Voice of Preaching the Gospel

vopg

شباط February 2011

 إن المعتقدات الدينية ليست منزّهةً عن المحاورة والتساؤل والاستفسار، وحتى الجدال والتشكّك، لا بل وأحيانًا كثيرة تتعرّض للرفض حتى ممن يحسبون من أتباعها. وهذا شيءٌ حاصل في طبيعة البشر.

والذين منا يضعون العقائد الدينية في صندوق فولاذيٍّ مقفلٍ لا يجوز التشكيك فيه أو التحاور حول صحته، فذلك يندرج ضمن الإرهاب الفكري، وخنق الحرية، وكبت الأنفاس، علمًا أنّ الله لا يعامل الناس بهذا الأسلوب، ولا يُجبر الانسان على الإيمان به. ومن كفر بالله لا يمْنع عنه الهواء، ولا يقصّ لسانه، أو يعمي عينيه! وقد ينجح الشرير في تجارته أكثر من مؤمنٍ صالح طيب القلب… ويتساءل البعض: أين السر في هذا؟!

السر هو أن الله أعطى الإنسان الحرية في أن يقبل أو يرفض. فهو سبحانه مَنْ قال لآدم: "لك أن تأكل من جميع شجر الجنة كما تشاء، وهذه الشجرة التي في وسط الجنة لا تأكل منها… فإن أكلت وخالفت وصيتي سيسري عليك حكم الموت".

ماذا يعني هذا الكلام؟

هذا يعني:

أولاً: إن الله أعطى آدم ونسله من بعده الحرية في اتخاذ القرار في أن يطيع الله أو لا.

ثانيًا: حمَّل الله آدم ونسله من بعده مسؤولية مخالفة وصية الله. فمن أطاعه نال خيرًا، ومن لم يطعه سيتحمّل الجزاء.

ثالثًا: والجزاء غير فوري لأننا رأينا أنه عندما أغوي آدم ومدّ يده إلى الشجرة المحرمة فالله لم يقطع يده، ولم يقلع عينه، أو يبتر رجله ليبعده عنها، بل تركه يتخذ قراره بحريته ويتحمّل مسؤولية العقاب الكبرى في يوم الدين.

فنحن اليوم كبشرٍ عاكسنا أسلوب الله في التعامل مع الذين يخطئون ويتعدّون شرع الله، وأقمنا بذلك محاكم تفتيش قسرية تسحق المخالفين سحقًا بلا هوادة، ونسينا أن الله أقام يومًا فيه سيدين من خرج عن رأيه أو خالف شرائعه.

ولأن الله هو العادل المطلق الأوحد فهو لم يمنح أحدًا من البشر أن يكون وكيلاً عنه ليقتصَّ ممن تعدى أمر الله وعصاه. هذا الكلام لا يبرر العصاة على الله، فجزاؤهم لو استمروا مخزون لهم في يوم الدين.

هذا هو المبدأ المسيحي في التعامل مع من يعصي الله، الذين يسمّيهم الإنجيل "بالخطأة". فالناس في نظر الله صنفان: خطاة وأبرار. ولأجل الخطاة جاء المسيح! لم يأتِ في مجيئه الأول لأجل الأبرار بل لأجل الخطاة. فقد عاش معهم وبينهم، واحتكّ بهم وناقشهم، وتحمّل أذاهم وأحبهم، ولاطفهم. وأوصانا نحن أتباعه أن نحبهم ونكرمهم ونكون لهم المثال الصالح لجذبهم وعودتهم إلى الطريق الحق من جديد، وهذا ما تمَّ حرفيًا مع المسيح، فقد ربح مريم المجدلية التي كانت قمة في الشر! يصفها الوحي بأن سبعة شياطين كانت تسكن فيها، فحرّرها، وأطلق أسرها، وصنع منها قديسة طاهرة نقية، وصار لها دور في خدمة الكنيسة في عهدها الأول قبل ألفي عام.

كما خلّص المسيح القدوس زكا العشار - جابي الضرائب الجشع الذي كان ظالمًا للناس مبتزًا لمواطنيه في مدينة أريحا. لكن المسيح وهو عارف بحال زكا وبسرائره، عبّر له بكل اللطف والحنان عن رغبته بزيارته في بيته! فهذا التقارب اللطيف جعل من زكا في أثناء زيارة المسيح له إنسانًا تائبًا مؤمنًا طائعًا عابدًا له. وها قصة رجوع زكا إلى الله بالتوبة الصادقة موجودة في إنجيل لوقا 19.

