Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2011

 لست أعني به أحد المفاتيح التي أعطاها المسيح لبطرس قائلاً: "وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات"، ولست أقصد به أي مفتاح ميّز به المسيح رسولاً أو زعيمًا دينيًا، أو مؤمنًا ممتازًا، بل أردت به ذلك المفتاح "المشترك" الذي سلّمه المسيح لكل مؤمن به، وإذا كان قد اختص به جماعة دون أخرى، فما هذه إلا جماعة المؤمنين "الذين تحت الآلام مثلنا".

"كَانَ إِيلِيَّا إِنْسَانًا تَحْتَ الآلاَمِ مِثْلَنَا، وَصَلَّى صَلاَةً أَنْ لاَ تُمْطِرَ، فَلَمْ تُمْطِرْ عَلَى الأَرْضِ ثَلاَثَ سِنِينَ وَسِتَّةَ أَشْهُرٍ. ثُمَّ صَلَّى أَيْضًا، فَأَعْطَتِ السَّمَاءُ مَطَرًا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ ثَمَرَهَا".

هذا إذن هو المفتاح الذي يفتح السماء وهو الذي يغلقها - هو مفتاح الصلاة. غير أن هذا المفتاح قد علاه الصدأ، لأن كثيرين من المؤمنين قد أهملوه! فلقد وضع الكثيرون نصب أعينهم أن يكونوا رجال منابر، واهتم آخرون بأن يكونوا رجالاً خيِّرين، لهم على الناس أفضال ومآثر، لكن قليلين جدًا من المؤمنين رغبوا في أن يكونوا رجال صلاة. والكل يعلم علم اليقين أن عدو الخير لا يبالي بنا إذا وعظنا أو خطبنا، ولا يكترث بجهودنا إذا بذلنا في سبيل الخير النفس والنفيس، لكنه يضطرب شديد الاضطراب إذا رأى مؤمنًا واحدًا واقفًا أمام الله في الصلاة، لأن الواعظ غير المصلي إنما يعظ من نفسه ولنفسه وبنفسه. والساعي إلى الخير من غير أن يكون مصليًا، قد ينقلب سعيه الصالح إلى "سعاية" في سبيل الشر، فينحرف عن خدمة الله، ومحبة البشر، إلى خدمة غير نبيلة، يصوّرها له عدوّ الخير في شكل ملاك رحمة ونور. ومن العجاب، أن المفتاح الذي يلزمنا أكثر من سواه، هو المفتاح الذي أهملناه وانصرفنا إلى كل ما هو عداه. فلنرجع إلى هذا المفتاح القديم، باحثين عنه في المكان الذي أضعناه فيه، علنا نهتدي إليه، فنجلو عنه الصدأ الذي علق به، ذاكرين قول المسيح في المجد لملاك كنيسة أفسس: "فَاذْكُرْ مِنْ أَيْنَ سَقَطْتَ وَتُبْ، وَاعْمَلِ الأَعْمَالَ الأُولَى، وَإِّلاَّ فَإِنِّي آتِيكَ عَنْ قَرِيبٍ وَأُزَحْزِحُ مَنَارَتَكَ مِنْ مَكَانِهَا، إِنْ لَمْ تَتُبْ".

