلى به الرسول بولس - أحدُ رسل المسيحية الأوائل - إذ قال: "لأني لست أعرف ما أنا أفعله إذ لست أفعل ما أريده بل ما أُبغضُه فإيَّاهُ أفعل... فالآن لستُ بعد أفعل ذلك أنا بل الخطيةُ الساكنة في" (رومية 15:7 و17). وتلى ذلك التصريح لبولس صرخةً قويةً طالبًا النَّجدة لكي يتخلَّص من ناموس الخطية الذي يسودُ عليه ويسبيهِ لفعل الخطية فقال: "ويحي أنا الإنسان الشقي مَن ينقذني من جسد هذا الموت؟" نعم، لم يبقَ هكذا يائسًا فاشلاً بسبب خطاياه التي تكبّله من الداخل، لكنَّه توصَّل إلى الحلِّ فقال بالروح القدس: "أشكر اللهَ بيسوع المسيح ربِّنا... لأنَّ ناموسَ روحِ الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت" (رومية 24:7 و25؛ و2:8). لماذا انعتاقُ الإنسان الداخلي من سلطان الخطية والتحرُّر من قيودها، هو الأكثرُ أهميةً من سعيِه وراء حريته في بلده بهدف أن يعيش مواطنًا مكرَّمًا ومحترمًا؟ لأنَّ الثاني - يا قارئي - هو تحرُّر وانعتاق من الظلم والاستبداد لطالما أنَّ الإنسانَ حيٌّ يرزق، أي لأنَّ حريته التي ينالها تبقى مؤقتة ومرتبطة بهذه الأرض الفانية. أمَّا تحرُّر الروح وانطلاقُها من أسر الشيطان ومن أغلال الخطية، فهو أبديٌّ، لأن هذا النوع من الحرية يعتق الإنسانَ من الموت الأبدي الذي هو عقاب الخطية وأجرتُها. هذه هي هبةُ الله للإنسان الخاطئ في المسيح يسوع ربنا. تمامًا كما أكد هو بنفسه لليهود في الهيكل، بأنه وحده "الحقّ" الذي يحرِّر لأنه قدَّم نفسه فديةً عن خطايانا، ليطهِّرنا وينقينا ويجعلنا أبرارًا أمام الله الآب. فيا حبَّذا أن يدرك الإنسانُ معنى الحرية الحقيقية. ويا لسعادة المرء الذي انتبه إلى أنَّ لحياته بُعدًا آخر يختلف تمامًا عن البعد الملموس والحسِّي، بُعدًا روحيًا في أعماق نفسه وحناياه الداخلية. هذا هو الذي يصرخُ فينا لأنه يحتاج حاجةً ماسة إلى الانعتاق الفعلي والكلِّي والكامل. وحذارِ من أن تحذوَ - صديقي القارئ - حذوَ أولئك اليهود الذين أنكروا هذه الحقيقة ولم يعترفوا لا بواقعهم المرير الذي كانوا يرزحون تحته، ولا بالأغلال التي تكبِّل أرواحهم. وحريٌّ بكَ يا قارئي أن تضمَّ صوتك إلى صرخة النصرة والغلبة التي فاه بها بولس، وتقول معه نعم، أشكر الله بيسوع المسيح ربنا لأنه وحده المحرر الأوحد. تعال اهتف مع المرنم في فريق الحياة الأفضل من مصر وقل هذه الكلمات بروح الصلاة: تركتُ كلَّ الكون واحتميتُ فيك مكبّلا بقيودي أناديك القرار أطلقْني حرًا سيدي... أطلقني حرًا واكسر قيودي سيدي... أطلقني حرًا سئمتُ من كلِّ وعودي الكاذبة فاسمع لصوت كلماتي التائبة فالعمر يمضي والسنون تنتهي والقلبُ يخطئُ والعيون تشتهي أسكنُ بين يديكَ أستكينْ أحتمي في ناظريْك كلَّ حين القرار أطلقني حرا سيدي... أطلقني حرًا واكسر قيودي سيدي... أطلقني حرًا