ولقد كان من بين ملامات اليهود للمسيح في زمانه أنه كان صديقًا للخطاة، حتى نقده فريسيٌ كان المسيح يجلس في بيته حين دخلت امرأة نادمة تائبة، وعبّرت عن توبتها وشكرها للمسيح الذي أنقذها بأن سكبت قارورة طيب على رأسه، ومسحت رجليه بشعر رأسها، وهي تبكي انسحاقًا وحبًا وتقديرًا له. فقال الفريسي صاحب البيت: لو كان هذا يعلم من هي هذه الخاطئة لما سمح لها بأن تقترب منه وتلمسه.

لقد قلتها مرة وأقولها اليوم، إننا نحن كشرقيين نميل دائمًا إلى الحكم المطلق وننسى أن محاكم التفتيش كانت غلطة في التاريخ - تم الاعتذار عنها - ومع ذلك فاليوم هناك وجود لمحاكم تفتيش متنوعة قائمة في المجتمعات. الشيء الذي يولّد في الناس تهرّبًا من الأحكام القاسية بالنفاق والتظاهر بالتقوى إرضاءً للناس؛ بينما الصورة في الداخل تختلف كثيرًا عن الواقع. وهذا ما يولّده الحكم العنيف على الخطاة والعصاة بالترهيب والوعيد.

عاش المسيح القدوس حياته على الأرض وسط مجتمعٍ شرقي وعلى أرضٍ شرقية، وبين عاداتٍ تحكمها تقاليد شرقية. وقد نبّه في خطبه ومواعظه بين الجماهير على السلبيات التي تولّد النفاق والتظاهر بالتقوى إرضاءً للناس، فقال في عظته على الجبل المدوّنة في إنجيل متى 5-7 ما يلي:

فقال في الصدقة: "اِحْتَرِزُوا مِنْ أَنْ تَصْنَعُوا صَدَقَتَكُمْ قُدَّامَ النَّاسِ لِكَيْ يَنْظُرُوكُمْ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ لَكُمْ أَجْرٌ عِنْدَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ (أي عند الله). فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُصَوِّتْ قُدَّامَكَ بِالْبُوقِ، كَمَا يَفْعَلُ الْمُرَاؤُونَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي الأَزِقَّةِ، لِكَيْ يُمَجَّدُوا مِنَ النَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ! (ويخاطب هنا المؤمنين) وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صَنَعْتَ صَدَقَةً فَلاَ تُعَرِّفْ شِمَالَكَ مَا تَفْعَلُ يَمِينُكَ، لِكَيْ تَكُونَ صَدَقَتُكَ فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ (أي إلهك) الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ هُوَ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً".

كما قال المسيح في الصلاة ما يلي:

"وَمَتَى صَلَّيْتَ فَلاَ تَكُنْ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُحِبُّونَ أَنْ يُصَلُّوا قَائِمِينَ فِي الْمَجَامِعِ وَفِي زَوَايَا الشَّوَارِعِ، لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ (أي استوفوا مديح الناس لهم وليس مديح الله لأن صلاتهم نفاق لأجل إرضاء الناس).

وقال المسيح القدوس في الصوم:

"وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ:

إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً". فما قدّمناه حتى الآن في هذه الحلقة يمثّل أسلوب التعامل بالحسنى مع المخطئين، لا بالترهيب والوعيد، لأن ذلك يصنع من المجتمع الذي يعيش في ظلاله مجتمعًا خانعًا أو منافقًا تكمن في داخله بذور التمرّد والكفر بكل القيم التي عاشها تحت التهديد بالعصا والترويع.

لعلنا بهذا أوضحنا كيف تتعامل الكنيسة المسيحية بإيجابية مع شعبها ومن يتمنى أن يعيش في ظلالها بأمنٍ وسلام وحريةٍ مقدسة.

المجموعة: 201102

logo

دورة مجانية للدروس بالمراسلة

فرصة نادرة تمكنك من دراسة حياة السيد المسيح، ودراسة حياة ورسائل بولس الرسول. عندما تنتهي من هاتين الدراستين تكون قد أكملت دراسة معظم أسفار العهد الجديد. تتألف كل سلسلة من ثلاثين درسًا. تُمنح في نهاية كل منها شهادة خاصة. للمباشرة بالدراسة، أضغط على خانة الاشتراك واملأ البيانات. 

صوت الكرازة بالإنجيل

Voice of Preaching the Gospel
PO Box 15013
Colorado Springs, CO 80935
Email: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
Fax & Tel: (719) 574-6075

عدد الزوار حاليا

498 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع

إحصاءات

عدد الزيارات
11577651