أ- ما هي العناصر التي يتركب منها هذا المفتاح؟

قال المسيح في موعظة الأجيال والدهور: "اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ". هذه ثلاث كلمات ذكرها المسيح للتعبير عن الصلاة: "اِسْأَلُوا... اُطْلُبُوا... اِقْرَعُوا" وهي سائرة في نظام تدريجي. "فالسؤال" عمل ابتدائي. "والطلب" ينطوي على شيء من المثابرة في السؤال. "والقرع" ينمّ عن إلحاح وإلحاف في الطلب، وينطوي على عزيمة صادقة لا يتطرّق إليها الوهن، ولا يدركها كلل ولا ملل. ويجوز أن نقول إن "السؤال" يصدر عن العقل، فكل ما يخطر ببال المرء من احتياج يتقدّم به إلى الله في الصلاة في شكل "سؤال". ومن حيّز العقل تنتقل الصلاة إلى منطقة القلب والعاطفة فتتخذ الصلاة شكل "طلب". ومن القلب والعاطفة تنتقل الصلاة إلى دائرة الإرادة والعزيمة الصادقة، التي ترفض الرفض، وتأبى أن تُرَدّ، فتنزع في صيغة "القرع" على باب المراحم الإلهية بإصرار لا يتطرّق إليه الوهن وتصميم لا يعرف بابًا للتراجع. من هذا يتبيّن لنا أن العناصر التي يتركّب منها مفتاح الصلاة مثلّثة... أولها العقل، وثانيها العاطفة وثالثها الإرادة. في دائرة العقل تكون الصلاة مجرد رغبة أو خاطر يخطر ببال إنسان، فيرفع المصلّي هذه الرغبة إلى الله مرسلاً معها كلمات: "ليت"، "لعلّ" و"عسى". غير أن المصلّي الحقيقي لا يقف في الصلاة عند "ليت"، "لعلّ" و"عسى" - لأن هذه كلها تؤدي به إلى مدينة "بؤس" - بل يتقدم طالبًا حقه، وإن شئت قل مطالبًا بحقوقه - من الله. وفي هذا الدور تنتقل الصلاة من حيّز الفكر إلى حيّز القلب والعاطفة. فبعد أن كانت مجرد رغبة عارضة تصبح أمنية قلبية صادقة، وفي النهاية تمسي إرادة قوية "لا تميل، ولا تملّ ولا تلين". قد يكتفي المؤمن في بدء حياته الروحية بمجرّد "السؤال" فيكون كعابر السبيل، يخطر لباله أن يلج بابًا، فيدقّ الجرس دقة واحدة خافتة ضعيفة. وهو خائف وجِلٌ من صاحب الدار، لأنه لا يعرف شيئًا عن ذاته ولا عن صفاته، فيخشى ألا يقابله بشيء من الترحيب. هذه هي "صلاة السؤال" الظاهرة في قوله "اسألوا".

وحين يتقدم المؤمن في حياته الروحية يتخطى طور الضيف العابر المكتفي بالسؤال، ويصبح ضيفًا معروفًا عند ربّ الدار، فيدقّ الجرس دقتين، وهو شاعر أنه صاحب حق بالدخول لأن بينه وبين رب البيت شيئًا من التفاهم - هذه هي صلاة الطلب الواضحة في قوله "اطلبوا". وإذ يتدرّج المؤمن في الشركة الصادقة مع الله، ينتقل إلى دور الرجولة في الصلاة بعد أن يكون قد "أبطل ما للطفل"، ويترك موقف الضيف العابر متخذًا مقام ابن البيت الذي يقف عند باب بيت أبيه بل على باب بيته هو، فيقرع الباب مثنّى وثلاث ورباع - وإذا دعا الأمر فإلى سبع مرات، بل إلى سبعين مرة سبع مرات؛ لأنه عقد العزم على عدم الرجوع. هذه هي صلاة القرع المعبر عنها بقوله: "اقرعوا".

وهناك سؤال آخر:

ب- ماذا ننال حين نستخدم هذا المفتاح؟

يقول المسيح: "اِسْأَلُوا تُعْطَوْا. اُطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ، وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ، وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ".

إنه لواضح أن كل من يسأل يأخذ، ولكن ماذا يأخذ؟ هل يأخذ بالضرورة ما سأله في الصلاة؟ ومن المسلم به أن كل من يطلب يجد، ولكن ماذا يجد؟ هل يجد بالضرورة ما كان يطلب؟ ومن المحقق أن كل من يقرع يُفتح له. ولكن، هل من الضروري أن يُفتح له الباب الذي كان يقرعه بالذات؟!

إن اختبار المؤمنين يشهد شهادة يقينية صادقة أن كل من يسأل قد أخذ، لكنه لم يأخذ دائمًا ما سأل بالذات! إذًا ماذا أخذ؟ وإن كل من طلب قد وجد، لكنه لم يجد ما طلب بالذات. وأن كل من قرع فُتِح له، لكن لم يُفتح له بالضرورة نفس الباب الذي كان يقرع.

إن في هذا دليلاً على أن المصلي، لا بدّ أن ينال شيئًا، لكن ليس من الضروري أن يكون هذا الشيء هو الذي سأله من الله. فقد يرفض الله أن يجيبه إلى ما سأل، لكنه يعطيه شيئًا أفضل. بل قد يسمح الله بأن لا يُعطى المصلي شيئًا لكنه يعطيه نفسه، فيغنيه بالشخص عن الشيء، ويكافئه بالغرض بدل العرض، وينيله الباقي بدل الفاني.

لقد طلب أعمى أريحا من المسيح أن يرحمه، ولسنا ندري ماذا كان يقصد من قوله "ارحمني". ومما لا شك فيه أن "الرحمة" التي طلبها من المسيح، كانت آفاقها أضيق بكثير من "الرحمة التي منحه المسيح إياها. فلعل رحمته اقتصرت على بعض الماديات، ولعلها لم تتخطّ نور البصر، لكن الرحمة التي منحه المسيح إياها قد تخطت الماديات إلى الروحيات، وتخطت نور البصر حتى بلغت إنارة البصيرة، وتعدّت الإحسان المنظور إلى الغفران غير المنظور. فكل ما كان يطمع فيه ذلك الأعمى هو أن يُعطى البصر ليرى العالم الذي حوله، والبشر الذين يحيطون به، لكن المسيح أعطاه بصيرة روحية فرأى المسيح نفسه رب السماء والأرض، وتملّى بصره برؤية ذاك الذي هو أبرع جمالاً من كل بني البشر.

وقد يرفض الله أن يعطينا ما نطلب لأنه يريد أن يعطينا ما نحتاج. والفرق عظيم، والبون شاسع بين ما نطلب وبين ما نحتاج. فقد يطلب الطفل المحموم شيئًا من الحلوى أو قطعة من اللحوم، في حين أنه يحتاج إلى الدواء.

وقد نظل وقتًا طويلاً من الزمن نقرع باب حاجة معينة، نشعر أن حياتنا ناقصة من دونها، فيحوّل الله وجوهنا عن باب الحاجة التي نريدها، ليفتح بسعة بابًا لفرصة روحية يكون الرب قد دعانا إليها ونحن لا ندري، لأن أصوات العالم المحيطة بنا، قد طغت على صوت دعوته العليا لنا.

فإن سألنا شيئًا ولم نأخذه، فلنشكر الله على كل شيء منعه عنا، ولنفتح عيوننا إلى الشيء الأفضل الذي أعطانا إياه، بل إلى الشخص الأعظم الذي لنا فيه ميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحلّ؛ وإن كان شوكًا ما يعطينا إياه، فهو خير من ورد نسأله نحن لأنفسنا.

وإن طلبنا شيئًا ولم نجده، فلا نصرف وقتنا في البكاء على ما لم نجد، بل علينا أن نكفكف دموعنا، علنا نرى الكنوز الفضلى التي وضعها الله في متناول أيدينا ونحن عنها غافلون، لأننا عنه لاهون. فقد يذهب أحدهم إلى الصحراء مفتشًا ومنقبًا عن منجم حديد، فيُفتح له منجم ذهب وهو لا يدري! وقد يقضي أحدهم أعوامًا طويلة، يعمل في محجر، وبعد وقت وجيز، يُفتح له باب منجم للحجارة الكريمة التي لا تُقدَّر بمال! وقد نصلي إلى الله أعوامًا طوالاً طالبين ومتوسّلين أن يفتح لنا باب صديق نضع عليه اتكالنا، فتشاء مراحمه الأبوية أن تغلق في وجوهنا مثل هذه الأبواب الأرضية ليفتح لنا بابًا سماويًا نرى منه وجهه تعالى، فتنحدر لنا منه خير النعم وأجلّ البركات!

فما أرحمه وما أرحم قلبه! فهو كريم إذا منع... وكريم إذا منح... فنشكره على كل حال، ولنستمرّ مصلين على هذا المنوال.

المجموعة: 201102

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

140 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11576843